شركة بيشة والربيع العربي لمجلس إدارتها
جاءت طبخة الربيع العربي ساخنة جدا فوق فرن من الثورات أطاحت بعدد من الرؤساء العرب بالقوة بعد أن تشبثوا بكراسيهم، وفي دول عربية أخرى لا يستقر المجلس الوزاري شهرا وينعم الوزراء بكراسيهم حتى يتم تغييرهم والحجة دائما هي الفساد، فساد من؟ فساد ماذا؟ لا يهم، المهم أن الفساد أصبح عباءة سوداء لا تشف عما تحتها.
ويبدو أن هذه ظاهرة الربيع بدأت تتسرب إلى عالم الشركات. فها هي شركة بيشة تفشل في عقد جمعيتها العمومية الأحد الماضي لعدم اكتمال النصاب، وهذا أمر معتاد في عالم الشركات وخاصة العربية منها لكن المدهش عندي ليس في الجمعية ولا في تأجيلها بل في موضوعاتها المطروحة للنقاش والتي تضمنت تعيين مراقب حسـابات للشركة والموافقة على إقالة ثلاثة من أعضاء المجلس، وإذا كان الموضوع الأول معتادا فإن المدهش في الموضوع الثاني هو تفسير أسبابه، حيث جاءت إقالة الأعضاء بسبب عــدم انسجــامـهــم مع أعضــاء المجـلـس. فإذا كان عدد أعضاء المجلس سبعة أعضاء أي أنه سيتم جبرا إقالة أكثر من ثلث المجلس والسبب هو الانسجام فقط فلا أدري عن أي انسجام تتحدثين يا ''بيشة''، وانسجام من مع من، وفي أي موضوع؟ وهل وافق أعضاء مجلس الإدارة المقالين على الدعوة للجمعية وهم سيقالون منها؟ ولماذا لم يقدموا استقالاتهم دون جمعية. ألم يصلوا إلى مجلس الإدارة عن طريق التصويت وهم يمثلون بذلك شريحة من المساهمين، فما معنى الانسجام إذا وما مكانه من الإعراب في جملة الشركة المتعثرة منذ أن أنشئت.
المادة (66) من نظام الشركات تنص على حق الجمعية العامة العادية في كل وقت عزل جميع أو بعض أعضاء مجلس الإدارة، ولو نص نظام الشركة على خلاف ذلك دون إخلال بحق العضو المعزول في مساءلة الشركة إذا وقع العزل لغير مبرر مقبول أو في وقت غير لائق. فإذا كان الأعضاء المراد عزلهم أشاروا في تصريحات لـ ''الاقتصادية'' أنهم سيطعنون في نظامية عقد الجمعية لدى ديوان المظالم، ومعنى كل هذا أن حال شركة بيشة لم يستقر منذ عصفت بها أزمة 2006 وفشلها في تمرير القوائم المالية آنذاك. وليس هناك أمل قريب في أن يستقر المجلس ويبدأ مهامه الجسام وهي إصدار قوائم مالية تعكس الوضع المالي للشركة ومن ثم العمل على اتخاذ خطوات تصحيحية، والتي منها حل الشركة أو عودتها للتداول ورفع رأس المال.
من المؤلم الذي يحدث في شركة بيشة والخوف من انتقال هذه العدوى إلى شركات أخرى بدأت تحتضر والسوق المالية لم تزل فيها شركات في مثل الوضع المالي لشركة بيشة. وفي هذا المقام أتذكر كيف تمت محاسبة أعضاء مجلس الإدارة المتسببين في انهيار شركة أنرون في الولايات المتحدة ومنهم الرئيس التنفيذي للشركة الذي حكم عليه بالسجن 25 سنة وانهار مكتب آرثر أندرسن نتيجة التعويضات التي تم دفعها للمساهمين والدائنين.
في المقابل نجد أن حقوق المساهمين في شركة بيشة هي التي تم سجنها في سوق الأسهم، بينما أعضاء مجالس الإدارة السابقين والحاليين في اجتماعات ونقاشات وتعيين وعزل وخمس سنوات حتى الآن ولا بصيص أمل للحل.
ما العذر في كل ما يحدث وخاصة بعد أن أبدى خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ــــ اهتمامه بشأن حملة أسهم شركة بيشة وأصدر أمرا ساميا بإعادتها للتداول، كما صرح بذلك المدير التنفيذي السابق للشركة لصحفية ''عكـاظ'' قبل أكثر من تسعة أشهر، وها هي السنة تمر ومجلس الإدارة مختلف مع نفسه، وهناك تعارض مصالح واضح بين أعضائه. وبدلا من مناقشة حل الشركة أو استمرارها والنظر في كيفية دعم رأسمال الشركة المتآكل بالكامل يختلف الأعضاء فيما بينهم فيتم تعيين المدير التنفيذي لشهرين ثم يستقيل ويعين بدله آخر ثم يتم عزل أعضاء من المجلس لعدم انسجامهم.
مشكلة ''بيشة'' ومشكلة شركات أخرى قادمة غير ''بيشة'' في عدم وجود آلية واضحة لمقاضاة مجلس الإدارة، كما أن إيقاف التداول على السهم قدم فرصة لمجلس الإدارة سواء الحالي أو السابق أن يعمل دون ضغط السوق المالية أو المساهمين. قد يسأل البعض كيف أقول بعودة التداول لسهم بيشة رغم وضعها الحالي ورغم أنني أدعو في مقالات سابقة بإخراج الشركات السيئة الأداء من التداول في السوق المالية. لكن لا تعارض في كل هذا فمن حق مساهمي شركة بيشة تداول السهم بأي طريقة، لا يوجد نظام يمنعهم من ذلك بل منعهم إبطال لنظام للشركة ككل. وفي المقابل، لا يعني حقهم في التداول أن يتم ذلك من خلال السوق المالية المنضبطة والاستثمارية التي أنادي، بل يمكن خلق سوق ثانوية وهو ما أنادي به دائما لمثل هذا النوع من الشركات، ذلك أننا عندما نساهم في الشركة نتوقع مستقبلها ونراهن على ذلك بشراء السهم، فإذا خسرت وتم إيقاف تداولها سلب منا حقنا في التداول والخروج من الشركة وقت ما نشاء بأي سعر نطلبه، حتى لو كان أقل من رأس المال الذي ساهمنا به. كيف تمنع هيئة السوق المالية ـــ وليس لها الحق نظاما في ذلك ــــ بيع الأسهم وشراءها في شركة مساهمة لمجرد أنها لا ترغب في تنظيم سوق مناسبة لتداول مثل هذه الشركات.