Author

ضرورة توافر ونشر مؤشرات جودة الهواء

|
تتوافر في قاعدة بيانات منظمة الصحة العالمية عن جودة الهواء، بياناتٌ لمستويات تلوّث الهواء في 91 بلداً من بلدان العالم. والبيانات الموجودة في هذه القاعدة مستقاة من البيانات الرسمية التي توفرها الدول، وتأتي هذه البيانات على هيئة معدلات سنوية لتركز ملوّثات الهواء الخارجي في مدن العالم. ويوجد نوعان من التلوّث: الأول، داخلي، أي داخل المنازل أو أماكن العمل. والآخر، خارجي، أي في البيئة المحيطة أو في هواء المدن. واحتلت أستونيا المركز الأول في نظافة الهواء الخارجي من الملوّثات، بينما حلت منغوليا في المركز الأخير. واحتلت، مع الأسف، المملكة مركزاً متقدماً في تلوّث الهواء الخارجي، وجاءت في المركز الخامس كأسوأ بلد في جودة الهواء المذكورة في قاعدة بيانات منظمة الصحة العالمية. ومع أن أسلوب ترتيب الدول ليس دقيقاً إلا أنه يسلط الضوء على تحدٍ كبير يواجه واضعي السياسات والبرامج البيئية والتطور الحضري في المملكة. وتورد قاعدة بيانات جودة الهواء في منظمة الصحة العالمية بيانات عن تركز ملوّثات الهواء في ست مدن من مدن المملكة، وهي: الرياض وجدة والدمام وينبع ومكة والهفوف. وسجلت جميع مدن المملكة مستويات مرتفعة تزيد على الأقل بخمسة أضعاف عن مستويات التلوّث الآمنة عالمياً في عام 2003م. وتأتي الرياض في المركز الأسوأ بين مدن المملكة في تلوّث الهواء، حيث سجلت مستويات تجعلها ضمن قائمة أسوأ 25 مدينة في العالم وردت عنها بيانات عن جودة الهواء. والغريب أنه لم يصدر أي تعليق من أي جهة مسئولة في المملكة بخصوص بيانات منظمة الصحة العالمية، ولم تحاول أي جهة أو مسؤول تفنيد هذه البيانات مما يثبت صحتها. ونسبت هذه البيانات إلى مصادر رسمية سعودية، ومع هذا لم تحاول الجهات المختصة إيضاح أسباب ارتفاع معدلات تلوّث الهواء أو إصدار بيانات أحدث من تلك البيانات الواردة في التقرير والتي تعود إلى عام 2003م. ومن المؤكد أن مستويات تلوّث الهواء في السنوات الأخيرة ارتفعت عن مستوياتها في عام 2003م. وعلى مستوى معرفتي البسيطة، لم يتم تبني أي سياسات أو اتخاذ أي إجراءات جوهرية للحد من تلوّث الهواء في السنوات الثماني الأخيرة، وهذا يعني أن مستويات تلوّث الهواء ارتفعت في الوقت الحالي إلى معدلات أعلى من المستويات الواردة في بيانات منظمة الصحة العالمية وقد تكون بلغت مستويات حرجة في بعض الأماكن. ولا أدري ماذا تنتظر الجهات المسؤولة عن إصدار البيانات للبدء في إصدار بيانات وإيضاحات عن مستويات التلوّث في مدن المملكة، وخصوصاً أن هذه البيانات والمعلومات تجمع من قبل هذه الجهات. إن من حق كل السكان سواءً كانوا مواطنين أو مقيمين الحصول على أكبر قدر من المعلومات عن جودة الهواء الذي يتنفسونه وأفراد أسرهم. ولهذا فإن مصلحة الأرصاد وحماية البيئة مطالبة بإصدار بيانات جودة الهواء بصورة شفافة ومنتظمة وتفصيلية للمدن كافة التي توجد فيها محطات رصد جودة الهواء، ليتسنى لجميع السكان تبني القرارات المناسبة واتخاذ الاحتياطات اللازمة للحد من آثار تلوّث الهواء الذي يعصف بصحتنا وصحة أسرنا وأطفالنا. إن نشر بيانات تلوّث الهواء ليس ترفاً يمكن الاستغناء عنه ولكنه ضروري لتسليط الضوء على هذه المعضلة البيئية المعقدة التي نعانيها جميعاً وتؤثر بشكل مباشر في حياة ورفاهية جميع السكان. وسيؤدي نشر هذه البيانات وتسليط الضوء عليها، إلى زيادة الاهتمام بهذه القضية وتوعية السكان بالمخاطر التي يتعرّضون لها. ونتيجةً لذلك سيرتفع مستوى وحدة النقاش حول هذه القضية وستتولد الضغوط على متخذي القرارات بتبني السياسات وتطبيق الأنظمة التي تحد من آثار التلوّث وتقود إلى خفض مستوياته في المستقبل. إن مستويات تلوّث الهواء المرتفعة في مدن المملكة جاءت نتيجةً تجاوزات وسياسات كثيرة مطبقة منذ فترات طويلة من الزمن، وسيستغرق التغلب عليها فترة طويلة من الزمن، وعلينا البدء سريعاً في مناقشة وتطبيق السياسات والأنظمة التي تتصدّى لهذه المعضلة. وكلما تأخرنا في معالجة قضايا التلوّث بشكل عام وتلوّث الهواء بشكل خاص ازدادت المعضلة حدة وازدادت تكاليفها وتكاليف التغلب عليها. لقد استفاد عديد من القطاعات الاقتصادية وشرائح المجتمع (وخصوصاً المستثمرين وعالي الدخل) من التجاوزات البيئية والسياسات المتساهلة مع هذه التجاوزات. ومن المتوقع أن يقاوم بشدة المستفيدون من تلوّث الهواء أيَّ تصدٍ أو تعديل للسياسات البيئية الحالية. ومن المعلوم أنه ستترتب على سياسات التصدي لتلوّث البيئة والهواء بشكل خاص، تكاليف إضافية لفئات المجتمع المختلفة سواءً كانوا منتجين أو مستهلكين، ولهذا فإن نشر البيانات المتعلقة بتلوّث الهواء أمرٌ بالغ الأهمية ليتسنى للمجتمع ككل اتخاذ القرارات وتبني السياسات التي تحد من التلوّث وتحسّن البيئة ومعرفة التكاليف المصاحبة لهذه السياسات.
إنشرها