Author

مخلفات حضارية! (2)

|
إنه لمن الواضح جدا حجم هذا الخطر؛ إذ ليس من الحصافة أن نعمر بلداننا، ونهدم التوازن البيئي الطبيعي بطرد مخلفات المباني في أي مكان دون مبالاة بالآثار السلبية التي من المؤكد أنها ستنتج من تلك السلوكيات، والتي منها هدر المواد الأولية الموجودة في الطبيعة، حيث من الممكن أن تعمل إعادة تدوير طن واحد من الألمنيوم في المحافظة على ما يقارب أربعة أطنان من خام البوكسايت و700 كلجم من الزيت الخام اللازمة لتصنيعه، بالإضافة إلى تقليل الانبعاثات الحرارية ونحو 35 كلجم من الغازات الضارة كفلوريد الألمنيوم السام الناتج من العملية الصناعية! لذا فإن من الضروري أن تتجاوز أمانات المدن مسؤولياتها في منح تصاريح البناء وإيقاع الغرامات غير المكافأة لحجم التجاوز، إلى جوانب من المسؤولية أكثر تحضرا، بإلزام المقاولين بأن يتعاملوا مع مخلفات البناء بشكلٍ علمي لا يقل عن اهتمامهم بالمواصفات الفنية لتلك الإنشاءات، ومن الممكن أيضا أن تشجع أمانات المدن على قيام صناعاتٍ لتدوير نفايات البناء أسوة بدول العالم الأول؛ إذ لن نتمكن من معالجة الأمر من دون إضافة جانب العمل المؤسساتي المشهود بجودته النوعية، بل ربما نكتفي بنقل المشكلة من مكان إلى مكان آخر وحسب! ومن المؤكد أيضا أنه في غياب تحمل كلٍ منا لمسؤوليته، والاتكال على الجهات المسؤولة الرسمية وحدها فلن نحل المشكلة؛ إذ بالإمكان أن يشارك المقاولون في هذه المسؤولية البيئية بتقليص النفايات من الأساس عن طريق موائمة المواد والخامات المستخدمة مع التصميم الهندسي لتلافي الزيادات غير الضرورية في المواد، حيث من الممكن أن يعمل إجراء كهذا على تخفيف العبء على الجهات المعنية بنقل مخلفات البناء والتخلص منها، بل ربما كان لهذا التقليص المدروس للنفايات أثر ذو قيمة كبيرة في تخفيض تكاليف البناء غير المباشرة. كما أنه من الممكن أيضا أن يقوم المقاولون بإعادة استخدام ما يمكن إعادة استخدامه من تلك المخلفات بعد معالجتها فنيا وهندسيا، وهو أمر ممكن علميا؛ إذ ينبغي ألا يتم التخلص من مخلفات البناء بالطمر إلا إذا تعذرت إعادة استخدامها. ومن المهم جدا أن تتجاوز أمانات المدن مسؤولياتها إلى رفع مستوى الوعي المجتمعي بمخاطر هذه المخلفات، إلى جانب تقديم الخدمات التدريبية اللازمة للكوادر العاملة في مجال الإنشاءات على الأساليب العلمية للتخلص من النفايات والاستغلال الأمثل لها وتخفيضها من المنبع. وفي الكويت، قامت وزارة المالية بالتعاقد على مشروع بنظام BOT (أي البناء والتشغيل وتحويل الملكية للحكومة) لإنشاء أول مصنع لتدوير وإعادة استخدام مخلفات البناء في الشرق الأوسط بطاقة إنتاجية قدرها 2500 طن يوميا، وتقدم الحكومة الكويتية دعما ماليا مباشرا للكميات التي يقوم هذا المصنع بمعالجتها لإعادة الاستخدام. إن هذه المبادرة الكويتية جديرة بالاحترام بأن تحتذى ويتم التأسي بها في المملكة العربية السعودية؛ لكي نعمل على معالجة الأمر بطريقة علمية واقتصادية وبيئية، تسهم في التنمية بشكل مباشر ومدروس، وهو أمر ممكن وتدعو الحاجة إليه في هذا الوقت بالذات، حيث تشهد المملكة نهضة عمرانية كبيرة تتطلب نهوض صناعاتٍ مصاحبة كثيرة من أهمها صناعات إعادة التدوير، حيث من الممكن أن يسهم هذا الأمر في خلق مزيد من فرص العمل للشباب السعودي، من أجل حياة كريمة إلى جانب توفير أساليب علمية وحضارية لحماية البيئة من التلوث.
إنشرها