Author

أزمة السكن ورسوم الأراضي وأنظمة الرهن العقاري .. محاولة للفهم!

|
الكثير ممن تحدثوا عن فرض رسوم الأراضي وضعوا العربة قبل الحصان. ويريدون اختراع عجلة لم تعهدها تجارب الاقتصادات الناجحة. بل إن البعض يكتب مع الخيل يا شقرا بدون إدراك ودراسة لطبيعة القطاع العقاري في المملكة. وقد يترتب على ذلك محاولة تشكيل رأي عام على آراء أحادية ومفاهيم خاطئة. فلو أن مجرد تطبيق رسوم على الأراضي سيحل أزمة الإسكان لكنا أول المنادين بذلك. ففي واقع الحياة، لا يمكن أن نقول إن 1+1= 2 دائما، حيث إن النتائج لا تتحقق وتظهر كما تظهرها الآلات الحاسبة والنماذج الاقتصادية. وإلا لكانت كل الدول تنعم الآن بأعلى معايير المعيشة ورغد الحياة، ولكانت المملكة أكثر الدول تحقيقا للاكتفاء الذاتي من المسكن والملبس والغذاء عطفا على وضعها المالي الغني والأنظمة المتغلغلة في كل نشاط. ولا يمكن لفيلم وثائقي أو درامي يلقى أعجاب فئة كبيرة من المتحمسين أن يضع النقاط على الحروف بقدر ما يدغدغ المشاعر ويعزف على وتر الحماس الزائد لتحقيق حلم المسكن. إن محاولة فهم القطاع العقاري خارج إطاره الحالي، والممانعة في فهم كيف يمكن لأنظمة الرهن العقاري أن تجعل من القطاع العقاري أكثر تنافسية وشفافية وإمكانية لمشاركة كل أفراد المجتمع فيه، يساهم في تأصيل الأزمة السكانية الحالية وتراكمها مع مرور الوقت. فالذين ينظرون إلى أن مشكلة القطاع العقاري في ارتفاع الأسعار، ويسعون فقط لخفض تلك الأسعار بتبني فرض رسوم على الأراضي كيفما اتفق وبدون النظر بشمولية إلى العوامل المؤدية إلى ارتفاع الأسعار، لا يقدمون حلولا عملية وأزلية لمشكلة الإسكان بقدر ما يساهمون في الإبقاء على الوضع الراهن العشوائي وتراكماته السلبية. وفي اعتقادي أن مسألة ارتفاع أسعار العقار هي مسألة ثانوية عند النظر في المسائل الأخرى والتي أهمها وجود أنظمة وتشريعات تمكن الفرد من تحقيق مبتغاة بأسعار وأنظمة وتشريعات ومتطلبات مالية عادلة. والعدالة في تحقيق السكن يمكن أن تنبثق من أنظمة الرهن العقاري التي طال انتظارها. وسيتساءل القارئ كيف يمكن تحقيق العدالة في تلك الأنظمة وبالتالي فرش الطريق للأفراد بتحقيق حلم المسكن، فان الإجابة تبدأ من محاولة الفرد نفسه لفهم أنظمة الرهن العقاري الخمسة وتأثيراتها المستقبلية على القطاع العقاري وعلى الأفراد أنفسهم في تمكينهم من الحصول على مبتغاهم. وتلاحظون هنا أنني أتحدث عن (التمكين) وهو أهم عامل يمكن الأفراد من تحقيق مبتغاهم. إن أنظمة الرهن العقاري في جوهرها تسعى إلى (تمكين) الأفراد من تحقيق مبتغاهم في الحصول على منزل بأقل التكاليف، وأفضل المعايير، وتحمي ممتلكاتهم، وتحتضن أفراد أسرهم طوال حياتهم. ولتفسير ذلك، ينبغي علينا استيعاب حقيقة أن أنظمة الرهن العقاري ليست عبارة عن قرض يقدم وبيت يرهن فقط. بل إنها عبارة عن خمسة أنظمة مهمة تعمل كلها في وضع اللبنات الأساسية والبنية التحتية الضرورية لبناء وتملك المسكن. وأولى هذه الأنظمة هي نظام شركات التمويل العقاري التي ستمكن الكثير من المستثمرين من الدخول في تأسيس شركات برؤوس أموال ضخمة لتمكين الأفراد من الحصول على التمويل المناسب لقدراته المالية بأسعار منافسة بحيث إن التمويل لم يعد فقط من القطاع البنكي كما هو الحال الآن. وثانيهما هو مراقبة شركات التمويل العقاري من قبل جهة رسمية تعمل على التأكد من أن تلك الشركات قادرة على التمويل والتعامل بمنافسة عادلة وبمخاطر متدنية تحمي تلك الشركات وعملاءها أيضا. وثالثهما نظام الرهن العقاري الذي يؤطر الشكل القانوني العادل للراهن والمرتهن ويسعى إلى شفافية العلاقة وخفض نقاط أو القضاء على النقاط التي قد تؤدي إلى بروز خلافات مستقبلية من جراء تملك المسكن سواء في معايير البناء، ومسؤولية الترميم والصيانة، والحفاظ على منزل ملائم وكريم لمعيشة أفراد الأسرة طيلة حياتهم. ورابع تلك الأنظمة هو نظام التمويل التأجيري، حيث إن ذلك النظام يركز على نظام الإجارة المتوافق مع الشريعة الإسلامية، ويمكن شركات التمويل والأفراد من الحصول على منزل بنظام الإيجار المنتهي بالتملك، مما يساهم في قدرة الأفراد من التحول من مجرد مستأجرين فقط ولسنوات طويلة إلى مستأجرين قادرين على التملك في نهاية المطاف. وخامس تلك الأنظمة هو نظام التنفيذ الذي يعمل لتفريغ قضاة تنفيذ في حل الإشكالات التي قد تظهر في الأنظمة الأربعة السابقة بحيث إن القاضي يصبح متخصصا في أنظمة الرهن العقاري مما يمكنه من إصدار الأحكام بعدالة وفي وقت سريع وقابل للتنفيذ، للقضاء على المماطلة بين الراهن والمرتهن والمؤجر والمستأجر والبائع والمشتري التي تعج بها ردهات المحاكم في وقتنا الراهن. إن وجود وتكامل تلك الأنظمة كما شرحتها في أبسط معانيها ستمكن المشرع من إضافة ما يريد من تشريعات وأنظمة أخرى تسعى إلى حل أية اختلالات قد تحدث في تلك الأنظمة، ومنها قدرته على فرض رسوم أراض ورسوم عقارية متى أراد في بيئة تنظيمية وتشريعية واضحة تحقق الهدف من فرض تلك الرسوم أو غيرها في جعل المنزل أو العقار ميسور وفي متناول الجميع. إنني أعترف أنه لا يمكن شرح وجهة نظري بالكامل في هذه المقالة القصيرة، إلا أنها دعوة للتفكير العقلاني، ومساهمة برأيي المتواضع لحل مشكلة الإسكان.
إنشرها