Author

ارتفاع أسعار العقار.. العقاريون سبب الطفرة التضخمية!

|
كثيراً ما نقرأ في الصحف المحلية دعوات ونداءات إلى تطوير وتنمية الاستثمار في السوق العقارية، ولعل آخر ما قرأته ما نشر في هذه الصحيفة بتاريخ 14/10/1432 هـ الموافق 12/9/2011 تحت عنوان "عقاريون: على البنوك أن تضخ السيولة في السوق"، وهي دعوة من مطورين عقاريين موجهة إلى البنوك لضخ مزيد من السيولة في السوق العقارية بشروط ميسرة، والمطالبة المتكررة بإصدار نظام الرهن العقاري لضمان جدية المصارف (البنوك) في منح التسهيلات المالية، ويدعمون هذه الدعوات بأسباب منها أزمة القطاع السكاني، وعدم مقدرة المستهلك على تملك العقار، وارتفاع أسعار الأراضي، ومواد البناء، وفي اعتقادي أن من يطلق الدعوات لهم دور في حصول الأسباب التي تُردد بين حين وآخر، وهذا مشاهد وملموس من الممارسات العملية، فتبنى العمائر ذات الوحدات السكانية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة نسبياً ( ونعني بها الشقق)، وكذلك الفلل والدبلوكسات بمواصفات متدنية جداً (توصف بالتجاري) لا من حيث التنفيذ ـ فقط ـ بل بمواد بناء رديئة في الهيكل العام للمبنى، والمواد الكهربائية والسباكة، وتدني أو انعدام العزل المائي والحراري الجيد، وتُخفى هذه العيوب بديكور يشد المشتري (الزبون)، ثم تعرض بأسعار خيالية بحجة ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، وما إلى ذلك من تبريرات أخرى من المستثمرين، وبضمانات وهمية، وعلى سبيل المثال أعرف أن شخصاً اشترى شقة بعمارة، وبعد تسلمها لاحظ تسرب ماء من سقف شقته من جراء عيب في الشقة العلوية، فأخذ يراجع البائع قرابة ستة أشهر من أجل إصلاح مصدر التسرب، وهذا بلا شك نتيجة سوء التنفيذ أو رداءة مواد السباكة أو هما معاً، وهلم جرا مما يثار ويناقش عن هذه الوحدات السكنية، وما يظهر فيها من عيوب كثيرة ومتنوعة تتناقل من قبل من وقعوا في فخ الخديعة والتمويه الذي يُعد من قبيل الغش التجاري المتفشي في مجالات كثيرة، ومنها الوحدات السكنية، ولذا فإن الرجل الفطن لا يرغب في الشراء من الشركات، والأفراد الذين يقيمون هذه الوحدات السكنية التجارية، ويحاول أن يشتري أرضاً يتولى هو مهمة الإشراف على التنفيذ، وبمواد جيدة يشتريها بنفسه، لكن ليس كل شخص قادرا على هذا بسبب ارتفاع أسعار الأراضي، ومواد البناء، وقد يكون هذا الارتفاع مفتعلاً من تجار العقار الذين يوصفون بالمستثمرين والمطورين، ما أوجد طفرة (وهمية) تضخمية تؤثر في اقتصاد البلاد من جراء ارتفاع معدل التضخم، ولعل من المفيد الإشارة إلى التعليقات الكثيرة على ما كتب تحت العنوان الذي أشرت إليه آنفا البالغة (49) تعليقاً أغلبها بعبارات نقدية حادة للمستثمرين والمطورين الذين وصفوا بعبـارات متباينة (هوامير العقار لا تدعوا الإقطاعيين يتحكمون في البلد، المطور شريك مع المستثمر، قد يكون المستثمر هو الأب والمطور هو الابن، لا توجد سوق عقارية بالمعنى الصحيح بل سوق أراض عشوائية احتكارية) هذه بعض من العبارات، وكل عبارة من هذه العبارات مقرونة برأي المعلق، وبآراء مختلفة لكن توحي من سياقها بأن غلاء أسعار الأراضي ومواد البناء ـ كما ذكرت ـ مفتعل لعدم وجود رقيب أو جهة رقابية، وإذا كان القضاء هو المرجع في كل نزاع وخلاف، فما أكثر القضايا التي تقام أمام الجهات القضائية، وتأخذ مدداً طويلة دون الفصل فيها، ويسألني بعض الأصدقاء بشأن قضاياهم، وأنصحهم بأن من الأفضل حل النزاع ودياً دون اللجوء إلى الجهة القضائية. محصلة ما تقدم ذكره هي التحذير من الانسياق وراء الدعوات والدعايات التي تطرح في وسائل الإعلام ومواقع الإعلانات، فمشكلات العقارات والأراضي تعانيها البلاد منذ فترة طويلة، وتزداد وتكتنفها وسائل تحايل من المتربصين الذين يهيمن عليهم الطمع والجشع، ولا يخافون من رب العباد، بل يخافون من البشر، لكن لا وجود لجهات رقابية تردعهم عن غيهم، ونعرف عن كثير من قضايا لم يحسم ويفصل فيها، ومضى عليها قرابة (26) سنة مثل قضية (الأجهوري)، وغيرها من القضايا التي وصفت بالمساهمات المتعثرة، والمساهمون الأحياء، أو الورثة ينتظرون عسى أن يأتيهم جزء من قيمة مساهماتهم لأنهم تورطوا في هذه المساهمات بغفلة ودون ضمانات، بل نتيجة ثقة عمياء، ونعرف أن المشكلة تولد مشكلات، فالمنح الكبيرة التي تعطى لبعض الأشخاص يقوم ببيعها على أحد سماسرة العقارات، فيفتح فيها باب المساهمة للجمهور، أو لعدد محدود يعرفهم، فيأخذ أقيام مساهمتهم ويسدد بها قيمة الأرض ثم يخططها، ويبيعها على المواطنين، فالصادق في تعامله ينجح، والمتلاعب الطماع الجشع يخلق مشكلات كثيرة، منها ما وصف بالمساهمات المتعثرة، وهناك حالات يكون أمر المنح غير صحيح، أو أن الصك الذي يتضمن مساحة الأرض محل المساهمة غير سليم، والحديث عن ذلك يطول، وكل ما أقصده من وراء هذا المقال التحذير من مغبة الانسياق وراء الدعوات بضخ مزيد من السيولة في السوق العقارية من قبل البنوك، إذ لا توجد سوق عقارية منظمة، بل حتى في حالة وجود السوق المنظمة، فلا بد من الحذر من التعاملات المشبوهة المدعمة بالدعايات حتى لا تحصل مشكلات بمثل ما حصل في سوق الأسهم التي تعاني تقلبات غير متوقعة خسر فيها أناس مدخراتهم، بل أموالا اقترضوها، أو قيمة ممتلكات باعوها، وهذا يندرج تحت الدعوة لسرعة إصدار نظام الرهن العقاري لضمان جدية المصارف (البنوك) في منح تسهيلات مالية (قروض)، فلو حصل هذا فإنه من غير المستبعد أن يحصل ما حصل في سوق الأسهم لأن المواطن المقترض إذا ما عجز عن تسديد القرض خلال المدة المحددة، فإن المصرف (البنك) يأخذ العقار المرهون ويتصرف به، فتحصل مشكلات لا حصر لها، وهناك دول كبيرة، وقوية اقتصادياً حصلت فيها مشكلات كثيرة، فجَرت الأزمة المالية العالمية بسبب القروض والتسهيلات العقارية بالدرجة الأولى، وما صاحب ذلك من مشكلات مالية أخرى ، وكذلك أزمة الديون في بعض الدول الأوروبية، وهذه الدول تتمتع بقوة اقتصادية، فلم تسلم من الأزمات والمشكلات والقضايا، وما حصل أثر ويؤثر في اقتصادات الدول المرتبطة بها تجارياً أو اقتصادياً، ويجب أن نتدبر ونستفيد مما يحصل في الدول الأخرى، فلا نقع فيما لا يحمد عقباه، ونأمل من وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية العمل الجاد والسريع لحل مشكلة الإسكان لكل مواطن محتاج حسب توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - الذي حول الهيئة إلى وزارة، ودعمها مالياً، فالمهم العمل والإنجاز المتقن السريع، وحسن التوزيع على المواطنين المحتاجين فعلاً، والله الموفق والهادي للطريق القويم، آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إنشرها