لماذا تعثرنا في الإصلاح والتطوير؟

بنظرة سريعة إلى ما وصلنا إليه في آخر خمس سنوات، ورغم التحسن الملاحظ في بعض الخدمات وبعض القطاعات الحكومية، إلا أنه مقارنة بما أنُفق على التطوير والإصلاح فإننا ما زلنا نعاني تواضع الخدمات في عدد من الجهات.
والسؤال لماذا تعثرنا رغم كل هذا الدعم اللامحدود من خادم الحرمين ورغم المليارات التي أنُفقت؟ وهل لدينا أمثلة ناجحة في قطاعات الدولة يمكن أن نستفيد من تجربتها في التطوير؟ ولماذا تقدمت علينا دول هي أقل من إمكاناتنا؟ وهل نستطيع أن نتفوق على من سبقنا من هذه الدول؟
لقد فشلنا لأننا ما زلنا نحاول اختراع العجلة من جديد ولم نبدأ من حيث انتهى الآخرون. من الوزراء والمسؤولين من يستخدم عجلة مربعة، ثم يأتي مَن بَعده ويقول هذه العجلة لا تصلح، فلنجرب المُثلثة ونستمر على هذا الحال والعجلة ما زالت لا تسير كما ينبغي. ولم نفكر قط في أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون وتطوير ما وصلوا إليه. البداية من حيث انتهى الآخرون لن تقلل علينا التكلفة فقط، ولن تسَرّع عملية التطوير فقط، إنما ستجعلنا نتفوق على كثير من الدول التي سبقتنا.
وأفضل طريقة للبدء من حيث انتهى الآخرون هي استقدام خبرات أجنبية سبقتنا في هذه المجالات ودمجهم مع كفاءات وطنية لتنهل من خبرتهم، وتكون مهمتهم بناء نظام كامل وتدريب الشباب السعودي عليه، ومن ثم تسليم القيادة للشباب السعودي.
والدليل على أن هذا هو الحل الوحيد تلك الأمثلة التي لدينا في المملكة والبلدان المجاورة. وعلى سبيل المثال "أرامكو"، صندوق التنمية الصناعية، ومؤسسة النقد. هذه الجهات الثلاث هي من أفضل الجهات الحكومية أو شبه الحكومية لدينا وقد تفوقت على كثير من مثيلاتها في دول العالم. ومن ميزاتها أن أغلبية من يعمل لديها سعوديون، وأن رواتبهم ومميزاتهم عالية وكذلك تدريبهم وإنتاجية موظفيهم والتزامهم أكثر من غيرهم .. لكن لماذا هم كذلك؟
بالعودة إلى تاريخ هذه الجهات الثلاث نعلم أن الاقتراح أعلاه باستقدام خبرات أجنبية هو الحل الوحيد، فكلنا يعلم أن "أرامكو" كانت شركة أمريكية ثم تحولت إلى سعودية، لكن بقي نظامها كما هو عليه، نظاما أمريكيا. أما بالنسبة للصندوق الصناعي فقد أوكلت مهمة إنشائه وتطويره لأول خمس سنوات إلى بنك تشيس منهاتن الأمريكي، وأما مؤسسة النقد فإن أول محافظ لها هو جورج بلوارز George A Blowers ومن ثم عُين رالف ستاندش Ralph Standish محافظاً للمؤسسة، وهما أمريكيا الجنسية.
وأخيراً نأتي لمثال من الخليج مهم جداً وهي مؤسسة موانئ دبي مقارنة بالمؤسسة العامة للموانئ في المملكة، الأو‍لى مؤسسة لم تخترع العجلة من جديد إنما استقدمت أهل الاختصاص من الأجانب لإدارتها ودمجهم مع المواطنين، وكان نجاحها منقطع النظير، أما الثانية وهي مؤسسة الموانئ في المملكة، فلقد واصلت اختراع العجلة من جديد، ففشلت في تحقيق رؤية خادم الحرمين، والنتائج أدناه خير دليل.
كان ميناء جبل علي في عام 2003 يستقبل نحو 3.3 حاوية سنوياً، واليوم يصل عدد الحاويات إلى 12 مليونا، ويتم تخليص الحاوية خلال 48 ساعة ومعظم الخدمات إلكترونية.
في المقابل، في عام 2003 كانت موانئ المملكة جميعها وعددها تسعة تستقبل نحو 3.5 حاوية، واليوم وبعد ثماني سنوات لا تزيد على أربعة ملايين، ويتم تخليص الحاوية خلال ثمانية أيام بعد أن كان 15 يوما إلى وقت قريب. ناهيك عن التهديدات التي تصلنا من شركات الشحن بشكل مستمر بأنها لن تخدم المملكة بسبب سوء الموانئ لدينا. ولاحظ رغم أننا ظلمنا ميناء جبل علي بمقارنته بتسعة موانئ إلا أنه تفوق.
لقد تقدمت دول مثل سنغافورة وماليزيا ومدينة مثل دبي رغم أن إمكاناتها أقل منا لهذا السبب، وهو استقدام أفضل الخبرات والأنظمة التي وصل إليها الآخرون وتطويرها وليس اختراعها من جديد، وإن فعلنا مثل ما فعلوا فلا أشك للحظة بأننا سنتفوق عليهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي