Author

طرق تعيين المُحكّم وشروط اختياره (1)

|
تواجه الكثيرون الذين يرتضون آلية التحكيم وسيلة لحل نزاعهم مشكلة تكمن في كيفية اختيار المُحكّم المناسب أو (المحكمين) وفقاً لقواعد وأحكام نظام التحكيم. وتُعد مسألة تعيين المحكم من الأمور المهمة التي لا يخلو نظام تحكيم من النص عليها، بل إن بعض العقود الأساسية التي يرد فيها شرط التحكيم عادة ما تحدد طريقة تعيين المحكمين، وذلك نظراً لأهمية هذه المسألة وأثرها في إتمام إجراءات التحكيم تمهيداً للوصول إلى حكم في النزاع. إن ضرورة مراعاة الشروط الواجب توافرها في المحكم الذي يتم اختياره لهي من الأمور المهمة، حيث يُناط به مهمة كبيرة وهو الحكم في الخصومات مثله مثل القاضي، ولا يخلو نظام تحكيم من النص على هذه الشروط ضماناً لنزاهة وحيادية أعضاء هيئة التحكيم بالنظر إلى المهمة الملقاة على عاتقهم. إنه من المعروف أن يتضمن اتفاق التحكيم الذي يُبرم بين الأطراف المتنازعة اختيار المحكم أو ما يسمى التحكيم الحر سواء كان شخصاً واحداً أو مجموعة أشخاص طبيعيين، ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/46 وتاريخ 12/07/1403هـ لم يتطرق إلى النص على اختيار الشخص المعنوي كمحكم عن الخصوم في الدعاوى التحكيمية، والدليل على ذلك تلك الشروط التي تطلب النظام توافرها فيمن يتم اختياره كمحكم وما يترتب على ذلك من التزامات لا تنطبق إلا على الشخص الطبيعي. لقد وضع النظام شروطاً وضوابط محددة لعملية اختيار المحكمين وحدد تلك الشروط للاهتداء إلى المحكمين واختيارهم وبيان أسمائهم عن طريق أطراف النزاع التحكيمي، إذ نصت المادة السادسة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 7/2021 وتاريخ 08/09/1405هـ على أنه ''يتم تعيين المحكم أو المحكمين باتفاق المحكمين في وثيقة تحكيم يُحدد فيها موضوع النزاع تحديداً كافياً، وأسماء المحكمين، ويجوز الاتفاق على التحكيم بمقتضى شرط في عقد بشأن المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ هذا العقد''. ويتضح من هذه المادة أن النظام آثر ترك الحرية للخصوم في اختيار المحكمين ولم يورد إلا قيداً واحداً على حريتهم وهو أن يكون عدد المحكمين الذين يتم اختيارهم وتراً، وهذا ما نصت عليه المادة الرابعة من نظام التحكيم بالقول إنه ''يُشترط في المحكم أن يكون من ذوي الخبرة، حسن السيرة والسلوك كامل الأهلية وإذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً''، وذلك قياساً لما عليه القضاء تحقيقاً للمصلحة العامة وتمكيناً لهيئة التحكيم من الوصول إلى حكم في النزاع، لذا فقد يختلف الأمر إذا كان عدد المحكمين هيئة فربما تنقسم هيئة التحكيم إلى قسمين متساويين، الأمر الذي يستحيل معه الوصول إلى حكم واحد في النزاع، ولا مندوحة عن القول إنه طبقاً لأحكام النظام إذا تمت مخالفة ذلك فيكون تشكيل هيئة التحكيم باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام. وفي الجانب الآخر، فإن هناك من يرى أن يُمنح الحق للمحكمين اللذين تم اختيارهما من قبل أطراف النزاع بأن يقوما باختيار المحكم المرجّح ولا يُترك الأمر للخصوم في الموافقة أو عدمها على تعيينه أو اختياره إذ إن ذلك يرجع إلى المحكمين المعينين من المدعي والمدعى عليه حتى تتوافر الحيادية المطلوبة وألا يميل المحكم المرجح إلى أي من الطرفين بسبب هذا الاختيار. أما الطريقة الثانية في تعيين واختيار المحكمين فتكون حال امتناع الخصوم عن اختيار المحكمين أو اعتراض أحدهما على المحكمين أو حال اتفاقهما على اللجوء إلى إحدى الجهات لاختيار المحكمين بدلاً عنهما، وتُسمى هذه الطريقة التحكيم المؤسسي أو المنظّم عن طريق مراكز أو هيئات التحكيم، حيث تقوم هذه الجهات باختيار أعضاء هيئة التحكيم سواء كان محكماً وتراً أو هيئة تحكيم. ونص نظام التحكيم على هذه الطريقة في المادة العاشرة منه بأنه ''إذا لم يُعين الخصـوم المحكمين أو امتنع أحد الطرفين عن تعيين المحكم أو المحكمين الذين ينفرد باختيارهم أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين عن العمل أو اعتزله أو قام به مانع من مباشرة التحكيم أو عُزل عنه ولم يكن بين الخصوم شرط خاص عينت الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع من يلزم من المحكمين وذلك بناء على طلب من يهمه التعجيل من الخصوم ويكون ذلك بحضور الخصم الآخر أو في غيبته بعد دعوته إلى جلسة تُعقد لهذا الغرض ويجب أن يكون عــدد من يعينون مساوياً للعدد المتفـــق عليه بين الخصوم أو مكملاً له ويكون القرار في هذا الشأن نهائياً''. أما مسألة امتناع أحد الخصوم عن اختيار محكمه فلن نخوض فيها هنا لأنها كانت موضوع مقال سابق لنا. وتطبيقاً لما تم النص عليه في المادة العاشرة ــ سابقة الذكر ــ يقوم أحد أطراف الدعوى التحكيمية باللجوء إلى الجهة القضائية المختصة أصلاً بنظر النزاع طالباً تعيين محكم عن الخصم وتوقيع وثيقة التحكيم للسير في إجراءات التحكيم والفصل في النزاع، فإذا كان النزاع يدخل أصلاً في دائرة اختصاص المحاكم الإدارية أُقيمت هذه الدعوى أمام المحكمة الإدارية، أما إذا كان النزاع يدخل في اختصاص المحاكم العامة فتُقام هذه الدعوى أمام المحكمة العامة، وبعد الانتهاء من نظر هذه الدعوى وإعلان الخصم، يتم اعتماد وثيقة التحكيم بعد قبول المحكمين الذين يتم اختيارهم أو تعيينهم من قبل الجهة المختصة بنظر النزاع، ويصدر حكم الجهة المختصة بذلك والذي يُعتبر حكماً نهائياً لا يجوز الطعن فيه بالاستئناف لأي سبب من الأسباب ويُباشر بعد استكمال الإجراءات الأخرى وفقاً لنظام التحكيم، مع ملاحظة أن مهمة المحكمين تنحصر في النطاق الذي يحدده الأطراف بوثيقة التحكيم، إذ لا يجوز لهم القضاء بما لم يطلبه الخصوم أو الحيد عمّا تم الاتفاق عليه بين المدعي والمدعى عليه. إنه كثيراً ما تثور مشكلة في حالة لجوء أحد الخصوم إلى الجهة المختصة لتعيين محكم واعتماد وثيقة التحكيم، حيث يستغرق هذا الأمر فترة طويلة قد تصل إلى سنوات، ما يؤدي إلى ضياع الحقوق وغني عن القول إن العدالة البطيئة أقرب إلى ضياع الحق، وهذا أمر يجب البحث عن حلول ناجعة له، أما بشأن الشروط التي يجب توافرها فيما يتم تعيينه محكماً فستكون موضوع مقالنا القادم بمشيئة الله .
إنشرها