التأمين التجاري أكثر أمانا ولا فرق بينه وبين « التعاوني»

التأمين التجاري أكثر أمانا ولا فرق بينه وبين « التعاوني»

أكد الدكتور محمد آل الشيخ نائب مدير مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة وعضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن التأمين التجاري جائز؛ ولا فرق بينه وبين التأمين التعـاوني ونـظام التقاعد؛ مع التحفظ على ما يسمى التـأمين على الحياة؛ حيث أخـرجه عن نـطاق التأمين، لأن القصد الأساس منه الادخار وليس التعويض، فأجاز التأمين التجاري عن المسـؤولية عن الخطأ ضـد الغير، والتأمين الطبي، والتأمين على الممتلكات ونحو ذلك، جاء ذلك في بحث تم نشره أخيرا في مجلة الجمعية الفقهية السعودية. وقال آل الشيخ لـ''الاقتصادية'': لم تحظ قضية من قضايا الفقه المعاصر بمثل ما حظيت به مسألة التأمين؛ فمنذ أكثر من 100 عام والمسألة لا تزال موضع بحث ونقاش لدى هيئات الفتوى والمجامع الفقهية، وقد طال الجدل حولها وتعددت الاستدلالات والردود، والأخطر من هذا أن المسألة ارتقت عند البعض إلى مسائل الأصول التي لا يجوز الخلاف فيها، وإذا كان الاهتمام في بداية طرح هذه المسألة اقتصر على الفقهاء والباحثين في المال والاقتصاد؛ فإن المسألة أضحت الآن واقعا معاشا لدى عامة الناس وفي أغلبية المجتمعات؛ ذلك أن التأمين - من حيث غاياته - أصبح أداة اقتصادية واجتماعية مهمة لتلبية احتياجات معاشية، وتجارية، وصحية ملحة. وأضاف: إن مجتمعنا حديث عهد بقضايا التأمين وتطبيقاته وأنظمته؛ ولذلك فإن الحكم فيه لم يستقر ولا يزال موضع خلاف بين من يرى تحريمه بإطلاق، ومن يجيز بعض أنواعه، ومن يرى جواز التأمين عموما. وأوضح آل الشيخ أنه اقتصر في بحثه هذا على التأمين التجاري لأمرين: الأول: أن من أسباب الخلط في الاستدلال والردود في حكم عقد التأمين هو دمج الكلام عن أنواع التأمين في سياق واحد، مبينا أن الباحث قد يعمد إلى محظور وجده في نوع منها ثم يعممه على بقية الأنواع؛ ولهذا فإن الطريقة الأسلم - بحسبه - هي إفراد كل نوع بالبحث على حدة، موضحاً أن الأمر الآخر الذي دفعه للاقتصار في بحثه على التأمين التجاري أن المتفحص لأنواع التأمين المطروحة للنقاش يجد أن الفيصل في حكمها يعود إلى نوع واحد منها وهو التأمين التجاري، فإذا جاز هذا النوع انسحب الجواز إلى بقية أنواع التأمين بلا إشكال، ومن أجاز بعض أنواعه كالتأمين التعاوني مثلاً فيتمسك ببعض الفوارق بينه وبين التأمين التجاري الذي لا يجيزه؛ وعليه فإن المدخل الصحيح من وجهة نظره لدراسة عقد التأمين يبدأ من التأمين التجاري والنظر في دعوى التفريق بينه وبين أنواع التأمين الأخرى. وأكد آل الشيخ وجوب استحضار الباحث للتأمين وغيره من المسائل الفقهية المعاصرة في مجال المعاملات أن هذه المسائل لم يرد فيها نص بحل ولا حرمة وقت نزول التشريع؛ وعليه فإن البحث فيها قابل للمناقشة والأخذ والرد، ولذلك لا يرى مبررا للتعصب لرأي معين ورمي الآخرين إما بالتشدد أو التساهل. كما لا يجوز أن يغيب عن الذهن أن التأمين كغيره من مسائل المعاملات لا يحتاج إلى التكلف في إيراد الاستدلالات لبيان حلها وذلك لوجود الأصل المتفق عليه عند جمهور أهل العلم وهو: الأصل في المعاملات الحل. إنما الذي ينبغي هو البحث عما قد يوجد من أدلة تفيد تحريمها، ثم النظر بعد ذلك في مدى صحة الاستدلال بها عند المناقشة. وأضاف: وبالنظر إلى مسألة التأمين التجاري فإن فقهاء العصر اختلفوا في حكمه منذ ظهوره في البلاد الإسلامية بين قائل بالتحريم، وهم الأكثر، وقائل بالجواز، وبالرجوع إلى أدلة الفريقين نجد أن أهم دليل للقائلين بتحريم التأمين التجاري هو اشتماله على الغرر؛ لأن المؤمن وقت إبرام العقد لا يعرف مقدار ما يأخذه ولا مقدار ما يعطي، إذ إن ذلك متوقف على وقوع الخطر أو عدم وقوعه. وبين أن عقد التأمين أصبح في بعض مجالاته موضع حاجة لكثير من الناس؛ وما قد يوجد فيه من غرر يعد مغتفرا في مقابل المصلحة التي يحققها، هذا مع التسليم بوجود الغرر في عقد التأمين التجاري مع أنه يمكن القول بنفي وجود الغرر فيه لأن المعاوضة الحقيقية في التأمين إنما هي بين القسط الذي يدفعه المؤمن والأمان الذي يحصل عليه، وهذا الأمان حاصل للمؤمن بمجرد العقد دون توقف على وقوع الخطر المؤمن عنه بعد ذلك. أما القول إن الأمان ليس محل معاوضة، فيجاب عنه: بأن الأمان من أعظم المصالح في الحياة، وهو الذي امتن الله به على قريش، والإنسان يسعى ويكد ويبذل أغلى الأثمان من ماله وراحته في سبيل الحصول على الأمان لنفسه وأسرته، فأي دليل في الشرع يثبت أنه لا يجوز الحصول عليه لقاء مقابل؟ وأبدى آل الشيخ استغرابه ممن يمنع التأمين التجاري ويجيز مع ذلك ما يشبهه من المعاملات كنظام التقاعد والتأمين التعاوني مع أنه لا فرق بين التأمين التجاري وهذه المعاملات عند التحقيق. فالموظف في نظام التقاعد - مثلاً – يدفع قسطاً ضئيلاً دورياً، ولا يدري كم يستمر في دفعه؛ وقد يقبض عند تقاعده أضعاف ما دفعه، فما الفرق بين هذا النظام وبين التأمين؟ ولا عبرة بقول من يفرّق بين النظامين من جهة كون الحكومات لا تقصد الربح من نظام التقاعد؛ ذلك أن الحكومات قد تجني ربحاً من هذا النظام، بل قد يتحصل لديها فائض كبير، ومع ذلك لم يمنع المجيزون لنظام التقاعد العمل به إذا حققت الحكومات ربحاً من ورائه. وكذلك الحال بالنسبة للتأمين التعاوني، حيث يلزم من أجاز التأمين التعاوني أن يجيز التأمين التجاري؛ إذ لا فرق بينهما؛ فالمحاذير التي أوردوها على التأمين التجاري كالغرر والقمار والربا موجودة في التأمين التعاوني؛ ففيه قد يأخذ المصاب أكثر مما أدى للصندوق المشترك؛ وأخذه هذا التعويض متوقف على إصابته بالخطر الذي يتعاونون ضده, فعلى الذين ينادون بتحريم التأمين التجاري أن يحرموا التعاوني ليخرجوا من التناقض أو يسووا بينهما في الإباحة. أما دعوى التفريق بين النظامين بأن التعاوني من باب التبرعات فيغتفر فيه ما لا يغتفر في المعاوضات فغير مسلم؛ إذ إن عنصر المعاوضة موجود فيه كما في التجاري؛ لأن المساهم في صندوق التأمين التعاوني إنما يقدم مبلغ مساهمته ليخفف الضرر الذي يلحق به, ولولا أنه مشمول به لما أسهم أصلاً؛ كما أنه يسهم على أساس عدم تعويض غير المشتركين, وهذه حقيقة الهبة بشرط العوض التي تعتبر كالبيع وتأخذ أحكامه. وختم الدكتور آل الشيخ برد دعوى أن التأمين التعاوني يغني عن التجاري فالتأمين التجاري يوفر أماناً واطمئناناً للمشتركين فيه أعظم مما يحققه التأمين التعاوني. كما أن التأمين التجاري أكفأ اقتصاديا لأن حافز المعاوضة أقوى من حافز التبرع, والدوافع المبنية على المصالح هي التي يبنى عليها النشاط الاقتصادي؛ بخلاف الدوافع الأخرى حيث لا يمكن الاعتماد عليها.
إنشرها

أضف تعليق