Author

واقع الاقتصاد الكويتي

|
ارتأينا الكتابة عن الاقتصاد الكويتي في ضوء حديث أمير الكويت قبل أيام ومطالبته بتصحيح مسار الموازنة العامة وتفعيل دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، فضلا عن معالجة حالات الاختلال التي تعوق الاقتصاد الوطني. وجاءت توجيهات الشيخ صباح الأحمد الصباح باتخاذ إجراءات تصحيحية في ضوء التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي مثل أزمة المديونية التي تعيشها بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل اليونان فضلا عن التعقيدات المرتبطة بحل معضلة مديونية الولايات المتحدة. الاعتماد على النفط بل يمكن الزعم بأن الاقتصاد الكويتي في حاجة لمعاجلة حتى على فرضية عدم وجود تحديات اقتصادية عالمية، والأدلة على ذلك كثيرة ومتشعبة. حقيقة القول، تعتبر المالية العامة في الكويت الأكثر اعتمادا على القطاع النفطي من بين سائر الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. يسهم القطاع النفطي بأكثر من 85 في المائة من إيرادات الخزانة العامة، الأمر الذي يجعل جانبا مهما من الاقتصاد الكويتي تحت رحمة تطورات سوق القطاع النفطي. صحيح أن الكويت دولة نفطية وعضو في منظمة أوبك، لكنها لا تمتلك قدرة التأثير على أسعار النفط. فاستنادا لتقرير شركة بريتيش بتروليوم حول إحصاءات النفط والغاز، تستحوذ الكويت على نحو 2.5 في المائة من الإنتاج النفطي العالمي. بدورها، تلعب الميزانية العامة أي نفقات الدولة دورا حيويا في الحياة الاقتصادية في الكويت عبر مساهمتها بنحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. إضافة إلى ذلك، توفر مؤسسات القطاع العام فرص التوظيف لنحو 92 في المائة من العمالة الوطنية في الكويت ما يعد أمرا غير عادي. بل ليس من الواقعي توقع استمرار مؤسسات الدولة توفير فرص العمل للمواطنين بالنظر لدخول أعداد كبيرة من المواطنين لسوق العمل بحثا عن وظائف تتناسب وتوقعاتهم فيما يخص نمط الوظيفة والراتب. يشكل السكان دون سن الـ 15 نحو ثلث السكان، وذلك على خلفية النمو السكاني المرتفع نسبيا. وهنا يكتسب حديث أمير الكويت حول تعزيز دور القطاع الخاص أهمية خاصة. المؤشرات الدولية إضافة إلى ذلك، تعد الكويت الأقل أداء وترتيبا بين دول مجلس التعاون الخليجي في مختلف المؤشرات الدولية. على سبيل المثال، تعد الكويت البلد الخليجي الأقل استقطابا للاستثمارات الأجنبية المباشرة أي الطويلة المدى مثل إنشاء المصانع. وهذا ما تجلى في تقرير الاستثمار العالمي لعام 2011 ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، حيث أكد أن الكويت استقطبت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 81 مليون دولار مقارنة بأكثر من 28 مليار دولار بالنسبة للسعودية. ويعود جانب من هذا الأداء غير المقنع للخلافات بين الحكومة ومجلس الأمة بشأن عملية الإصلاحات الاقتصادية وخصوصا فيما يتعلق بإشكالية السماح لشركات أجنبية بالاستثمار في القطاع النفطي. فقد عمد مجلس الأمة إلى عدم فتح الصناعة النفطية في الكويت أمام الشركات الأجنبية بحجة وجود مادة دستورية لا تسمح بامتلاك شركات أجنبية حصة في القطاع النفطي. وقد تسبب هذا الإجراء بعدم قدرة السلطة على تنفيذ مشروع الكويت والذي يهدف لمضاعفة إنتاج أربعة حقول واقعة في شمال البلاد إلى 900 ألف برميل في اليوم بتكلفة تزيد على سبعة مليارات دولار على مدى 20 عاما. الحرية والمنافسة الاقتصادية كما ما زالت الكويت في قاع ترتيب دول مجلس التعاون الخليجي في تقرير الحرية الاقتصادية ومصدره مؤسسة هيريتاج فاونديشن وصحيفة ''وول ستريت جورنال'' الأمريكيتين. فقد حلت الكويت في المرتبة رقم 61 من بين 183 مشمولا في تقرير 2011 مقارنة بالمرتبة رقم 10 فيما يخص البحرين. تؤمن كل من مؤسسة هيريتاج فاونديشن وصحيفة ''وول ستريت جورنال''، أي الجهتان اللتان تقفان وراء التقرير، بتقييد دور الحكومة في الشؤون الاقتصادية وجعلها تهتم بأمور مثل إصدار القوانين والسهر على تطبيقها. في المقابل، المطلوب منح مؤسسات القطاع الخاص الدور الرئيس في المسائل التجارية، ومرد ذلك اهتمام الشركات الخاصة بتحقيق الربحية ما يعني بالضرورة منح الزبائن قيمة وخدمات مقابل أموالهم. تعتقد الجهات الصادرة لتقرير الحرية الاقتصادية أن تواجد القطاع العام في الاقتصاد يعد أمرا سلبيا في حد ذاته، وفي العادة يكون على حساب الحرية الممنوحة للقطاع الخاص. وامتدادا للأداء نفسه، حلت الكويت في المرتبة رقم 35 دوليا أي الأسوأ خليجيا على مؤشر التنافسية لعام 2010 ـــ 2011 الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي. في المقابل، حلت قطر في المرتبة رقم 17 على المؤشر أي الأفضل بين الدول العربية والإسلامية قاطبة. يتميز تقرير التنافسية الاقتصادية باعتماده منهجية خاصة تتمثل بجمع المعلومات العامة المتوافرة إضافة إلى استطلاعات رجال الأعمال. باختصار، أملنا في أن يكون حديث أمير الكويت مقدمة لإحداث نقلة نوعية في أداء الاقتصاد الكويتي عبر إقامة علاقة عمل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خلافا لما عليه الحال بالنسبة لفتح القطاع النفطي. ومن شأن تهيئة الوضع التجاري في البلاد تشجيع المستثمرين المحليين على استثمار جانب من أموالهم في الاقتصاد المحلي، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي وإيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين.
إنشرها