Author

ماذا عسى المستثمر أن يفعل؟

|
مستشار اقتصادي
لعل من أصعب المهام على الإطلاق إدارة المحافظ المالية بسبب حاجة المدير إلى استقراء وفهم وهضم كم هائل من المعلومات، ومن ثم تحديد درجة المخاطرة المالية ثم أخذ القرارات الاستثمارية. على المدير اليوم أن يتعامل مع كم هائل من المعلومات المتنوعة جزئياً وكلياً والحالة النفسية، حتى الأوضاع السياسية. اختزال هذه العوامل في قرارات محددة سيفضحها شريط السوق الإخباري في الأشهر والسنوات القادمة بمثابة العصا على رأس المدير. فهو يعرف في الأخير أن الأعذار والظروف الموضوعية حتى غير الموضوعية لن تشفع له. حالة الأسواق في أول أسبوعين من هذا الشهر تعبير عن حالة فريدة في تداخل صعوبات خروج أمريكا من حالة تناقص الديون التي تتطلب شد حزام وبين الحاجة إلى النمو لمكافحة البطالة عن طريق مواصلة التحفيز، إذ إن هناك تناقضا مبدئيا في السياسة الاقتصادية لم يساعد فيها تراشق السياسيين وعجزهم عن إيجاد حلول نوعية طويلة الأجل. يقابل ذلك نفق أزمة الاتحاد الأوروبي؛ ولعل حالة الاتحاد الأوروبي تعبّر عنها حالة التجاذب بين الدول المانحة الناجحة والدول الأقل كفاءة وملاءة، وحالة التمارض اليابانية، وأخيرا حالة الصين الانتقالية وما يشوبها من مخاطر. المخاطرة اليوم في مجملها تدور بين مخاطر أوروبا الكلية وحالة أمريكا المالية الاقتصادية. المستثمر الناجح هو الواعي بهذه العوامل؛ ولكنه أيضا الذي يستطيع إعطاءها حجمها ثم العمل على اختيار درجة من التوزيع العام للأصول بما يتناسب مع درجة مرونة مقبولة، فعلى سبيل المثال في هذا الأسبوع الأول من الشهر فقط ارتفعت محفظة سندات الحكومة الأمريكية نحو 3.5 في المائة بينما نزلت الأسهم الأمريكية نحو 8 في المائة، وهذا قد يلعب بسهولة على جانب الخوف والحذر، ولكنه لن يساعد في المدى البعيد، إذ إن الأداء الطيب سوف يكون من خلال أسهم الشركات المتميزة في المدى البعيد. التذبذب وإعادة تقييم الأصول من سمات الأسواق الأزلية ولذلك يقول بيتر لينش واحد من الماهرين إن السوق سوق الأسهم تصحح بنحو 10 في المائة كل سنتين إلى ثلاث سنوات، وبنحو 20 في المائة كل عقد تقريبا، ولكن الاتجاه دائما إيجابي إذا أحسنت اختيار محفظة متنوعة واستطعت الانضباط في الشراء التدريجي. لعلها تجربة شخصية، على مدى أكثر من 20 سنة أنه كلما زاد الانضباط تحسّن الأداء إذا كان الهدف هو الكسب المتناسب مع المؤشرات العالمية وليس القفزات المضاربية. بناءً على هذا السلم الزمني، فإن النصيحة للمستثمر الصغير والكبير واحدة من حيث برامج الاستثمار وملاءمة التدفق النقدي، ولكنها تختلف في جزئيتين الأولى أن على الصغير ألا يستثمر فيما يحتاج إليه في السنوات القليلة القادمة، والجزئية الأخرى أن حجم المبلغ يساعد في توزيع الأصول اقتصادياً، وأحيانا في الحصول على المعلومات حيثما تقل فاعلية الأسواق (كلما تقل شفافية السوق تزيد فرصة المكسب غير المتوازن). ولكن النصيحة الأولى هي الهدوء وعدم التسرّع بالبيع واقتناص الفرص التدريجي. في أمريكا حيث المعلومات متوافرة والسوق غني بالتحليل، فإن أغلب مديري المحافظ لا يرتفع أداؤهم عن المؤشر، ولذلك فإن العملية الاستثمارية أصعب مما يتخيل الكثير، ولكن بساطتها في حُسن الاختيار والاستثمار التدريجي، والرغبة في الحفاظ على المال والانضباط، دون هذه المقومات، فإن المكاسب سوف تكون محدودة أو الخسارة، وهي الأكثر احتمالاً، تكون عندما نستثمر دون منهج استثماري واضح. بقى أن نقول إن السوق السعودية ارتبطت بالأسواق الدولية منذ 2008 ولكن ارتباطها أكثر في النزول من الصعود، ولعل هذه مادة لعمود آخر.
إنشرها