Author

نهاية التدخل الليبرالي

|
بينما تزداد قوة وسرعة موسم العواصف الرملية في ليبيا، وتبهت الألوان الأولية للربيع العربي مع الآمال ووعود التغيير لشعوب تم قمعها لفترة طويلة من قبل حكومات مستبدة وغير فعالة، وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انطلاق الهجمات الجوية ضد قوات العقيد معمر القذافي، فإنه يبدو أن الأمور قد وصلت إلى طريق مسدود هناك، حيث يبدو أن ''تدخلا ليبراليا'' آخر قد ضل طريقه. إن الآمال التي حركت ذلك التدخل في ليبيا كانت دائما تبدو غريبة في أرض غارقة في الذكريات القديمة. لقد كتب نيكولاس بيلهام أخيرا في مجلة ''نيويورك'' لاستعراض الكتب عن مدينة درنة الساحلية الليبية، حيث وصف نيكولاس كيف أنه بين ''البحر الأبيض المتوسط ذي اللون الفيروزي والجبال الخضراء تقع آثار وساحات والكنائس التي خلفتها الدولة البيزنطية''. أما في مركز مدينة درنة ''فأنت تشاهد الأضرحة ذات القبب البيضاء التي تمت المحافظة عليها بشكل أفضل، وهذه الأضرحة تعود إلى الشيخ زبير بن قيس و76 صحابيا آخر من صحابة النبي محمد''. إن جميع هؤلاء الصحابة قد تم ذبحهم هنا من قبل قوة بيزنطية في سنة 69 للهجرة (690 للميلاد). إن أهمية هذه الحقيقة العرضية تظهر عندما يعلم المرء أن مدينة درنة هي أكثر مدينة في بلدان المغرب مقارنة بعدد السكان أرسلت متطوعين مراهقين من أجل المشاركة في الجهاد في العراق وأفغانستان. وعلى الرغم من ذلك فإن سكان درنة كانوا من أوائل الناس الذين احتفلوا عندما انطلقت الطلعات الجوية الأمريكية، تلك التابعة للناتو من أجل الدفاع عن مدينة بنغازي الواقعة تحت سيطرة الثوار ومهاجمة القذافي في عرينة في طرابلس. يبدو أن هذه الاحتفالات تعبر عن احتمالية التحرر من استبداد دكتاتورية أصابها الجمود الوقتي والمكاني. لكن الآن ومع تصاعد المخاوف من أن الراديكالية الإسلامية موجودة خلف ستار الثورة الليبية، فإن كل شيء وارد. لقد بدأت مناقشة تلك التعقيدات بشكل مفتوح فقط أخيرا، مما يوحي بأن هناك عيوبا خطيرة في صنع السياسات التي أدت إلى القرار بالتدخل. إن فعالية ذلك التدخل لم تؤدِ فقط إلى خيبة أمل يومية للثوار الليبيين الذين توقعوا المزيد من المساعدات العسكرية المباشرة من الولايات المتحدة والغرب، بل أدت كذلك إلى فضح الاستياء الموجود منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة فيما يتعلق بحالة حلف الناتو. لهذا السبب قام وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس وبشكل أوضح بكثير من أي من الذين تولوا هذا المنصب في السابق بالتعبير عن إحباطه وغضبه من حلفاء أمريكا في الناتو. لقد قال جيتس ''بينما صوتت جميع دول الناتو على التدخل في ليبيا، فإن الأغلبية اختارت عدم المشاركة في القتال الفعلي''، وحتى أولئك الذين شاركوا في القتال نفذت منهم الذخيرة بشكل سريع، مما أجبر أمريكا الغاضبة على التدخل مرة أخرى. إن من المفهوم أن يجد جيتس هذا الوضع الذي تساهم بموجبه الولايات المتحدة بنسبة 75 في المائة من الإنفاق العسكري للناتو ''غير مقبول'' بالمرة، كما أن جيتس يعتقد أن هذا الوضع ''لا يمكن استدامته''، وأنه إذا لم يتم تصحيح هذا الوضع، فإن قوات الناتو ستواجه مستقبلا ''كئيبا''. بينما كان جيتس ينتقد بشدة حلفاء الناتو، حذرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وبشكل واضح القادة الأفارقة من أن ''الحكومات المستبدة التي يحكمها مستبدون طاعنون في السن لم تعد مقبولة''، وعليه فإنه يجب عليهم ''إنهاء علاقاتهم الطويلة الأمد مع القذافي''. أما القذافي فلقد سعى وبشكل متزايد لأن يظهر بأن التدخل لن يفضي إلى شيء، ولدرجة أنه ظهر وبكل جرأة وهو يلعب مباراة في الشطرنج مع الرئيس الروسي للاتحاد الدولي للشطرنج. تستمر قوات القذافي في الهجوم، على الرغم من قيام بريطانيا وفرنسا بإشراك طائرات مروحية قتالية في المعركة. أما بالنسبة لأمريكا والغرب فلقد ظهرت أخطار أخرى، بينما يتعثر التدخل في ليبيا. إن العنف في سورية على سبيل المثال يطرح تساؤلات حرجة بحق: هل بإمكان الغرب بعد أن تدخل من أجل منع حمام دم في بنغازي الاستمرار في عدم عمل أي شيء، بينما ترتكب المجازر في طول البلاد وعرضها؟ إن ترك المرجل السوري يغلي هو أمر موجع، لكن التدخل غير عملي بالمرة. لقد أثبت التدخل الليبرالي مرة أخرى أنه قد تم تقويضه بسبب عدم القدرة على تطبيقه بشكل متكافئ. لقد ولد هذا المفهوم قبل عشرين سنة من رحم الانتصار في الحرب الباردة، حيث يقضي بأن من الممكن أن تقوم قوة عسكرية غربية بفرض النظام في أي مكان وزمان حسب رغبتها، ولكن أصبح من غير الممكن الآن الاستمرار في الدفاع عن هذا المفهوم. لقد ثبت مجددا أن عواقب مثل تلك التدخلات هي أكثر جدية وتعقيدا من التصورات والنوايا السابقة للأشخاص. لو فكرنا مليا للحظة في هذه المعضلة سنجد أنه لو تجاهلنا حمام الدم في سورية، فإن هذا يعني أننا نعترف ضمنيا بالنفوذ الإقليمي الإيراني. إن عدم وجود إرادة قوية للحل، يطرح المزيد من التساؤلات عما إذا كان بالإمكان التعويل على الحماية الأمريكية ـــ مما سيضعف وبشكل أكبر الوضع الإقليمي لأمريكا. إن ظهور تركيا العثمانية الجديدة تحت حكم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان التي تقوم بتعزيز مكانتها على أرض الإمبراطورية العثمانية السابقة يعد شاهدا على تناقص المكانة الأمريكية الإقليمية. يجب ألا يُفاجأ أي شخص بأن التدخل الليبرالي والعصر الأمريكي كدولة عظمى وحيدة يقتربان من النهاية بشكل متزامن، حيث يبدو أنه في نهاية التاريخ كان هناك المزيد من التاريخ. لكن دون تلك التدخلات الليبرالية كقوة تبعث على الحيوية والنشاط، فإن هناك تساؤلا عن أهمية الناتو في عالمنا الحاضر؟ أن القول المأثور لباج اسماي بأن الغرض من الناتو هو ''إبقاء روسيا في الخارج وأمريكا في الداخل وألمانيا في الأسفل'' لم يعد كافيا. إذن ما العمل الآن؟ إن قدرة أمريكا على إعادة التأكيد على أهميتها ومركزيتها فيما يتعلق بالشؤون الدولية يعتمد على الجواب. خاص بـ ''الاقتصادية'' حقوق النشر: بروجيكت سنديكت 2011
إنشرها