Author

كيف ننمِّي قدراتنا العلمية والتقنية؟ (1 من 2)

|
بلغت الحالة الراهنة للواقع العلمي العالمي، مستوى عاليا من التعقيد والتداخل بين مجالات عدة تتجاوز عالم المتناهيات في الصغر، إلى مستوى الذرة والخلية الحية ونواتيهما‏،‏ إلى ما يسمَّى عالم المتناهيات في البعد والكبر على مستوى المجرات والحشود النجمية العملاقة وما يتخللها من ثقوب سوداء في أعماق الفضاء الكوني السحيق‏..! ويختلط البحث في هذه الميادين بمجالات أخرى على الدرجة نفسها من الأهمية والاهتمام‏،‏ تضم علوم المواد والأجهزة والنماذج والبرمجيات‏،‏ وبتنا نسمع كل يوم تقريبا عن تطور جديد في أبحاث الفضاء‏،‏ أو الحسابات الإلكترونية‏،‏ أو الهندسة الوراثية‏،‏ أو المعلومات‏،‏ أو الاتصالات‏،‏ أو الطاقات الجديدة والمتجددة‏،‏ أو التسليح في الميادين البيولوجية والكيماوية والنووية وغيرها‏.‏ وبالرغم من التماس واستشعار مسؤولية أمتنا العربية، الكاملة، قوميا وعالميا نحو القضايا العلمية والتقنية الآنية والمعاصرة والمستقبلية المتوافرة على الساحة‏ العالمية،‏ خاصة ما يُعرف بالتقنيات المتقدمة‏،‏ على نحو ما نلحظه بوضوح في الخطاب الرسمي العربي بأسره‏،‏ وفي مقالات الكتاب، ودعاة المنتديات وأرباب المؤتمرات، وغيرها من منابر الرأي والتعبير‏،‏ ولكن يبدو أن هذا كله لم يُحرِّك ساكنًا، ولم يؤد حتى الآن إلى حصاد ملموس‏،‏ ولم يتحقّق بعد إلى سياسة علمية وتقنية واضحة المعالم‏،‏ وبرامج ومشروعات عربية محدَّدة الأهداف والآليات الإدارية والتنفيذية المتطورة‏.‏ لذلك تكتسب هذه القضايا أهميةً كبرى، إذا ما كنا حريصين على إتاحة الفرصة أمام علماء الأمة ومفكريها ليوقدوا برؤاهم وأفكارهم، ونظرياتهم همم مجتمعاتهم، ويشعلوا الحماسة في أبنائها، ويسهموا في رسم وصياغة الإطار النظري والعلمي لاستراتيجية عربية طموحة، تلبي الآمال لمجابهة تحديات القرن الـ 21‏،‏ وتدفعها دفعا للإسهام في حضارة العصر بنصيب، وافر، يتناسب مع تاريخها المجيد ومكانتها السامية ورسالتها النبيلة‏.‏ وأقترح في هذا الشأن، أن يُطرح على طاولة نقاش المفكرين والمثقفين في الوطن العربي بأسره المشروعات والقضايا العلمية والتقنية الآتية‏:‏ إنشاء وكالة عربية لعلوم الفضاء‏،‏ الطاقات الجديدة والمتجددة ‏(‏مع إعطاء الأولوية لاستخدام الطاقة الشمسية والنووية‏)،‏ وإصلاح البيئة وتنميتها‏ (‏مع إعطاء الأولوية لمكافحة التصحر في الوطن العربي‏)،‏ وتطوير تقنيات الليزر وتطبيقاتها‏،‏ والتقنية الحيوية‏.‏ فإنشاء وكالة فضاء عربية ASA، تهدف إلى وضع مجموعة من البرامج التي تهدف إلى إطلاق أقمار صناعية بتصميم وتنفيذ عربي في أقرب وقت ممكن‏،‏ وتوفير المقدرة العلمية اللازمة لإجراء البحوث والدراسات العلمية والتطبيقية في عديد من المجالات الحيوية ـــ يعد إنجازا كبيرا، وهو أمر في متناول أيدي العلماء والباحثين العرب، غير عسير على الدول العربية التي تزخر حاليا بالكفايات والقدرات البشرية والعلمية والفنية‏،‏ فضلا عن الموارد المادية المناسبة، المتمثلة في توافر الصناعات الأساسية اللازمة لاستخدام تلك التقنيات الجديدة‏؛ ليكون العرب على موعد مع مشاركة العالم في صنع المستقبل‏! ولعل الإسراع في اتخاذ قرار إنشاء هذه الوكالة العربية يكون البداية السليمة على هذا الطريق‏، لسبر أغوار المجالات المهمة التالية: ‏1‏ ـ بحث التغييرات المناخية والبيئية‏.‏ ‏2‏ ـ مسح عام للثروات الطبيعية ‏(‏نفط ـــ معادن ــــ مياه جوفية‏).‏ ‏3‏ ـ صياغة خرائط مسحية دقيقة للأغراض المدنية‏.‏ ‏4‏ ـ إطلاق منصات مناخية، لاستشراف آفاق الكوارث الطبيعية كالفيضانات والسيول والعواصف والجفاف والتصحر‏،‏ وغيرها‏.‏ ‏5‏ ـ تقوية موجات الإرسال التلفزيوني والفضائي والإذاعي وإعادة بثه مما يُسهِّل على التقنية الفضائية العربية تقديم إعلامها بتكلفة أقل وكفاية أكبر دون تحكم خارجي‏،‏ وكذا الحصول على دخول ورساميل كبيرة من خلال تسويق بعض القدرات التقنية لدول أخرى‏.‏ ‏6‏ ـ تنمية وزيادة القدرة على إجراء الاتصالات ونقل المعلومات محليا وإقليميا ودوليا‏.‏ ‏7‏ ـ رصد ودراسة مصادر الطاقة في الكون‏.‏ ومن المؤمَّل أن تحرز الجهات ذات الصلة بكل هذه الميادين والمجالات المهمة، تقدما كبيرا عند الاستفادة من التطورات المنتظرة لأنشطة الوكالة المقترحة على المدى القريب والبعيد‏.‏ ولتفعيل هذا المقترح؛ يمكن التمهيد لذلك بتشكيل هيئة عربية عُليا من ذوي الاختصاص في الجامعات العربية المرموقة، المختلفة للإشراف على إعداد برنامج متكامل وتقديم دراسة جدوى فنية بعد حصر الإمكانات البشرية والمادية المتوافرة حاليا وبيان كيفية الاستفادة منها على الوجه الأمثل‏.‏ وبعد توفير جميع مطالب البنية الأساسية لوكالة الفضاء العربية وتدبير التمويل اللازم لمراحل تشغيلها‏،‏ يمكن النظر في اتخاذ القرار الخاص بذلك حتى تكون البداية على أساس علمي سليم‏.‏ وعند توافر الإرادة العربية والإجماع على هذا المشروع العربي الفضائي العلمي، يمكن بدء العمل في هذا البرنامج‏،‏ على أن تكون الهيئة العليا العربية المقترحة، نواة لها‏،‏ مثلما ما حدث عندما تحولت الجمعية الأمريكية الاستشارية للملاحة الفضائية إلى‏ وكالة ناسا‏ التي تتولي شؤون الفضاء في الولايات المتحدة‏،‏ كما يمكن البدء بالتوازي مع هذا المشروع العربي الناهض إنشاء‏ ''مركز عربي لعلوم وتقنيات الفضاء''‏ من شأنه متابعة ما يُنشر وما يستجد في هذا المجال‏،‏ وما يمكن الحصول عليه من نتائج رحلات الفضاء في دول العالم المختلفة‏.‏
إنشرها