Author

أدخُلْ والطُخْ - 1

|
.. هناك مقالاتٌ تُكتبُ وأنت تتمتع بكل حرف، وتغيب في عالم برزخي تعزف فيه الرؤى والأفكار والخواطر والعواطف في جوقة تصلك من مقامات من مظان الجمال والعذوبة والتدفق الشلالي المتمازج الألوان.. هذا واحدٌ منها. منذ تلقيت الدعوة للمشاركة في كلمة في ملتقى الحوار الشبابي من نشاطات مركز الحوار الوطني الذي أقيم الخميس الفائت، وأنا أعد نفسي. يجب أن أعترف لكم بشيء قبل ذلك، فأنا ممن يحضرون مناسبات كثيرة تتجاوز المناسبتين أحيانا في اليوم الواحد في مناطق مختلفة، واعترافي بأنني لست من النوع الحريص على التجهيز، ولا الذي ينزع للجدية في البحث والإعداد، كما يجب أن يفعل المحاضرون.. وهذا عيبٌ أعترف به، وما يخفف منه بالنسبة إليّ أني لا أحسب ولا أرتفع لطبقة المحاضرين.. أنا من النوع الذي يتكلم عفو خاطره مثل رواة القصص، أنقل أفكارَ الآخرين، أنقل علومَهم وثقافاتهم وما كتبوه وما قالوه وما أنجزوه في كل مضمار.. ولست قادراً على إبداع جديد ولا معالجة تحليلية كما يفعل الناقدون والمحاضرون المتمرسون. إلا في هذه الدعوة بالذات. لقد قلقتُ، وحاولت أن أعتمر قبعة الجادين، وأضع وشاح العارفين، وقرأتُ وكتبت، فأنت أمام شبابٍ عارفٍ ومثقف، وأنا أعرف هذا جيداً، فأنا دوماً معهم ولا أخرج منهم إلا مرهقاً من ضغوط عقول نشطة على عقل يخمد. وصحيح أني كتبتُ أشياء كثيرة لهم، فمعدّو المنتدى يريدون أن أتكلم عن إعدادات المستقبل فيما يخص التطوع والمتطوعين.. وعنيتُ بالدرس والإعداد، وقررت أن أكون جادا، وحضرتُ عرضاً مرئياً وكل الحركات التي يدور بها المحاضرون المعتبرون من مسرح إلى آخر. ولكن وأنا في السيارة متجهٌ للمنتدى.. حصل شيء. هاتفني شابٌ اسمه عاطف، وقال لي أنا عارف إنك آت لنا بالطريق أرجوك أن تبوح فعلا ما بقلبك كما كتبت لنا بالتويتر والفيسبوك، لا تقرأ علينا، لا تحاضر.. وكما أردف وأضحكني: "نبغاك كده تدخل وتخبط" هه، يا لأهل الحجاز. ثم مباشرة مكالمة من بنت اسمها "هبة" وتقول: "ترا ملينا من القوالب مع كل احترامي وتقديري إذا بتجيب لنا محاضرة، ارجع لأهلك أحسن.." طبعا قالتها بروح ضاحكة، ولكن تحمل سعير نار الجدية قي قلب ثلجها.. يا لأهل الرياض! ورميتُ ما كتبت. وانتبهت لما أؤمن به؛ من أنا كي ألقي محاضرة على الشباب، إنهم يسبقوني في التفكير. وقررت أن أذهب إليهم وأطلب المساعدة فيما يؤرقني من أمور مهمة.. كما قال لي برسالة الشاب "حسن الصاعدي": "أريد أن تقول لنا فعلا ما هي العلاقة المباشرة للتطوع فيما يجري من مشاهد على الساحة الحاضرة في السياسة والاجتماع والاقتصاد". حسن أشعل المنارة! دخلت والمكالمتان ترنان كالأجراس الكبرى في رأسي، وأمام ناظري رسالة حسن.. وإذا بمعلمي الكبير الشيخ صالح الحصين أمامي مع ثلة من أحبابه، فرافقته إلى صالة الطعام وتحدثنا كثيرا، وضحكنا كثيرا، ويذهلني هذا الرجل الاستثنائي بغزارة علمه واطّلاعه على الثقافات العالمية ومعرفته للغتين حيتين هما الفرنسية والإنجليزية - هذا على حد علمي، ولم أسأله عن الكورية! ورأيت في العقل الكبير حلمَ الأمة.. فعلا: الانفتاحُ، المحبة، الذكاء، التواضع، الثقافة، الروح السابغة، وإيمانٌ بالشباب.. وعندما دوخني الشيخُ قال: "إنها الثمانون، لم يبقَ في ذاكرتي شيء" ماذا؟ يا رجل! وتلمستُ مُخي هه، ماذا بالداخل إذن؟ شجعني الشيخُ بدون أن يقول، أن "أدخل والطخ" بالفعل. جمعت أشتات الشجاعة، ورأيت في أعين الشباب الذين تجمعوا تلهفا مصدقين ما وعدتهم به على التويتر. وعرفت منهم أن الشيخ قال لهم قولا جميلا زاد آمالهم، وصدقوه لأنه أصدقهم.. يعني: "صير زيه يا أ. نجيب".. قال "محمد" من شباب الطائف.. قلت: يا ليت يا محمد! من حظي أن يكون على المنبر من القسم النسائي الأميرة نوف بنت فيصل بن تركي والمعروفة في جموع الشباب بأميرة الشباب صاحبة برنامج ومؤتمر "منتدى الغد"، وللأميرة خطة استراتيجية واضحة لشباب أمتها تعمل جاهدة لتحقيقها. ومع الدكتور "سالم الديني" المشرف على برنامج المسؤولية الاجتماعية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، ومهندس العمل التطوعي المؤسسي التنظيمي.. وطبعا، أن ألتقي الشاب "عمر حسين" صاحب برنامج "ع الماشي" بطبيعته التلقائية وبسمته الدائمة، ورأسه العاري، والذي أعجبت به قبل أن ألتقيه (وصححني لما قلت التلفزيون، قائلا وأمام الناس: "اليوتيوب يا عم نجيب، وأدار عينيه بالطريقة الساخرة المعروفة. يالله، الله يسامحه)، وأدار الجلسة مستأسدا عليّ، وناعما مع زميلَي! عقدتُ العزمَ على الخوض بالمسائل الكبرى، ليس استعراضا أمام الشباب، بل كما قلت لهم راجيا: "أنتم أفضل العقول وأقواها وأنشطها، وأكثر مَن يملك الطاقة والعزم على تنفيذ آمال الأمة وطموحاتها وآمالها، وأنا أخاطبكم لا لتفكروا معي، بل لتفكروا لنا..". وتلك المواضيع: الشكوى والتذمر اللذان يعُمّان البلد، الانشقاقُ بكيان المجتمع، الاستقطابُ العاطفي السلبي، النقد والانتقاد.. وفي مقالة الإثنين التالية سندخل ونلطخ.. في الجِدّ!
إنشرها