لماذا لا تنخفض أسعار الأراضي؟

إن الارتفاع في أسعار الأراضي السكنية يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الحصول على المسكن، وجعله غير ميسر سواء كان بالامتلاك أو الاستئجار. ومن الملاحظ أن أسعار الأراضي السكنية في مدننا الرئيسية في ارتفاع مستمر ودائم، وإذا ثبتت الأسعار فذلك يحدث نادراً في فترات معينة تحت مؤثرات قوية (مثل: ما حدث في فترة ازدهار سوق الأسهم)، ولكن الأمر شبه المؤكد أن أسعار الأراضي السكنية لا تنخفض، فما السبب في ذلك؟
إن الارتفاع المستمر في أسعار الأراضي السكنية قضية تشغل بال كثير ممن لا يمتلكون المسكن. فلا يكاد أحدهم يعزم على شراء قطعة أرض لبناء مسكن لأسرته، والانتهاء من البحث عن الحي والموقع المناسب، والعمل بجد على ادِّخار قيمة الأرض التي يرغب في امتلاكها أو توفيرها، حتى يجد أن أسعار الأراضي في ذلك الحي زادت مع مر الأيام، وعليه إما الادِّخار لفترة إضافية لتوفير فرق الزيادة في سعرها، وإما البحث عن أرض في حي آخر أو في موقع أقل جودة.
ومن الأسباب، التي تطالعنا بها وسائل الإعلام أو نسمعها تتردد بين الناس في مجالسهم، وراء ارتفاع أسعار الأراضي السكنية؛ أن الارتفاع في الأسعار عائد لاختلال ميزان العرض والطلب، أو لسيطرة عدد محدود من تجار العقار على السوق، أو للمضاربة في الأراضي، أو نتيجة لتأثير تنظيمات النطاق العمراني للمدن التي تمنع التصريح بالبناء خارج حدود النطاق، أو لعدم فرض زكاة أو رسوم عليها. فهل هذه الأسباب صحيحة؟ وهل لها تأثير حقيقي ومباشر على ارتفاع أسعار الأراضي السكنية؟ وهل هي الأسباب الوحيدة؟ أم هناك أسباب أخرى؟ إن البحث عن الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع أسعار الأراضي، ووضع السياسات التي تعمل على تلافيها أو الحد منها؛ من أهم الخطوات لضمان توفير المساكن الميسرة، وعدم إرهاق عواتق الأسر بتكاليف الحصول على المسكن وامتلاكه.
إن جميع الأسباب السابقة أسباب مؤثرة ـــ ولا شك ـــ في ارتفاع أسعار الأراضي السكنية، ولكن السبب الأساسي للمشكلة في رأيي يعود ـــ أولاً وقبل كل شيء ـــ إلى أننا خلال الأعوام الأربعين الماضية حولنا الأراضي السكنية من عنصر أساسي لإقامة المسكن، إلى وعاء استثماري لحفظ الثروة وتنميتها من غير بذل جهد أو التعرض للمخاطرة. فانتشرت ضمن النسيج العمراني لأحيائنا السكنية أعداد كبيرة من قطع الأراضي البيضاء، التي امتلكها أفراد لحفظ مدخراتهم وتنميتها لوقت الحاجة، دون التفكير في بنائها وتحويلها إلى عقار استثماري للتأجير يسهم في توفير الوحدات السكنية وزيادة عددها، وذلك لعدم وجود نظام صارم لتأجير الوحدات السكنية يحفظ حقوقهم من تلاعب المستأجرين. وكون غالبية هؤلاء الأفراد من غير المضاربين في الأراضي فإنه من المستحيل أن يبيع أحدهم قطعة الأرض التي يملكها دون الحصول على ربح مجزٍ، ناهيك عن بيعها بأقل من تكلفتها، وهو ما يسهم في الدفع بأسعار الأراضي إلى الارتفاع المستمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي