الملكة الفقهية القانونية

من اللافت للنظر الضعف العام في الاجتهاد القضائي والمسائل الفقهية المتصلة به، وهذه النتيجة بسبب ضعف تنمية الملكات وتطوير القدرات، خاصة لمن انخرط في سلك القضاء أو الاستشارات القانونية فأصبحوا يعيشون في ظل انهماك العمل على الدراسات القديمة في المناهج العلمية التي كانت مقررة في كلية الشريعة أو غيرها، وبعضهم توقف بعد ذلك في المعهد العالي للقضاء، وابتعد كل البعد عن القراءة والمطالعة والبحث والاستزادة وأصبح جل اهتمامه متابعة التعاميم المتعلقة بصميم العمل أو ملاحقة السوابق القضائية حتى يعفي نفسه من عناء البحث والتأصيل مع أن المتغيرات هي الدائرة الواسعة في الفقه العام عموماً والفقه القضائي خصوصاً، وكم تأسف عندما تناقش بعض من تقدم به السن فتجده يورد لك المبررات والحجج التي عفا عليها الزمن، ولم تلاق محلها في الواقع المعاصر، وأصبحت تناقض قواعد العدل والمصلحة وما أكثر هذا.
والسبب في كل ما تقدم هو ضعف التأصيل العلمي في بدايات تكوين الشخصية العلمية، ما جعلها قليلة الطموح محدودة الملكة قليلة المعرفة، وإن كان رصيدها من الخبرة كثيرا، إلا أن هذا لا يكفي في تأسيس الأحكام ونقضها، وترجيح الأقوال، وتحكيم النظريات وتعديل المبادئ، وحتى أختصر على القارئ الكريم أكتفي بما ورد من تحديد المشكلة، وأما علاجها فلعلي أسهم في ذلك بإيراد علاج مهم لها ألا وهو القراءة المتخصصة التي تبني روح الاستنباط وتقوّي الملكة الفقهية، وأذكر بعض الكتب التي لا يستغني عنها قاض أو محام أو قانوني أو فقيه مخصص، ومنها:
1ـ الموافقات في أصول الشريعة للإمام الشاطبي، فهو مرجع متين في بابه ويساعد على تكوين عقلية فقهية متجددة تنظر إلى الواقع بميزان الأحكام الفقهية مع الالتفات إلى مآلات الأمور ونتائج التصرفات ويعتبر الكتاب مرحلة متقدمة في التخصص إلا أنه جداً نفيس.
2ـ كتب القواعد الفقهية عامة، وكذلك كتب المقاصد، ومنها كتاب المقاصد لابن عاشور، حيث تضمن أبعادا جديدة لعلم المقاصد.
3ـ مصادر الحق في الفقه الإسلامي للدكتور عبد الرزاق السنهوري، وهو من أفضل الكتب في تحليل نظرية العقد وآثاره وأحكام زواله وأحكام التعويض عن آثاره، كما تكلم عن بعض النظريات القانونية، مقارنة بالفقه الإسلامي مثل نظرية السبب والبطلان، وأوجه الاتفاق والاختلاف بين الشريعة والقانون فيها.
4ـ الضرر للدكتور أحمد موافي، وهو من أنفس الكتب في شرح مسائل الضرر، سواء المادي أو المعنوي والضرر المباشر وغير المباشر وكيفية التعويض في ذلك.
5ـ المدخل الفقهي العام للدكتور مصطفى أحمد الزرقا، وهو ترتيب لمسائل الفقه بأسلوب النظريات وتحدث عن العقد والملكية والسببية والضرر بأسلوب جمع فيه بين الأصالة والمعاصرة، وأذكر أن الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد رئيس مجلس الأعلى للقضاء قرره علينا في مرحلة الماجستير قبل ثماني سنوات، واستفدنا منه كثيراً، خاصة ما يتعلق بنظرته للعقد.
6ـ التشريع الجنائي الإسلامي للدكتور عبد القادرعودة وهو من الكتب الأساسية في التشريع الجنائي ويحتاج إليه كل المختصين بالعمل القضائي وجهات التحقيق والادعاء العام وجهات الضبط الجنائي والجهات الأمنية التشريعية.
7ـ المسؤولية التقصيرية بين الشريعة والقانون للدكتور محمد فوزي فيض الله، وهي رسالة دكتوراه من كلية الشريعة في جامعة الأزهر نوقشت عام 1382هـ، وهي من روائع الكتب المعاصرة التي سعى فيها المؤلف إلى الجمع بين الفقه والقانون، وقل أن يكتب أحد في هذه المواضيع ولا يستفيد منها، سواء بأسلوب مباشر أو غير مباشر.
8ـ نظرية الضمان أو أحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه الإسلامي للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، وهذا الكتاب مشهور، ولذلك أكتفى بشهرته عن التعريف به.
9ـ وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية للدكتور محمد الزحيلي، وهذا الكتاب أصل في بابه، ويحتاج إليه كل المختصين والمهتمين، لأن الحقوق تعتمد على الإثبات وعليها تبنى الأحكام القضائية.
10ـ قضاء التعويض للأستاذ الدكتور رمزي الشاعر، وهو من الكتب المتخصصة، وناقش فيه المؤلف كثيراً من المسائل القانونية، وفق روح العدالة والمصلحة، واستفاد هذا الكتاب مما كتب سابقا ككتب الطماوي وغيره، وأضاف إليها بعض المسائل النفيسة، هذه أبرز الكتب، ولعل غيري يطرح كتبا أخرى يرى أنها أفضل من حيث بناء الملكة الفقهية وتوسيع المدارك القانونية، لكن أكاد أجزم أن أغلب هذه الكتب التي ذكرتها يتفق الكل في أنها مميزة في بابها، ولا يستغني عنها باحث أو دارس، نعم هناك كتب متخصصة في العقود والقضاء الإداري والتجاري، ولكل حاولت أن أذكر أهم الكتب التأسيسية التي تساعد على بناء الشخصية العلمية المتينة، ويكفي بالقلادة ما أحاط بالعنق.
إن تطوير القضاء يحتاج إلى ثورة فقهية علمية تناقش المسائل، وفق أفق أوسع مستصحبين ميزان التمسك بالثوابت، ومراعاة المتغيرات، وبما يتفق مع قواعد المصلحة والعدالة.
ومن المسائل التي سأفرد لها مقالا ــ بإذن الله ــ التعويض المعنوي الذي لا يزال رأي القضاء فيه يخضع لاتجاه مدرسة فقهية معينة مع اختلاف الأحوال وتأييد الجهات التشريعية لمبدأ التعويض، كما في نظام العمل والعمال وغيرها من المسائل التي ينبغي دراستها بنظرة تجديدية سمتها التجرد العلمي، وفق الأصول القضائية المعتبرة، وكل ما سبق هي دعوة لنفسي ولزملائي وتذكير لمشايخي الأفاضل الذين استفدنا منهم كثيراً.
أسال الله لي ولكم الحياة الطيبة الهادئة، وأن يصرف عنا الضيق والأحزان وما توفيقي إلا بالله هو ملجئي وعليه التكلان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي