Author

الخليج عربي بحكم الجغرافيا والتاريخ والقانون الدولي (1)

|
يتجدد بين الحين والآخر الخلاف بين الدول العربية وإيران حول اسم الخليج الفاصل بين شبه الجزيرة العربية ودولة إيران الحالية، هل هو خليج عربي أم فارسي؟... العرب يعدونه خليجاً عربياً وإيران تصر على أنه فارسي، وأسوق بعض الأمثلة التي تظهر عمق هذا الخلاف وذلك على النحو التالي: 1- على أثر إعلان وزراء إعلام الدول العربية الخليجية في سبعينيات القرن الـ 20 الميلادي عن تأسيس (وكالة أنباء الخليج العربي) قرر شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي سحب السفراء الإيرانيين من جميع دول الخليج احتجاجاً على استخدام اسم (الخليج العربي) الأمر الذي اضطر الوزراء إلى أن يقرروا في جلسة عاجلة حذف كلمة (العربي) من اسم الوكالة. 2- وكحل وسط يدرأ أي نزاع مع إيران فقد حرصت دول الخليج العربي على حذف كلمة (العربي) من اسم الخليج عند تأسيس أي هيئة أو مؤسسة أو إقامة أي دورة رياضية أو اجتماع أو ندوة في أي مجال من المجالات الثقافية أو الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، حتى مجلس التعاون فقد تمت تسميته رسمياً باسم (مجلس التعاون لدول الخليج العربية)، فوصف (العربية) في هذا الاسم للدول وليس للخليج، ولا يخلو هذا الوصف من فائدة قانونية؛ إذ أكد أن عضوية هذا المجلس مقصورة على الدول العربية الخليجية، وأن إيران لا يمكنها طلب الانضمام إلى عضوية هذا المجلس. 3- لم تقابل إيران المهادنة العربية بمثلها وأصرت على تسمية الخليج بأنه (الخليج الفارسي)، وفي تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2009 اعترضت الدول العربية الخليجية على وضع إيران عبارة (الخليج الفارسي) على الميداليات والشهادات التي ستوزع على الفائزين في دورة التضامن الإسلامي لبطولة ألعاب القوى التي كان من المقرر أن تستضيفها إيران، وهددت الدول العربية الخليجية بأنها لن تشارك في هذه الدورة إلا بعد استبدال عبارة (الخليج الفارسي) بالخليج العربي أو تستخدم كلمة (الخليج) وحدها دون وصف، ورفضت إيران الاستجابة لهذا المطلب فاضطر الاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي إلى إلغاء هذه الدورة. 4- في 21/2/2010 طردت السلطات الإيرانية مضيفاً جوياً يونانياً من عمله في شركة كيش إير للطيران الإيرانية لأنه استخدم عبارة (الخليج العربي) بدلاً من (الخليج الفارسي). وعلى أثر ذلك أعلن وزير النقل الإيراني أن رحلات شركات الطيران الأجنبية القادمة من الدول العربية ستمنع من التحليق في أجوائها إذا ما استخدمت عبارة (الخليج العربي). 5- في 7/5/2010 أغلقت السلطات الإيرانية جناح دار نشر عربية تشارك في معرض طهران الدولي للكتاب لأنها تسوق كتاباً باللغة العربية يستخدم عبارة (الخليج العربي) وليس (الخليج الفارسي). وسبق أن حظرت إيران عام 2004 دخول مجلة (ناشونال جيوغراميك) الأمريكية لاستخدامها عبارة (الخليج العربي) بدل (الخليج الفارسي). ويرى بعض المعلقين أن الخليج ليس عربياً ولا فارسياً بل هو عربي ــ فارسي لأن ساحله الغربي عربي تطل عليه سبع دول عربية وساحله الشرقي فارسي تطل عليه إيران، وهذا القول صحيح إذا أخذنا بمنطق الأمر الواقع الحالي، ولكنه غير صحيح إذا احتكمنا إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ وأحكام القانون الدولي. بين يدي كتاب ألفه الأستاذ قدري قلعجي بعنوان ''الخليج العربي.. بحر الأساطير'' صدرت طبعته الثانية في بيروت عام 1413هـ (1992). ويبدأ الجزء الأول من هذا الكتاب بفصل عنوانه (الخليج، هل هو عربي أم فارسي)، وأجاب المؤلف عن هذا التساؤل في ضوء حقائق الجغرافيا والتاريخ، ونلخص هنا بإيجاز شديد أبرز تلك الحقائق التي أوردها في هذا الشأن على النحو التالي: أولا: كان الاسم الذي يطلق على الخليج في العصور القديمة، كما دلت النقوش الأكادية: البحر الأدنى أو المر Lower or Bitter Sea ويقابله فيها البحر الأعلى Uper Sea وهو البحر الأبيض المتوسط. ثانياً: الراجح أن الإمبراطور المقدوني الإسكندر الأكبر الذي كان يطمح إلى أن يحمل لقب (ملك العالم) هو أول من سماه (الخليج الفارسي)، فقد أرسل هذا الإمبراطور أسطوله بقيادة أمير البحر نياركوس إلى المحيط الهندي بحثاً عن الاكتشافات الجغرافية في منابع الشمس، في مغامرة بحرية علمية من أروع المغامرات التي جرت في العصور القديمة. وقد عاد نياركوس من الهند إلى العراق سنة 326-325ق.م. عن طريق الخليج لسبر غور مياه نهر الفرات واكتشاف مصبه، ثم تبع بأسطوله مجرى نهر قارون ليحط رحاله عند مدينة سوزة، حيث كان الإسكندر في انتظاره. وهكذا لم يتعرف الأميرال المقدوني في رحلته هذه إلا إلى الساحل الشرقي للخليج، أي الساحل الفارسي، وظل الساحل العربي مجهولاً لديه. مما دعا الإمبراطور إلى أن يطلق على الخليج ذلك الاسم، وبقي متداولاً، بطريق التواتر. وفي العصور الأخيرة أطلق العثمانيون على الخليج اسم (خليج البصرة)، أما سكان الأحساء فكانوا يسمونه (خليج القطيف). ومع ذلك، فمنذ القرن الأول للميلاد نرى باحثاً شهيراً هو المؤلف والمؤرخ الروماني بليني Pliny الذي ولد عام 62 وتوفي عام 113 يسمى الخليج باسمه الصحيح، أي الخليج العربي، وذلك في وصفه لمدينة خاراكس التي يرجح الباحثون أنها مدينة المحمرة (عاصمة إقليم عربستان). ثالثاً: الساحل الغربي للخليج جزء لا يتجزأ من أرض الجزيرة العربية وتبعاً، لذلك فإن عروبته غير قابلة ألبتة للجدل، أما الساحل الشرقي الواقع الآن تحت سيطرة إيران فإن حقائق التاريخ والجغرافيا البشرية تؤكد عروبته. وفي هذا الصدد يشير المؤلف إلى أن أول من انتبه إلى عروبة الساحل الشرقي للخليج هو الرائد الدنماركي كارستن نيبور الذي جاب الجزيرة العربية عام 1762 (1176هـ) وخرج على العالم عام 1772 (1186هـ) بمؤلف ضخم عن أدب الرحلات، ولقد قال عن ذلك الساحل الشرقي في الصفحة الثامنة من كتابه: (رحلات في الجزيرة العربية وبلدان أخرى في الشرق). (لكني لا أستطيع أن آمر بصمت مماثل، بالمستعمرات الأكثر أهمية، والتي رغم كونها منشأة خارج حدود الجزيرة العربية، هي أقرب إليها. أعني العرب القاطنين الساحل الجنوبي من بلاد الفرس، المتحالفين على الغالب مع الشيوخ المجاورين، أو الخاضعين لهم. وتتفق ظروف مختلفة لتدل على أن هذه القبائل استقرت على الخليج الفارسي قبل فتوحات الخلفاء، وقد حافظت دوماً على استقلالها، ومن المضحك أن يصور جغرافيونا جزءاً من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم ملوك الفرس، في حين أن هؤلاء الملوك لم يتمكنوا قط من أن يكونوا سادة ساحل البحر في بلادهم الخاصة، لكنهم تحملوا، صابرين على مضض، أن يبقى هذا الساحل ملكاً للعرب). ثم يذكر المؤلف أن نيبور عاد إلى التأكيد على هذا الموضوع في مكان آخر من كتابه وبتفصيل أكثر، فقال في الصفحتين 137-138 ما يلي: (لقد أخطأ جغرافيونا، على ما أعتقد، حين صوروا لنا جزءاً من الجزيرة العربية خاضعاً لحكم الفرس، لأن العرب هم الذين يمتلكون، خلافاً لذلك، جميع السواحل البحرية للإمبراطورية الفارسية من مصب الفرات إلى مصب الأندوس على وجه التقريب. صحيح أن المستعمرات الواقعة على السواحل الفارسية لا تخص الجزيرة العربية ذاتها، ولكن بالنظر إلى أنها مستقلة عن بلاد الفرس، ولأن لأهلها لسان العرب وعاداتهم، فقد عنيت بإيراد نبذة موجزة عنهم. يستحيل تحديد الوقت الذي أنشأ فيه العرب هذه المستعمرات على الساحل، وقد جاء في السير القديمة أنهم أنشأوها منذ عصور سلفت. وإذا استعنا باللمحات القليلة التي وردت في التاريخ القديم، أمكن التخمين بأن هذه المستعمرات العربية نشأت في عهد أول ملوك الفرس). وكان نادر شاه قد رسم خطة في أواخر أيامه تقضي بإلقاء القبض على هؤلاء العرب، ونقلهم إلى سواحل بحر قزوين، وإحلال الفرس محلهم، ولكن مصرعه الفاجع حال دون تنفيذ هذه الخطة، وحالت الاضطرابات المستمرة في بلاد الفرس منذئذ، دون اعتدائهم على حرية هؤلاء العرب).
إنشرها