Author

هل تتحقق نبوءة برنارد لويس بتفتيت العالم العربي والإسلامي؟

|
يبدو أن الأحداث العربية الراهنة التي تتسم بحالة من عدم الانضباط وتبدو غير واقعية كونها تخالف المعطيات التقليدية المستقرة, لكونها تأتي عاجلة ولا يمكن التنبؤ بوجهتها ولم تخلص إلى نتيجة نهائية, خاصة أن ما جرى في تونس ومصر وليبيا لم يؤد إلى ولادة جديدة بعد, بقدر ما دفع ذلك البعض إلى التخوف من المستقبل الذي يميل إلى الغموض, فتونس تغيرت حكوماتها ولم تستقر, ومصر غيرت حكوماتها لكن ثمة نذر حرب داخلية بعد الصدامات الدينية الأخيرة, وليبيا تمضي بسرعة نحو مزيد من الفوضى والاشتعال, وفي اليمن يسيل الدم ويضع خطا فاصلا قد تكون نهايته العودة عن الوحدة, فهذا الغموض يدفعنا إلى طرح مزيد من الأسئلة حول الفواعل الرئيسة فيما يجري, ولماذا الأمور في تونس ومصر لم تحسم بعد؟ ولماذا المخاوف من حرب أهلية ما زالت قائمة؟ وهل ما يجري جزء من الفوضى الإقليمية الخلاقة؟ وهل روح برنارد لويس ما زالت موجودة ومخططاته قائمة .. وما علاقتها بما يجري؟ ما زال برنارد لويس, وعلى الرغم من تقدمه في السن, محط الأنظار, إذ يعد في الولايات المتحدة أحد أهم المثقفين الذين تركوا وما زالوا أثرا كبيرا على كيف ينظر الغرب للمسلمين, وقد برز برنارد لويس بشكل كبير في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ولعب الدور الأبرز في توفير المقولات الأيديولوجية التي دفعت الرئيس بوش للتهور في الشرق الأوسط عندما قام بغزو أفغانستان والعراق بشكل أفضى إلى تقويض موازين القوى في الخليج لمصلحة إيران. وكانت آراؤه حادة؛ إذ استنفرت القيادات الغربية ودفعتها لرؤية الإسلام السياسي ـــ ولنستعر مفهوم الشاعر الإنجليزي ميلتون عندما كتب النعيم المفقود ـــ كشر مسؤول عن "الإرهاب" في العالم. وبالفعل كان أول ما قاله الرئيس بوش في أعقاب الهجمات على برجي التجارة: "اليوم رأينا شرا"، ما يعني حسب الشاعر الإنجليزي أنه لا بد من القضاء على ذلك الشر! موقف برنارد لويس من العرب والمسلمين موثق, إذ قال عنهم في مقابلة مع إحدى وكالات الإعلام بتاريخ 20 أيار (مايو) عام 2005 ما نصه: "إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون, لا يمكن تحضرهم, وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسيفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات, وتقوِّض المجتمعات, ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم, وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية, وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان. إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية, ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم, ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك, إما أن نضعهم تحت سيادتنا, وإما ندعهم ليدمروا حضارتنا, ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية, وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية ـــ دون مجاملة ولا لين ولا هوادة ــــ ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة, لذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها, واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها, قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها". ويبدو أن فكرة القضاء على الشر ـــ كما جاء في النعيم المفقود للشاعر ميلتون ـــ حاضر بشكل دائم في مواقف برنارد لويس, فعندما حاولت إدارة الرئيس بوش حل الصراع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي في أنابوليس في نهاية عام 2007، قال برنارد لويس في مقال له نشر في صحيفة يمينية هي "وول ستريت جورنال": "يجب ألا ننظر إلى هذا المؤتمر ونتائجه إلا باعتباره مجرد تكتيك موقوت, غايته تعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني, وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية, ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضًا, كما فعلت أمريكا مع الهنود الحمر من قبل". ويحظى برنارد لويس بتقدير عال من قبل اليمين الإسرائيلي والأمريكي وبخاصة المحافظين الجدد الذين وضعوا كثيرا من أفكار الرجل موضع التنفيذ. وفي حفل تكريمي لبرنارد لويس أقيم في تل أبيب ألقى بول وولفوتز, الذي شغل منصب نائب وزير الدفاع إبان الحرب على العراق والذي يعد من أهم منظري المحافظين الجدد, كلمة عبر الفيديو أشاد فيها ببرنارد لويس, وقال عنه: "وضع برنارد لويس بعبقرية علاقات وقضايا الشرق الأوسط في سياقها الأوسع بتفكيره الموضوعي والأصيل المستقل. لقد علمنا برنارد لويس كيف نفهم التاريخ المهم والمعقد, وكيف نستعمله كدليل ومرشد لنا فيما يتعلق بإلى أين نذهب في المرحلة المقبلة لبناء عالم أفضل للأجيال القادمة". وفي موقع آخر لقي لويس الحفاوة نفسها, ففي حفل تكريم نظمه (مجلس الشؤون العالمية) الأمريكي في أيار (مايو) عام 2006 على شرف برنارد لويس، ألقى ديك تشيني خطاباً أشار فيه إلى أهمية لويس وتأثيره الكبير في السياسة الأمريكية. وقال إن لويس جاء لتقديم النصيحة لوزير الدفاع الأمريكي أيام احتلال العراق الكويت بداية التسعينيات (وكان الوزير في ذلك الوقت هو ديك تشيني نفسه), حيث تكلم لويس عن المخرج لهذه الأزمة, وأضاف تشيني: "منذ تلك اللحظة قررت أن أبقى على اتصال معه وأن أتابع أعماله بعناية في السنوات القادمة .. ومنذ ذلك الوقت التقينا كثيراً وبخاصة خلال السنوات الأربع والنصف الأخيرة, وكان لبرنارد دائماً لقاءات جيدة جدا مع الرئيس بوش". وهناك كثير من الكتابات والشواهد التي تدلل على مدى تأثير لويس في صوغ أمريكا سياستها نحو الشرق الأوسط, ولا نبالغ إن قلنا إنه كانت له مشاركة فعلية في دفع وتأطير وتشكيل سياسة بوش المتشددة تجاه الشرق الأوسط؛ المتمثلة في دعم إسرائيل ضد الفلسطينيين وغزو العراق وأفغانستان. ولا يستمد تأثيره من خلال كتاباته الكثيرة الأكاديمية, إنما أيضاً من خلال عضويته في التحالف بين المحافظين الجدد والجماعات الصهيونية الذين شغلوا مناصب رفيعة ومؤثرة في إدارة بوش ومراكز الصناعات العسكرية. وكان لويس ضمن الفريق المتصهين الذي صاغ (مشروع القرن الأمريكي الجديد) قبل 16 عاماً, وهي رؤية قائمة على ضمان سيادة أمريكا في العالم, وإزالة مصادر التهديد, وطالبت بتغيير النظام العراقي ووضع حد لعملية السلام في الشرق الأوسط .. وكان أيضاً من بين الموقعين على الرسالة, التي قُدمت للرئيس كلينتون سنة 1998, المطالبة بإسقاط نظام صدام حسين, غير أن كلينتون رفضها في ذلك الوقت. غير أن كثيرا من الروايات والتحليلات الصحافية والسياسية تبين أن اللقاءات التي جمعت لويس مع بوش ونائبه تشيني كان لها أثر بالغ في إقناع إدارة بوش بدعم خطط وولفويتز للتركيز على الحرب على العراق, حيث يعتقد وولفويتز أن لأمريكا مهمة والتزاماً بالوقوف بجانب حلفائها الديمقراطيين وتحديداً إسرائيل. وقد مثّل وولفتز رأي اليمين الإسرائيلي الذي يقول إن الحرب على الإرهاب يجب أن تتسع لتشمل العراق. وعلى نحو لافت, يظهر وكأن لويس على كراهية مع موضوع الدراسة الذي يقول إنه أمضى عمره في فهمه ومحاولة تفكيك الأحجيات المحيطة به. وحتى التفسيرات التي جاء بها في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) جاءت كجزء من موروث صِدام الحضارات الذي تعود جذوره إلى أكثر من ألف عام, ويركز تفسيره على أن الغرب يدافع عن نفسه ضد هجمات المسلمين المستمرة. وفي هذا الصدد يشير لويس إلى أن الحملات الصليبية جاءت كرد متأخر على انتشار الإسلام "الهجومي"؛ بمعنى أن هناك سبباً دفاعياً لهذه الحملات, ومن السذاجة أن يقدم الغرب الاعتذار عنها. وهو أول من أطلق مقولة صدام الحضارات في مقال له بعنوان "جذور الغضب الإسلامي" التي نشرت قبل ثلاث سنوات من مقالة صموئيل هنتنجتون الشهيرة في صيف عام 1993 في مجلة "فورين أفيرز"، وفيها وجد هنتنجتون "العدو الجديد بعد زاول الخطر الشيوعي". فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي والشيوعية وانتهاء الحرب الباردة بحث الغرب عن عدو جديد وهنا أصبح الإسلام العدو الجديد. ويعد لويس من أوائل من نبه إلى "خطورة الإسلام", فقد كتب مقالة سنة 1990 تحمل عنوان "جذور الغضب الإسلامي".. وفيها يرفض مقولة أن السياسات الأمريكية هي سبب استياء المسلمين من أمريكا, ويرفض أيضا مقولة أن الإمبريالية هي سبب الغضب الإسلامي, بل يقول إن لمعاداة الإمبريالية بعدا دينيا, وبهذا المعنى فالمسلمون يكرهون أمريكا "مع أنها لم تحتل أي بلد مسلم" ـــ حسب زعمه. وبعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) أصبح لويس شخصية مركزية تقبل عليها وسائل الإعلام والحلقات النقاشية العامة في واشنطن ليدلي برأيه عن الإسلام, وكالمعتاد يشن هجماته ضد المسلمين, معتقداً أن التخلف والانحطاط في العالم الإسلامي سببه عدم فهم المسلمين ومعرفتهم للغرب. ويقول إن العالم المسلم احتاج إلى قرنين ليتيقن كم هو متخلف قياساً بالغرب, لكن عندما بدأوا بسؤال (أين الخطأ؟) بحثوا عن الجهة التي سيلقى اللوم عليها. وهنا نخلص إلى نتيجة مفادها أن برنارد لويس معاد للعرب والمسلمين وأنه قام بتوظيف تخصصه في الإسلام ليس لتقديم فهم للإسلام بقدر ما هو لبناء حالة غربية ضد العرب والمسلمين. وفي ضوء ما تقدم, نستطيع أن نفهم توجهات برنارد لويس لمعالجة الصراع المتخيل بين المسلمين والغرب, فهو يرى أن المجتمعات ليست متجانسة, وبالتالي يمكن اللعب على تناقضات التكوين الاجتماعي داخل كل دولة بهدف التفتيت والتقسيم على قاعدة فرق تسد وعلى قاعدة أن التفتيت سيسهل من مهمة الهيمنة الأمريكية وسيعزز الوجود الصهيوني، الذي يريده لويس ليكون رأس حربة للغرب في المنطقة بشكل عام. وهناك ما يشير إلى أن برنارد لويس قدم أفكارا تهدف إلى تفتيت العالم المسلم، وقد أدرجتها وزارة الدفاع الأمريكية في أجدتها بغية تنفيذها في قادم الأيام. فهو يرى ضرورة تفكيك العالم المسلم والعرب كل على حدة, ثم تفتيت كل دولة بعد ذلك إلى دويلات عرقية ودينية ومذهبية وطائفية, بمعنى أن رؤية برنارد لويس تستند إلى تحويل عنصر التعددية ليكون سبب ضعف لا سبب قوة ومنعة كما هو الحال في الغرب, فالغرب دائما ما يصر على أن التعددية مصدر قوة, بينما في الحالة العربية المراد هنا توظيف التعددية لتكون عامل تقويض وتفكيك خدمة للمشروع الأمريكي الصهيوني، الذي لا يمكن له أن يتم بوجود دول عربية ومسلمة متماسكة وديمقراطية وقوية. وبالفعل تم الإقرار بهذا المشروع منذ عام 1983 وتم إدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الاستراتيجية، عسى أن يتم تنفيذه عندما تحين الفرصة. بشكل عام, تتحدث الخريطة عن دويلات للبربر في شمال إفريقيا, ودويلة البوليساريو, دويلات ثلاث في الخليج العربي, دولة سنية, تفكيك العراق إلى ثلاث دويلات مذهبية وطائفية, حل مشكلة إسرائيل الديموغرافية عن طريق تحويل الأردن ليكون وطنا بديلا, وتقسيم سورية... إلخ. والنتيجة واضحة, وهي أن برنارد لويس معاد لمنطقتنا بالكامل خدمة لإسرائيل وللمشروع الأمريكي, وهنا لا بد من الإشارة إلى موقف ضد حرية الشعوب عندما حذر من أن انتخابات تعقب الثورات الشعبية العربية ستدفع بالمتطرفين الإسلاميين ليكونوا في الحكم, في هذه المقولة كثير من التضليل، وتستعمل كفزاعة لمنع العرب من أن يطوروا أنظمة ديمقراطية حتى يلحقوا بركب الحضارة, فيريدهم لويس دائما متفرقين وضعفاء حتى تسهل السيطرة عليهم.
إنشرها