Author

ضرورة الاهتمام والعناية ورعاية اللاعبين الموهوبين

|
التعريف اللغوي للموهبة هي مأخوذة من الفعل (وهب) أي أعطى شيئاً مجاناً فالموهبة إذاً هي العطية للشيء بلا مقابل، وهي هبة من الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ أما المعنى الاصطلاحي للموهبة والموهوبين: يعرّف لانج وايكوم (1932) المواهب بأنها: (قدرات خاصة ذات أصل تكويني لا ترتبط بذكاء الفرد, بل إن بعضها قد يوجد بين المتخلفين عقلياً)، ويعرف كارتر جول (1973) الموهبة بأنها (القدرة في حقل معين, أو المقدرة الطبيعية ذات الفاعلية الكبرى نتيجة التدرب مثل الرسم والموسيقى وكرة القدم ولا تشمل بالضرورة درجة كبيرة من الذكاء العام)، وتعريف آخر (هي قدرة فطريّة أو استعداد فطري لعمل شيء ما بشكل جيّد ومستمر مما يفتح أبواب الفرص في حياتك)، وهي قدرة امتلكها الإنسان الموهوب وهي طاقة تولد، والموهبة تكون في بداية الحياة استعداداً كامناَ يمكن أن ينمو وينضج مع نمو الفرد وتطوره في مراحل حياته الأولى إن وجدت البيئة الصالحة التي ترعى نموها وتتعهد بروزها إلى أن تصل إلى مرحلة الإنتاج والعمل فتحقق تفوقاً ملحوظاً، والموهبة هي سلوك ينتج عن توافر خصائص مثل القدرات العقلية المتقدمة في مجال محدد ومستوى عال من الإبداع ومستوى عال من الإصرار والالتزام لأداء عمل محدد. ويمكن أن نقول إن الموهبة هي هبة عقلية أو جسمية يتميز بها أفراد عن غيرهم من الناس, وهذه الهبة تجعلهم قادرين على تحقيق النجاحات المناسبة لقدراتهم، والموهبة استعداد فطري ينعم به الخالق ـــ سبحانه وتعالى ـــ على فئة قليلة من عباده, يمكنهم إن وجدوا العناية والرعاية، الامتياز والتفوق بشكل غير عادي في مختلف مجالات الحياة وخاصة في مجال كرة القدم، حيث يبرز منهم صفوة من اللاعبين أمثال بيليه ومارادونا... إلخ، ثم يأتي ذلك في المجالات الأخرى مثل العلماء والمفكرين والمبتكرين والمخترعين، وعرفت الموهبة بأنها الاستعداد والتفاعل البناء مع مظاهر مختلفة من عالم التجربة وهي بلا شك هبة من الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ وهي قدرة امتلكها الإنسان الموهوب وهي طاقة تولد الإبداع وغالباً ما يخلط الناس بين مفاهيم (القدرة) أو (المهارة) من ناحية، و(الموهبة) من ناحية أخرى، تلك المفاهيم تختلف عن بعضها بعضا، ومن المهم أن تعرف الفارق بينها. فالقدرة هي الصفة التي تسمح لك بأداء مهمّة ما كأن تمارس رياضة كرة القدم، أمّا المهارة فهي قدرة تمّ اكتسابها بالتدريب، ولكن الموهبة هي قدرة فطرية يصل فيها اللاعب إلى مهارات قد تصل إلى مستوى عال جداً يميزها عن غيرها، حيث يكون اللاعب أكثر مهارة من أقرانه في الفريق، في حال وجدت الرعاية والعناية والاهتمام. من المهم أن نفهم تلك الاختلافات لو أن الإنسان رغب فعلاً في الحصول على التفوق والإبداع، فالعمل باجتهاد شديد وقضاء وقت طويل في ذلك فاستحقق فقط مستوى محدداً من المهارة مثل أن يكون اللاعب موهوباً في كرة القدم ويمارس ويجتهد في كرة السلة، ولكن لو بذل هذا اللاعب الجهد نفسه أو حتى أقل منه حسب موهبته في كرة القدم فستزيد فعاليته وتوصله بأقرب الطرق إلى النجومية، ودون الموهبة يعتبر تعلم مهارة ما هو مجرد وسيلة للبقاء وليس فرصة للوصول لما تتيحه لك كامل إمكاناتك. أما الإنسان الموهوب فهو الذي يوجد لديه استعداد أو قدرة غير عادية أو أداء متميز عن بقية أقرانه في مجال أو أكثر من المجالات التي يقدرها المجتمع، وخاصة في مجالات التفوق في المجال الرياضي، وخاصة في مجال كرة القدم، حيث المهارة تلعب دوراً فعالاً في تحقيق الإنجاز الرياضي وتختصر طريق الإعداد بل تقلل من الجهد المبذول لأن الموهوب يصبح صاحب الأداء المرتفع أو الإنجاز العالي في الأداء في كرة القدم وربما يمتد ذلك للمجالات الأخرى، فالإنسان الموهوب والمبدع هو الذي يؤدي أي عمل بكفاءة عالية وبصورة أفضل ممن هم في سنه أو ممن يلعبون معه في الفرق نفسها أو المدرسة أو لأن أسلوبه يبشر بتحقيق إنجازات وإسهامات عالية في المستقبل. ولكن في عالمنا العربي وبعض بلاد العالم الأخرى يواجه اللاعبون الموهوبون بعض المشكلات أو العقبات التي تأتي غالباً من الأسر أو الأقارب أو المجتمع حول الأسرة أو المدرسة، ولكن المصادر المباشرة هم الآباء أو الإخوة أو الأخوات، ولعل أهمها عدم اكتراث الأسرة بمواهب اللاعب في مرحلة بداية حياته وبروز موهبته الفنية فتتجاهل نشاطاته، بل تكرهه أحياناً على عدم ممارسته لها، ولا توفر له الإمكانات المادية والمعنوية والمعدات اللازمة لممارسة كرة القدم كالأحذية والألبسة وغيرها من الاحتياجات مهما كانت بسيطة، وهكذا قد تعمل كل هذه الجهات على قتل هذه الموهبة في مهدها دون أن تعي ذلك، فالأطفال الموهوبون غالباً ما ينسحبون ويتخلون عن مواهبهم وممارسة هواياتهم في حالات الفشل المتكرر، وخاصة في المراحل الأولى، وكذلك في حالات الشعور بالخوف والتهديد من قبل أهلهم وذويهم، وقد يرجع ذلك إلى أن الموهوبين يتسمون بالعواطف الجياشة من ناحية والحساسية الاجتماعية من ناحية أخرى، أو ربما تتبع الأسرة أساليب خاطئة في عمليات التربية والتنشئة الاجتماعية، فلا تتقبل الطفل ومواهبه، وتنظر إليه على أنه يضيع وقته ويهدد مستقبله الأكاديمي بممارسة لعب كرة القدم، وتطلق عليه ألفاظاً وعبارات لا يقبلها أو تسخر منه ومن طموحاته، وفي المقابل هناك أنماط أخرى من التنشئة الاجتماعية الخاطئة أيضاً، وهي أن تعامل الأسرة اللاعب باهتمام زائد عن الحد وتبالغ في إطلاق عبارات الشكر والثناء على ابنها وتمنحه من العطف والتدليل أكثر من اللازم وتصور له طموحات تحتاج إلى الكثير من الجهد والعرق والانضباط، وهذا الدلال الذي يعيش فيه قد يؤدي به إلى الغرور والشعور بالاستعلاء والتكبر خاصة إذا حقق إنجازا في المدرسة أو مع أقرانه وبذلك تكتب له بداية النهاية. وهناك مشكلات ومعوقات تواجه الموهوبين المبدعين وتعترض مظاهر نموهم الطبيعي، وتكون سبباً في إحباطهم وفشلهم أحياناً أو تعثر موهبتهم وإبداعاتهم وتأخرها أحياناً أخرى، فيمكن إنسابها إلى مصادر متعددة يتفاعل معها الموهوب وتشكل شخصيته مثل مشكلات ذاتية شخصية تتعلق بالموهوب نفسه فقد يعاني اللاعب الموهوب مشكلات نفسية تؤدي به إلى سوء التوافق النفسي والاجتماعي، فالموهوب كما أشرنا يتميز بدافعية عالية نحو التعلم ولديه رغبة في البحث والاستطلاع واستكشاف المعرفة، فهو يفكر في كل ما يجري من حوله، فإذا ما مر اللاعب بخبرات مؤلمة وخاصة في مراحل حياته الرياضية الأولى أو أخفقت البيئة في إشباع حاجاته، فقد يصاب بالإحباط والفشل وينتابه القلق والتوتر، وتتحول حياته إلى صراعات نفسية داخلية تدمر ذاته وتقتل الإبداع لديه، فإما القبول بهذا الواقع الذي لا يتوافق مع ذاته وتطلعاته أو التخلي عن تلك الأنشطة الإبداعية، ويحدث ذلك في جميع المراحل العمرية، وفي كل الأحوال تكون الخسارة فادحة للفرد المبدع وللمجتمع بكامله يفقده مثل هذه المساهمات الفردية والإنجازات الجادة مستقبلاً . وهناك مشكلات تتعلق بالبيئة المنزلية أو مشكلات وصعوبات تتعلق بالبيئة المدرسية خاصة أن البيئة المدرسية تحتوي على متغيرات متعددة ووسائط متنوعة تلعب دوراً مهماً في تنمية الإبداع وصقل الموهبة، وفي المقابل يمكن أن تكون مصدراً لإثارة المشكلات لدى الموهوب فتعرقل نموه وتحد من مواهبه ومن ناحية عامة البيئة بمفهومها الواسع التي تشمل البيئة الاجتماعية والنفسية والمادية. ومن الأخطاء التي يقع فيها الآباء أيضاً أنهم يوجهون أبناءهم البراعم أو الناشئين في مجال كرة القدم ويحددون لهم طريقهم مثل النادي الذي يجب أن يلعب له بل ربما يحدد له سقف الإنجاز الذي يمكن أن يصل إليه هذا اللاعب بأن يصبح لاعبا في فريق في الدرجة الأولى أو في المنتخب وربما يلقنونهم مفاهيم خاطئة وقوالب جامدة عن المفاهيم الرياضية حسبما تعودوا عليها، خاصة أن عصر الاحتراف في كرة القدم يحتم تنشئة اللاعب من عمر مبكر وأن يتشبع بالروح الاحترافية التي تفرض درجات عالية في الانضباط السلوكي في حياته والابتعاد عن أيدلوجيات الانتماء، حتى لا يصاب بإحباط في مستقبله بأن يلعب لناد غير الذي كان يعشقه في طفولته. وهنالك جانب آخر من العقبات التي تعترض طريق اللاعبين الموهوبين ولكنهم يتمتعون بخصائص وسمات تميزهم عن غيرهم وتمنحهم القدرة وتجعلهم مبدعين وقادرين على التكيف والتعامل مع المشكلات الاجتماعية والعاطفية وطرق علاجها، وكيفية بناء جسور للتواصل مع زملائهم اللاعبين والمدربين والآباء لأن الإبداع يعني الإحساس بالمشكلات والقدرة على إيجاد الحلول لها، فالتفكير الإبداعي يعني الإحساس بالعناصر المفقودة في المشكلة وتكوين الأفكار ووضع الحلول الخاصة بها. ومن الخصائص والسمات التي يتميز بها الموهوبون القدرة العقلية العالية، فالموهوب يتربع على قمة السلم الهرمي في استجاباته على اختبارات المهارة، وكذلك في اختبارات التفكير الابتكاري والقدرة على الأداء الفني بكفاءة عالية، وذلك بما يمتلكه من مهارات متميزة تنبئ بظهور موهبة كروية رائعة في المستقبل وبما يمتلكه من طاقة حيوية هائلة يسخرها في استخدام موهبته للرقي بأدائه الفني وأيضاً القدرة العالية على الفهم واستيعاب التدريبات والمهارات والخطط ويظهر مرونة في التفكير في إنتاج البدائل الجديدة والحلول التي تتصف بالحداثة، فالموهوبون يتعلمون عن طريق الاكتشاف، ويرفضون أساليب الحفظ والتقليد. ولعل من أهم خصائص الموهوبين أيضاً تميزهم بالاستقلالية والثقة بالنفس إلى درجة المخاطرة والمغامرة في القيام بالمهام الصعبة وفي تناول الأشياء وتجريبها، وتلعب دافعية الموهوب المتزايدة دورا في رغبته في التعلم وفي الاكتشاف والفضول المعرفي فهو كثير الأسئلة والتساؤل مما يسبب الإزعاج والقلق لوالديه ولمدربيه في أحيان كثيرة. ونظراً لأهمية هذه الخصائص والمميزات لدى الموهوبين المبدعين فقد كانت الأساس التي اعتمد عليها العلماء في بناء اختبارات الذكاء والتقويم والتفكير الإبداعي. وبالتالي يجب أن يتم مراقبة اللاعبين منذ الصغر واكتشاف مواهبهم الكروية وتحديد كل المؤشرات عن الموهبة والتركيز على الانتقاء الخاص بدنياً ومهارياً وفسيولوجياً ونفسياً إلى جانب المواصفات الجسمية الخاصة بلاعب كرة القدم، اللاعب يولد ولا يصنع، ويعمل المدربون جاهدين لصنع اللاعب ولا يمكنهم ذلك ما لم تتوافر فيه الموهبة وخصائص اللاعب، وبذلك يجب أن يكون اللاعب موهوباً أي يتصف بتلك المواصفات الخاصة بلاعبي كرة القدم، إن تحسن وتطور مستوى اللاعب أثناء التدريب لا يعني (صنع نجم)، فالتدريب عمليـة ترمي إلى تحسن المستوى من حسن إلى الأحسن وبتلك الفروق الفردية في القدرات المختلفة هي التي تحدد (ميلاد نجم) فهذا اللاعب يتحسن أداؤه ويتطور مستواه بنسبة كبيرة حسب إمكاناته الخاصة وهذه الإمكانات هي التي تحدد شكل النجم صاحب المستوى المتميز. فلاعب كرة القدم مثلا.. لا يمكن أن يكون بطلا في رمي المطرقة.. وبطل المصارعة لا يمكن أن يكون نجماً في كرة السلة.. فلكل لعبة أو فاعلية رياضية مواصفاتها وأبطالها، ولذلك فمن أهم عمليات التدريب المبكرة هي انتقاء اللاعبين وتوجيههم نحو فعالياتهم وألعابهم المناسبة بعد إجراء الاختبارات الخاصة والمقننة لذلك.. ويساعد في ذلك عمليات التنبؤ والتي احتلت أساساً من أسس اختيار الموهوبين وانتقائهم رياضياً. ولا يكفي اللاعب الموهوب أن يكون موهوباً بل يجب أن يتدرب على يدي مدرب أو مدربين بمواصفات خاصة لأن العمل مع لاعبين من أصحاب المستويات المتميزة منذ نعومة أظافرهم يحتاج إلى نوعية معينة من المدربين المؤهلين في مجال كرة القدم، فالمدرب المثقف والدارس والمتطور دائماً الذي يتابع أحدث ما توصلت إليه طرق التدريب الحديثة في كرة القدم ويقوم بتطوير خططها ونواحيها الفنية تكنيكياً وتكتيكياً، هذا إضافة إلى تمتعه بشخصية قيادية قوية، هو المدرب صاحب المواصفات التي تؤهله لصنع النجوم من هؤلاء الموهوبين، فتاريخ المدرب الرياضي ودرجة ثقافته ومستواه الأكاديمي واطلاعه هي من أهم العناصر التي تجيز له المرور إلى مهنة التدريب في هذا القطاع الحيوي من التدريب الرياضي. فإذا كان المدرب بصفة عامة يتطلب منه أن يكون مثقفاً ومؤهلاً، فالمدرب في مجال تدريب البراعم أو الناشئين أو الشباب من الموهوبين يجب أن يتمتع بمستويات متقدمة من الثقافة والتأهيل.. فهذه الصفات في هذا المجال يكون لها مردود إيجابي على تطوير المستوى بصفة عامة. إن دراسة اللاعبين الموهوبين دراسة نفسية من الأهمية بمكان بالنسبة لمدربيهم، فالمدرب الذي ينسى أو يتناسى إعداد لاعبيه نفسياً يفقد بذلك عنصراً مهما من عناصر إعدادهم.. فكم من لاعب دولي فشل في أداء مهمته وذلك لعـدم إعداده إعداداً نفسياً من قبل مدربه خلال السنة التدريبية. إن استعداد المدرب الذهني واطلاعه واحتكاكه بمدربين على مستويات متقدمة تجعل منه مدرباً ملما بأحدث ما وصل إليه تكنيك اللعبة، أو خطط اللعب هذا بجانب الدراسات المتقدمة التي يجب على المدرب حضورها دارساً مجتهداً حتى يستطيع الوقوف على أعلى درجات العلم والمعرفة في مجال تدريب كرة القدم لأنه أصبح علماً قائماً بذاته يحتاج إلى كثير من البذل والجهد للإلمام بكل خباياه وأسراره والمدرب الدارس المثقف المتعلم يسعى دوماً إلى التخطيط على مستوى عال، كل عمل يحتاج إلى تخطيط وكل مستوى تدريبي يحتاج أيضاً إلى تخطيط وتدريب الموهوبين على وجه الخصوص يحتاج لا شك إلى تخطيط على مستوى عال من التقنية وبذلك فالتخطيط في مجال التدريب الرياضي ما هو إلا إحدى الوسائل العلمية الاستراتيجية المهمة والمساعدة في وضع وتنسيق البرامج الخاصة بالعملية التدريبية للوصول إلى المستوى الرياضي المنشود بالنسبة للرعاية والعناية والاهتمام بالموهوبين، يحتاج إلى مستوى عال من التخطيط، وبذلك يعد التخطيط لبناء الموهوبين.. أولى الخطوات التنفيذية المهمة في بناء الهيكل التدريبي مع توجيه وتعديل مساره والذي يؤثر إيجابياً في مستوى الإنجاز الرياضي للموهوب بدنياً ومهارياً ونفسياً. ويبنى التخطيط على رعاية وخدمة مصالح جميع المشتركين في العملية التدريبية مع الالتزام بتدوين النتائج بحقائقها دون تحريف أو تغيير واشتراك جميع المعنيين في العمليـة التدريبية وأخذ آرائهم عند وضع الخطة التدريبية مع ملاحظة الابتعاد عن التخمين ما أمكن والاعتماد على التفكير العلمي السليم وألا يعتمد التخطيط على أسلوب واحد في التنفيذ، بل على أساليب مختلفة والتي تتشكل وتتكيف حسب الظروف الجديدة التي قد تفرض نفسـها على عملية التخطيط وفق العوامل الفنية التي تتمثل في البحث ودراسة مجتمع اللاعبين الموهوبين ومراعاة الفروق البينية ومراعاة حمل التدريب والتقويم والقياس والعوامل الإدارية التي تتمثل في دراسة الإمكانات، ووضوح الهدف والتنظيم في مجال التدريب بجانب القيادة في مجال التدريب. ومن هنا تنبع أهمية العناية بالمواهب منذ عمر مبكر في حياة لاعب كرة القدم لأن هذا العمر عند اللاعب هي المرحلة الأولى من مراحل حياته تبدأ من حين ممارسته كرة القدم من عمر خمس إلى سبع سنوات وتنتهي عند بلوغه سن الرشد, وفي هذه السن يكمل عقل الإنسان ويقوى جسمه وخلال هذه المرحلة من 5 إلى 15 سنة تعد من أهم المراحل في حياة اللاعب وأكثرها خطورة، فهي تتميز عن غيرها بصفات وخصائص واستعدادات، فهي أساس مراحل الحياة التالية وجذور لمَنابت التفتح الإنساني ففيها تتفتّق المواهب وتبرز المؤهلات وتنمو المدارك, وفيها تتجاوب قابلية اللاعب مع الحياة سلباً وإيجاباً وتتحدد ميوله واتجاهاته نحو النجاح أو الفشل وفيها تأخذ شخصيته في البناء والتكوين لتصبح مميزة عن غيرها من الشخصيات الأخرى، فطفولة الإنسان عامة كتاب أبيض مفتوح يسجل فيه كل ما يرد عليه من حوادث تعرض له وانطباعات ترتسم في مخيلته وذاكرته وهي أرض صالحة للاستنبات، فكل ما يغرس فيها من مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، وكل ما يبذر فيها من بذور الشر والفساد تؤتي أكله في مستقبل حياته، وفي هذه المرحلة يكتسب اللاعب من بيئته ومجتمعه ومحيطه العادات السارة والضارة، والأخلاق الكريمة أو الذميمة, والاتجاهات الصحيحة أو الفاسدة, فبجانب العمل الفني الذي يقوم به المدرب فهناك مسؤولية مهمة على الوالدين في هذه المرحلة وواجب من أكبر الواجبات التي تسهم في بناء شخص متكامل في أخلاقه وعقليته, إن الاهتمام بالموهبة هي تنشئة اللاعب وتعهده بالتنمية والإصلاح ليقوى جسمه ويصح جسده ويكتمل عقله وينمو تفكيره وليكون فرداً سعيداً في نفسه وعضواً نافعاً في المجتمع الذي يعيش فيه ورياضيا متكاملا، واللاعب إن كبر وأصبح لاعباً في ناد فهو إن لم يجد الرعاية الفنية الصحيحة فقد يصبح لاعباً فاشلاً لأن عناصر النجاح في تكويناته الجسمية والعقلية وتدريبه فكرياً وعلمياً وتثقيفه أدبياً واجتماعياً، ليكتسب منهما العادات الفاضلة وتغرس فيه جذور الأخلاق الكاملة سواء عن طريق القدوة الصالحة أو عن طريق التعليم والتلقين من مدربيه, أو عن طريق توجيه الوالدين الذي له كبير الأثر في صياغته وحسن تقويته كإنسان, فإن قاما بواجبهما نحوه بنيا فيه الرجولة وحب تحقيق الإنجاز. إن العناية بالموهوبين تقع مسؤوليتها على جهات عدة نستعرض جهة لها أهمية قصوى في عملية رعاية الموهوبين إلا وهي الإعلام لأن الإعلام يمكن أن يقوم بمهمة كبيرة ومهمة لأن اكتشاف الموهوبين وانتقاءهم لا بدَّ أن يشارك فيهما الإعلام، من خلال إيجاد برامج متعددة تلفزيونية أو إذاعية أو عبر الصحف إن الإعلام من شأنه أن يبتكر مثل هذه البرامج للتعرُّف على الموهوبين ورعايتهم، وأن يكون الإعلام رقيباً بين الموهوب وما بين الجهات التي ترعى، سواء شركات أو مؤسسات إعلامية أو جهات مال وأعمال. كما يجب أن تبدأ رعاية الموهوبين في كرة القدم من المدارس بأن تسهم المدرسة في اكتشاف وإعداد وانتقاء ورعاية الموهوبين رياضياً حتى لا نترك المهمة والمسؤولية لهيئات أو مؤسسات غير تربوية تسهم بوعي أو بغير وعي في توظيف كرة القدم في اتجاهات غير تربوية, على أساس أن تبنى أكاديميات ومدارس كرة القدم للموهوبين ورعايتهم رياضياً سيسهم في زيادة الاهتمام بالرياضة المدرسية بصورة يكفل نجاحها عما عليه الآن من اجتهادات تقليدية, ويعني أن يتم الاهتمام بالموهوبين حسب أعمارهم ومراحلهم السنية وأن تكون الرعاية في النواحي الدراسية والصحية والغذائية والنفسية وبالطبع الرياضية لأن رياضة كرة القدم تصقل شخصية اللاعبين وتزرع مبادئ الروح الرياضية في نفوسهم كما تنمي لديهم روح المحبة والتعارف إضافة إلى مساعدتهم على اكتساب مهارات جديدة تسهم في الارتقاء بشخصياتهم وإكسابهم صفات القيادة والعمل بروح الفريق وجعلهم عناصر فاعلة في المجتمع، ويتم إيجاد نظم وبرامج رياضية تحت إشراف المدربين المميزين واللاعبين المعتزلين أصحاب الموهبة والمعدين بدورات وتأهيل تخصصي ليقوموا بالتدريب والإشراف على البرامج والأنشطة وفق الأساليب العلمية الحديثة مع الاستفادة من بعض تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال. إن رعاية الموهوبين وبالذات في كرة القدم أصبح أمرا ضروريا وعلى الدولة والاتحادات المحلية والأندية الرياضية الاضطلاع بدورها ومسؤولياتها تجاه رعاية الموهبة إن أردنا المحافظة على المواهب التي تزخر بها بلاد العرب ورعاية هؤلاء الموهوبين لنستخلص منهم رياضيين مميزين يجب أن تبدأ هذه الرعاية في عمر مبكر، وتعد هذه من أهم المراحل الإنمائية التي يمر بها الإنسان، فهي تمثل نقطة البدء في النمو بمختلف مظاهره الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، كما أنها الأساس في بناء الشخصية وفي اكتساب المعارف والمهارات، وفي تكوين الميول والاتجاهات، ومن هنا يؤكد علماء النفس ضرورة العناية بمرحلة الطفولة وتهيئة البيئة المناسبة لإثارة دوافع الطفل وإبداعاته انطلاقاً من البيئة المنزلية ثم بيئة الروضة فالبيئة المدرسية، إذ إن هذه البيئات هي مصدر الإلهام الإبداعي للاعب وهي المسؤولة عن نموه وارتقائه أو إحباطه وفشله قد يكون ذلك بدءًا من خمس إلى ست سنوات، واليابان افتتحت مدارس لأطفال في عمر ثلاث سنوات بعد إجراء دراسات أثبتت أن الطفل في هذا العمر يستطيع استيعاب المهارات الأساسية لكرة القدم أكثر من الأطفال في الأعمار المتقدمة، وحينما يمارس اللاعبون كرة القدم وقد تجاوزوا السن المناسبة لبدء الممارسة الصحيحة للعبة يتعذر تكوين اللاعب بالشكل الذي يضمن تميزه واستمراره ويكون اللاعب قد تعلم بعض المهارات الخاطئة للعبة التي يمارسها ومن ثم يصعب تعديل تلك الأخطاء مما يسهم في انعدام الموهبة الرياضية. وهناك بالطبع أساليب وأدوات الكشف عن الموهوبين المبدعين وقد تتعدد الأساليب والأدوات المستخدمة في الكشف عن اللاعبين الموهوبين، وفي التعرف عليهم، وبعض هذه الأساليب والأدوات تقليدية معروفة منذ القدم وبعضها الآخر يُعد حديثا نسبيا. وتعتمد هذه الأساليب والأدوات على مقاييس معينة لتقدير الموهبة والحكم على الموهوب أو المبدع من قبل المدربين وتظهر المواهب عادة من خلال ممارسة الأنشطة والميل إلى الهوايات التي يظهرها اللاعبون سواء في المدرسة أو البيت أو النادي وغيرها عند ممارستهم مختلف الأنشطة الرياضية غير أن عملية الاكتشاف تلك تتطلب من القائمين عليها وخاصة المدربين ضرورة الإلمام بالموهبة أو العملية الإبداعية وعناصرها وطبيعتها، وهذا لا يتأتى إلا بالتدريب والتأهيل وفق برامج خاصة تؤهلهم للتعرف على المواهب واكتشافها ورصد مؤشراتها منذ سن مبكرة وكيفية العناية بها ورعايتها، حتى لا تطول تلك المواهب والإبداعات مظاهر الإحباط والتراجع والفشل إذا لم تلق العناية والتنمية اللازمة. إن مفهوم التنمية الإبداعية للموهوبين التي ينبغي أن تكون عملية مستمرة متواصلة تستند إلى خطة علمية واضحة المعالم ومحددة الأهداف، وهذا بالطبع لا يتأتى إلا بإقامة أكاديميات ومدارس رعاية الموهوبين تتبنى برامج تعليمية وتدريبية موجهة تعنى بتنمية مواهب المبدعين، وتقدم الاستشارات للأسر والمدارس التي تحتضن الموهوبين وتتعامل معهم وذلك بما يقدمه من خطط وبرامج تعليمية وتدريبية يستعين بها المعلمون والمدربون في التعامل مع هذه الفئة، وتتحدد على ضوء هذه العلاقة المهام والأدوار التي ينبغي أن تقوم بها كل من المدرسة والأسرة تجاه الموهوب بما يحقق نموه الإبداعي. إن أردنا أن نساير العالم ونعتلي منصات التتويج العالمية في مجال الساحرة المستديرة المجنونة، علينا أن نتعامل بعقلانية في طريقة الاهتمام والعناية ورعاية المواهب التي تزخر بها بلادنا العربية.
إنشرها