Author

ملكةُ الملوك..

|
* أهلا بكم في «مقتطفات الجمعة» رقم 385. *** * حافزُ الجمعة: تثبت السلطة شيئا واقعا وهو أنّ شهوةَ تملـُّكها والتمسك بها أقوى من أي شهوة أخرى.. أقوى من شهوة الشهرة والمال وكل المُتَع. وتثبت أمرا غريبا لاحظناه وشهدناه وهو أنها شهوة تزيغُ العقلَ عن مكانه فيُعمَى المنطق في أبسط عناصره. تجد متسلـِّطاً يقول إنه سئِم السلطة، وهو في عرشها، بل وسيورث ابنه ذات السأم(!) وتعجبُ؛ من دفعه لقبول ذلك له، ثم لولده؟ كلامٌ لا يدخل عقلَ طفلٍ يحبو. ومتسلط آخر يطلق على نفسه ملك ملوك إفريقيا يخاطب شعبَه الثائر مُطلقا عليهم في أحسن الحالات وصفين: الجرذان، والحشرات. فهل شهوة السلطة هي "ملكة ملوك" الشهوات؟! *** * قدوم الملك عبد الله لوطنِه وشعبه صار مثل ترقـّب عائلةٍ لأبيها الغائب.. فالمنطقة لم تعد كما كانت.. ولن تعود. ونحن نحتاج الملكَ عبد الله في هذا الوقت ليتولى قيادة السفينة في بحرٍ عاصف، وزلازل تفلق أرضاً كنا نظن أنها بصلابةِ الجرانيت فإذا هي تتهاوى هباء، وبعضها سبقها حماماتٌ من القهر والدم.. هنا نحتاج الملكَ ليطّلع على دخائل الأشياء في الإقليم المحيط، ويكشف عوراتِ الأنظمة الساقطة والتي ستسقط، حتى يعزز جبهتنا الداخلية ليس في المملكة وحسب، وليس في منطقة الخليج فقط، بل في العالم العربي أجمع.. ابتداء من الداخل. *** * يوم كان الحوارُ الشهيرُ في قمةٍ عربية بين الملك عبد الله والعقيد القذافي لم يظن الناسُ حينها وكأن الملكَ كان يقرأ خبايا العقيد الغرائبي التي ظهرت الآن بوضوح لون الدم، وبقوة صرخات القهر والتعذيب، وبعمق خيانته لبلده قبل خيانته لكامل الأمة وهو يُدخِل سفاحين مرتزقة ليذبحوا شعبه. لم نعرف أن وحشية القذافي الدموية ستصل إلى أن يرسل الطائرات لتسحق شعبه كما تُسْحَقُ برشاشات المبيد الحشراتُ.. لم يصل لدموية القذافي ولا واحدٌ من سفّاحي التاريخ، ولا "ستالين" الذي أهلك أربعين مليون روسيا، فستالين لم يرسل على شعبه قواصف المهاجمات الجوية.. فيا للوحش. الملك عبد الله كشف سلاخَ ليبيا في يومٍ لم يكتنه ويستشعرُ الناسُ كل شيء.. والآن انكشف كل شيء! *** * ولكن.. ما زالت الأرض غضبى، ما زالت صخورُ النار المصهورة تفور من تحت الأرض، ما زالت دواماتُ الشكاوى واليأس من الخدمات العامة تتصاعد في أفق المنطقة.. لم يجف الغضبُ بعد، ولم تنته الزلازلُ بعد، والحقيقة العلمية الجيولوجية تقول وبعد الزلزال تأتي توابعه.. وعلم الأرض يقول أيضا: إن بعضها بحجم المتبوع ذاته. *** * كل شيءٍ انكشف الآن أمام الساقطين، وانكشف أمام الباقين الذين يجب أن يستلهموها فرصة تاريخية لا تعوض لأن الدروسَ والعِبَرَ هذه المرة لم تأتِ من سجلات التاريخ، بل من شواهد الحاضر اللصيق. عرفت الأنظمة مطالبَ الناس، ومطالبُ الناس ليست مستعصية بل هي يجب ألا تكون مطالبَ أصلا وإنما من أصل حقوقهم.. وعجيبٌ ومستنكَرٌ ألا ينهض مسلوبُ الحقّ طلباً لحقّه، والأعجب ألا ينتبه لذلك من هو مسؤول عنه. والآن الجماهير عرفت الطريق، ولا هي طريق جميلة ولا ناعمة أبدا، بل فيها دمارٌ للاقتصاد، وخرابٌ لعمار الأمة، وفقدان لأغلى سائل في الدنيا: الدم. ولكن ها هو الواقع يقول إن الناس سيبذلون ذلك بعقل أو بفقدان لاتزان العقل والمنطق.. عندما ييأسون من نيل الحقوق الأساسية، الابتدائية الإنسانية، الحد الأدنى للعيش بكرامة إنسان لا يسحقها إنسانٌ آخر. *** * وفي قناة السعودية الثانية الناطقة بالإنجليزية يسألني المقدم الرائعُ عن سبب كارزمائية الملك عبد الله وقدوم ملك البحرين ومسؤولي الخليج في استقباله، وكان رأيي أن الكارزمائية أو الجمالية الشخصية هي شيء من مِنـَح السماء، ولو كانت تُكتـَسَبُ أو تُشتـَرى لتسابقنا لاقتنائها وشرائها. ولكن ما يعطي الجماليةَ صفة "المرجعية المحترمة" هو الحكمة والتبصر العقلي في أحلك الظروف، إني أعتقد أن الأشقاءَ الذين أتوا إنما جاؤوا ليتلمسوا نصيحةً وحلاّ، فعند المشاكل الكبرى من التلقائية البشرية أن يُلْتـَفت لأكثر الناس حكمة وبصيرة أملا في انتشالهم من كمائن الرمال المتحركة.. إنهم يريدون منه حبلَ الإنقاذ. هذا ما تعوّدوا منه، هذا ما عوّدهم عليه. *** * يعود الملكُ عبد الله بن عبد العزيز.. وسيصلح بإذن الله كثيرا، وسينصح كثيرا، وسيوجه كثيرا، وستكون أولى أولوياته: ملء حاجاتِ شعبه المحب. *** * أقوى صفات النجاح برأيي هي العزيمة والتصميم.. أن تسقط مائة مرة في سعيك لهدفك.. ثم تقوم وتقول: الآن إلى مائة وواحد! في أمان الله..
إنشرها