Author

مجرّدُ قصةٍ: القطةُ السمينة..

|
يـُحكى أنَّ.. امرأة كان عندها قطة. في البداية كانت القطة عبارة عن قُطيطةٍ صغيرة غائصة في الفرو الأبيض الناعم، ولها عينان جميلتان واسعتان احتلتا نصف وجهها بلون صفحة البحر، وتطل منهما كل البراءة الموجودة .. كانت ناعمة لعوب هافتة خاضعة وتلتصق بصاحبتها حُباً وتعلقا.. أحبتها المرأةُ كثيرا، بل أحبتها حباً فوق التصور. نعم يا كرام، كانت تحبها حبا فوق التصوّر، كما لم يُحب أحدٌ أحدا، وصل بها هذا الحبُّ أنها تتركها تشاركها في مخدعها. في كل صباح تحرص المرأةُ على تغذية القُطيطة الناعمة اللطيفة الرقيقة اللعوب بأفضل أنواع طعام القطيطات الصغار ومن أفخر أنواع الكبد، واللحم المفروم، وأضلع الخراف الصغيرة، وكميات من الحليب الطازج.. ولكن لا يكون ذلك إلا بعد أن تدخلها حماماً خاصاً بالقطيطة، وتضع على فروها أفضل أنواع الشامبو، ثم تفركها بقفاز ناعم حريري مخصص لأطيب أنواع الفرو ومكتوب عليه اسمها، لأن لديها صندوق حاجيات خاصا وممهورا عليها اسمها حتى لا يستولي عليه أحدٌ أبدا.. ثم ترشها بعطر زكيٍّ باريسي خاص، قبل أن تأخذها بتدليل فائق لوليمة الإفطار.. طبعا يا قارئون يا كرام، صارت القطة تكبر، وتنتفخ ويثور فروُها كل يوم متبخترة ومزهوة بنفسها أيما زهو، رافق الزهوَ غرورٌ وتبخترٌ وحركاتُ تعَالٍ واضحة مع بصق وصراخ عندما لا تحصل على ما تريد .. على أن المرأة استقبلتْ كل هذا على أنه أمر مُسلٍّ، وخفة دم من دلوعتها القطيطة، أعتذر يا كرام.. لم تعد قطيطة، بل قطة مكتملة كاملة الأبّهة. القطة صارت تكبر، وتكبر، وتكبر.. وتسمن، وتزداد سمنة كل يوم، وتزداد احتياجاتها، بل طلباتها ورغباتها ودلعها يوما وراء يوم.. والمرأة قائمة بكل إخلاص وتفانٍ على خدمتها رغم العبء الثقيل المتواصل، والقطة لا تشبع ولا ترضى وتصرخ وتمخش وتشاكس.. وتبصق. لم يعد الأمرُ عاديا أبدا؛ كأسُ الحليبِ اليومي تحول إلى ثلاث لتراتٍ كاملة، مع قطرات مضافة من مجموعة من الفيتامينات.. لم تعد وجبات الغداء والعشاء والوجبات الخفيفة صغيرة مقموطة، صارت فعلا كل وجبة كمية باذخة من الأكل، ولا تتعجبون يا كرام إن قلت لكم إنكم قد ترونها تلتهم بسرعة ربعَ فخذ عجل كامل.. قولوا ورائي: عليها بالعافِيَة! أوه.. كيف نسيت أن أقول لكم؟ يبدو أني خرِفتُ وأضعتُ مهاراتي كراوٍ للحكايات، نعم كانت القطة تكبر وتسمن وتتجبر وتأكل هبرَ اللحم.. بينما المرأةُ، صاحبتُها، لا يبقى لها إلا فتاتُ العظام.. حتى تحولت إلى هيكل طيْفي من جلد وعظم.. بينما تمددت القطة وانتفخت وسمنت وكادت أن تكون بحجم عِجْلٍ صغير! وجاء الوقت يا قارئون يا كرام إلى ما أسميه طبيعيا. نعم، طبيعيٌ جدا.. صارت القطةُ هي الآمرة الناهية والمتصرفة، لا حكمَ إلا حكمها ولا رأيَ إلا رأيها، وبما أنها لا ترى إلا نفسَها ـ من عظم حجمِها وانتفاخ فروهاـ فكل القرارات منها إليها.. فصار اللحمُ يزيد، والحليبُ يفيض.. والمرأة تذوي.. تذوي.. تذوي. ثم تتذكرون المخدعَ.. قررتْ القطةُ أن يكون السريرُ لها وحدها، فاضطرت المرأة المسكينة إلى أن تنام مفترشة الأرض.. جاء فصلُ المطر.. الأرض هابطة، السرير وثير مرتفع، غرقت المرأة.. بقيت القطة! .. مجردُ قصة.
إنشرها