default Author

«أوبك» أضعف من منظمات المواد الأولية الأخرى (22)

|
تم في مقال الأسبوع الماضي سرد ثلاث من صفات الكارتل ومقارنة ''أوبك'' بها وبتصرفات المنظمات الأخرى، وسيتم اليوم سرد باقي الصفات. وهنا لا بد من ذكر حقيقة مفادها أن قوة الكارتل تقاس بمدى استقرار سعر السلعة التي يسيطر عليها الكارتل، وليس بمدى ارتفاع السعر. 4- وجود نظام قانوني يمكن المنظمة من السيطرة على قرارات الإنتاج في الدول الأعضاء من شروط الكارتل أن تكون سلطة الكارتل أعلى من سلطة الدول الأعضاء فيما يتعلق بقرارات الإنتاج والتصدير والتخزين وكل ما يتعلق بالسلعة التي يسيطر عليها الكارتل. فإذا نظرنا إلى المنظمات المختلفة مثل القصدير والقهوة والبوكسايت، نجد أن إدارة الكارتل تستطيع أن تأمر دولة من الدول الأعضاء أو الدول كلها بتخفيض الإنتاج أو رفعه، وعلى هذه الدول الامتثال أو التعرض لعقوبات شديدة. شركة دي بيرز كانت توقع عقودا صارمة طويلة المدى تجبر فيها الدول الأعضاء في الكارتل على إمدادها بجزء من مبيعاتها سنويا. لاحظوا هنا كلمة ''جزء'', لأن هذا يعني أنه إذا انخفض الطلب على الألماس في العالم فإن ''دي بيرز''، من خلال العقود التي تركز على ''جزء من المبيعات''، تستطيع إجبار الدول الأعضاء على تخفيض إنتاجها بنسبة الانخفاض نفسها في الطلب، الأمر الذي يمكنها من الحفاظ على الأسعار التي ترغب فيها الشركة. لكن إذا نظرنا إلى ''أوبك''، نجد أنه ليس لها أي سلطة على الدول الأعضاء على الإطلاق، ونجد أن حكومات هذه الدول هي التي تتحكم في إنتاج النفط، وأن دستور بعض هذه الدول يؤكد سيادة هذه الدول على مواردها النفطية. 5- وجود نظام للمخزون يمكن المنظمة من تخزين المادة الأولية واستخدام هذا المخزون لتخفيض الأسعار إذا رأت ذلك، إضافة إلى وجود رصيد نقدي يمكّن المنظمة من شراء المادة الأولية من السوق وتخزينها بهدف رفع الأسعار، كما يمكّنها من تعويض الدول الأعضاء التي تخفض إنتاجها للحفاظ على الأسعار. وعادة ما يقوم الكارتل بتحديد سعر أدنى لسلعته، ثم يقوم بالدفاع عن هذا السعر. فإذا انخفض سعر السوق عن السعر الذي يرغب فيه الكارتل، يقوم الكارتل باستخدام جزء من المخزون النقدي الذي لديه لشراء السلعة من السوق وتخزينها، كما يقوم بتعويض الدول الأعضاء التي تخفض إنتاجها. وإذا ارتفعت الأسعار فوق السعر الذي يحدده الكارتل بشكل يهدد الطلب على السلعة، فإن الكارتل يقوم ببيع كميات كبيرة من المخزون لتخفيض الأسعار. ولعل أفضل الأمثلة على ذلك هو مجلس القصدير الدولي الذي تدخل في السوق للدفاع عن السعر الأدنى 30 مرة خلال 20 عاما، ونجح في الدفاع عن السعر الأدنى 29 مرة، وفشل مرة واحدة. ويرى الخبراء أن هذه المرة الوحيدة نتجت عن ظروف تاريخية خاصة، لذلك لا يعتد بها. وتشير البيانات إلى أن أسعار القصدير كانت مستقرة طوال فترة وجود الكارتل. كما تشير البيانات إلى أن منظمة القهوة العالمية وغيرها مثل منظمات السكر والنحاس والبوكسايت والكوكا كلها دافعت عن السعر الأدنى, وذلك عن طريق الشراء المباشر من السوق والتخزين. هذه الصفة لا تنطبق على ''أوبك''. ففي الـ 15 سنة الأولى كانت الشركات الأجنبية تسيطر على أسواق النفط، وكانت تستخدم ما يسمى السعر المعلن الذي كان يستخدم لدفع الضرائب والريوع، لكنه لم يمثل السعر في السوق. وعندما حاولت ''أوبك'' التحكم في السعر في السبعينيات فشلت، الأمر الذي اضطرها إلى الوصول إلى قناعة مفادها أن عليها تبني حصص إنتاجية كي تتمكن من التحكم في السعر. وعندما تبنت الحصص الإنتاجية في الثمانينيات، انهارت أسواق النفط وفشلت ''أوبك'' في التحكم في الأسعار. ومنذ التسعينيات حتى الآن نجد أن أسعار ''أوبك'' مربوطة بطريقة أو بأخرى بأسعار الخام القياسية في البورصات العالمية. وإذا نظرنا إلى أسعار النفط العالمية خلال 100 سنة الماضية، نجد أن أسعار النفط أكثر تذبذبا في السنوات الـ 30 الأخيرة، وهي الفترة التي انحسر فيها نجم الشركات العالمية وبزغ فيها نجم ''أوبك''، الأمر الذي يعني أن ''أوبك'' فشلت في الحفاظ على استقرار أسعار النفط. لكن البعض يرى أن وجود طاقة إنتاجية فائضة يعادل المخزون في المنظمات الأخرى، وأن قيام ''أوبك'' بتخفيض الإنتاج وزيادته يماثل تدخل هذه المنظمات في الأسواق, لكن يرد على ذلك بأن المخزون والأموال التي تستخدم لشراء السلعة من السوق كانت تحت سيطرة هذه المنظمات، ولم تكن تحت سيطرة الدول الأعضاء كما هي الحال في ''أوبك''. فالطاقة الإنتاجية الفائضة وتوقيت استخدامها يخضع للدول التي تملكها، وليس لـ ''أوبك'' أي سيطرة عليها. لهذا يمكن القول إن عبء استقرار أسواق النفط يقع على عواتق بعض دول ''أوبك''، وليس على ''أوبك''. والأمثلة على ذلك كثيرة, أهمها ما حدث عام 1992 عندما قررت كل دول ''أوبك'' ما عدا السعودية تخفيض الإنتاج، بينما رأت السعودية عكس ذلك، وكان لديها الطاقة الإنتاجية الفائضة لتفرض وجهة نظرها على ''أوبك'' وأسواق النفط العالمية. وإذا عدنا إلى 1973 نجد أن 90 من التخفيض في إنتاج ''أوبك'' جاء من ثلاث دول هي: السعودية, الكويت, وليبيا. حتى في السنوات الأخيرة، نجد أن أغلبية التخفيض جاءت من دول معينة. 6- تمتع الكارتل بحصة سوقية كبيرة تمكنه من السيطرة على الأسعار. حصة ''أوبك'' السوقية هي الأصغر في العالم مقارنة بالحصة السوقية لكل منظمات السلع الأولية التي شهدها العالم خلال 120 سنة الماضية, فمنظمة القهوة العالمية سيطرت على نحو 90 في المائة من سوق القهوة في العالم، وسيطر كارتل القصدير عند تأسيسه على 90 في المائة من سوق القصدير العالمي. حتى عندما انخفضت حصته مع الزمن انخفضت إلى 73 في المائة. أما كارتل البوكسايت فقد سيطر على 73 من أسواق البوكسايت العالمية. وإذا نظرنا إلى ''أوبك'' نجد أنها تسيطر حاليا على نحو 40 في المائة إلى 43 في المائة، وأعلى نسبة وصلت إليها حصة ''أوبك'' في السوق كانت عام 1974, حيث وصلت هذه النسبة إلى نحو 55 في المائة. لكن حتى هذه النسبة لا يعتد بها, لأن الشركات العالمية كانت لا تزال تسيطر على منابع النفط في بعض دول ''أوبك''. خلاصة القول إن الصفات الأساسية للكارتل لا تنطبق على ''أوبك''، وإن هناك منظمات أخرى للمواد الأولية أقرب إلى الكارتل من ''أوبك''، وأقوى من ''أوبك'' بكثير. المحزن في الأمر أن مئات الكتب وآلاف المقالات تتهم ''أوبك'' بأنها كارتل وتتجاهل المنظمات الأخرى. وسيتم في المقال القادم التركيز على الفروق بين ''أوبك'' والأخوات السبع وهيئة سكة حديد تكساس.
إنشرها