Author

إلغاء الكفالة الخاصة متطلب للسعودة

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
كان قطاع التجزئة موضع اهتمام جريدة ''الاقتصادية'' خلال الأيام الماضية. غير السعوديين يهيمنون على القطاع بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهناك قناعة بأن هذا القطاع مخزن وظائف معطل. لا يمكننا أن نحارب البطالة وأن نوطن الوظائف وفي الوقت نفسه نتعامى عن الميزات النسبية لتوظيف غير السعوديين. وهذه الميزات تختصر في مسمى واحد ''انخفاض التكلفة''. ولنظام الكفالة الخاص دور أساسي في وجود هذه الميزة. أزعم أن كل الاستبانات والمسوحات الموجهة لرجال الأعمال خرجت بنتيجة: اليد العاملة المستقدمة (بفتح الميم الثانية) أقل تكلفة من اليد السعودية. وهذا هو السبب الأول في استقدامها. من المهم جدا وضوح معنى تكلفة العمل. البعض يحصر تكلفة العمل بالمستحقات كالراتب وتذاكر السفر والتأمين الصحي ورسوم الإقامة ... إلخ، وهذا فهم ناقص. لا يمكن الحديث عن التكلفة بمعزل عن الحديث عن الإنتاجية، لأنها تقيس منفعة صاحب العمل من دفع الراتب أو تحمل التكلفة، أو العائد الصافي الذي يتوقع أن يحصل عليه صاحب العمل. وإجمالا، تؤثر في التكلفة عوامل كثيرة خلاف الرواتب والمستحقات المباشرة فتؤثر مثلا ساعات العمل الفعلية ومدى الاستفادة من تدريب الموظف ومدى استمراريته في العمل والعمل ضمن ظروف صعبة وحجم أخطاء العمل وجودة الأداء ومدى الالتزام والانضباط ... إلخ، كما تؤثر فيه عوامل تصنعها السياسات والأنظمة، حيث يمكنها أن تجعل العائد من توظيف غير السعودي أعلى أو أقل. والمقام لا يتسع لمزيد شرح. ما دور نظام الكفالة الخاص في خفض تكلفة الوافد؟ لا شك أن نظام الإقامة يفرض تبعات وواجبات وقيودا على الوافد، تجعل توظيفه مغريا أكثر من توظيف السعودي إذا تساوت الكفاءة والقدرة عند التوظيف. وبعبارة ثانية، تكلفة الوافد أقل (عادة) على صاحب العمل، في حال تساوي القدرات والمهارات. ولولا ذلك لما رأينا قوة الطلب على الاستقدام. وكلما تدنى مستوى الوافد مهنيا وقلت مهاراته، انخفضت تكلفته مقارنة بالسعودي. طبعا هذه هي الصورة العامة، وليس بالضرورة أنها تنطبق على كل فرد وكل حالة. وبالمناسبة، ليس هناك نظام رسمي اسمه نظام الكفيل ولكنها تسمية عرفية، فهمت (كما أرى) من نظام الإقامة. نعرف أن هناك كفالة أفراد وكفالة مؤسسات. أما الأول فقد صدر عنه حديث كثير خلاصته أن هناك نية لإنشاء شركات موحدة للاستقدام، بحيث تلغى كفالة الأفراد. ماذا بشأن كفالة المؤسسات؟ سئل وزير العمل المهندس عادل فقيه قبل أيام عن إلغاء نظام الكفيل، فأجاب بأنه ليس هناك في الوقت الحاضر أي نية لإحداث أي تغيرات جذرية في هذا المجال، حيث إن هذا الموضوع له أبعاد متعددة، والوزارة لم تتخذ فيه أي قرار، كما أن هناك دراسات للأسلوب الأمثل في التعامل مع نظام رخص العمل المؤقتة ... إلخ، كلام الوزير، كما نشر في بعض وسائل الإعلام. ويبدو لي أن الوزير يقصد كفالة المؤسسات. كفالة المؤسسات ساهمت في جلب عمالة متدنية المهارة. وقد بينت دراسات أن هذا التدني تسبب في انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي. وتثبت التحليلات الاقتصادية وجود علاقة تأثير طردية بين مستوى مهارات القوى العاملة ونمو الاقتصاد وتطوره. حفزت فكرة الكفالة على التوسع في الاستقدام منذ طفرة السبعينيات. استشرى الاعتماد على الغير، وتطرفنا في الكسل وتكيفت أساليب الحياة متأثرة بالظروف التي ساهم في جلبها نظام الإقامة، كتأخر إغلاق المحال إلى ساعة متأخرة من الليل. ونمت ممارسات التستر والتوسع في الاستقدام والتكسب الريعي. الجميع يعرف أن نظام الكفالة يحفز على استقدام عمالة تعمل شكلا عند صاحب العمل، ولكنها حقيقة تعمل عند الغير. من المتعذر تقريبا الالتزام بألا يعمل الوافد إلا حسب النظام (القائم)، حيث قد لا يتفق ذلك مع الحاجة والظروف وتفاوت المؤسسات والشركات في النمو والتطور، خلاف أن لدى الناس ألف طريقة وطريقة للتحايل على القانون. وقد كتبت في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 مقالة عنوانها ''مكافحة التستر: نظام لا يمكن تطبيقه''. يظن البعض أن المطالبة بإلغاء نظام الكفالة الخاصة من صنع منظمات حقوق الإنسان، أو تبرره هذه الحقوق فقط. والأمر ليس كذلك، بل هناك سبب آخر لا يقل أهمية: توظيف المواطنين. لقد أخضعت الظروف التي يصنعها نظام الكفالة للتحليل الاقتصادي، والذي بين أنه ضد توطين الوظائف. التحليل الاقتصادي لسوق العمل يبين أنه يجب أن يرتكز توطين الوظائف في القطاع الخاص (وخاصة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة) على حلول هيكلية طويلة الأمد ترتكز على نظام أجور يستند في المقام الأول إلى السوق market-based wage system. وهذا يعني حرية الانتقال من عمل إلى عمل المسماة في تحليل اقتصاد العمل labor mobility. وهذه عناوين مقترحات في إصلاح الوضع تجمع بين نظام يستند إلى السوق وانضباطه بالحد من الاستقدام: • تحديد سقف أو عدد كلي للتأشيرات الممنوحة سنويا. • تأشيرات محددة مسبقا في مدة البقاء والعمل، مع منح إقامة دائمة للبعض ضمن ضوابط واشتراطات. • حرية الانتقال لعمل آخر labor mobility للوافد بعد سنتين (مثلا) من عمله عند صاحب العمل الأول، ومن ثم يحق للمؤسسات والشركات أن توظف من السوق المحلية. • الاستقدام عن طريق هيئة مسؤولة عن الاستقدام وشؤون الوافدين، تمثل القطاعين العام والخاص، ويوقف إعطاء تأشيرات مباشرة للمؤسسات والشركات. • تقليل التأشيرات الجديدة للعمالة المتدنية المهارة. من المؤكد أن تطبيق الترتيبات السابقة يتطلب مناقشات تفصيلية واسعة جدا، ويتطلب تدرجا في التطبيق، يمتد إلى سنوات طويلة، وليبدأ بأصحاب المؤهلات العليا وذوي الخبرات العالية. ومن جهة أخرى، من المؤكد أن العمل بها سيرفع مستوى الأجور في المملكة، وسيزيد نسبة مساهمتها في الناتج المحلي، وهو أمر مطلوب. وستصحب التطبيق آثار جانبية وتكاليف على المدى المتوسط، ولكن كما يقول المثل ''مكره أخاك لا بطل''. علينا الاختيار بين اثنين: تحمل هذه التكاليف والمضار على المدى المتوسط أو بطالة عالية باستمرار. وبالله التوفيق،،،
إنشرها