Author

أعضاءُ الشورى: أثرهم وشحليلهم!

|
* أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 378. *** * حافزُ الجمعة: كلُّ مسئولٍ حوله هالة من سَمْتِ الوظيفة، كلُّ مشهورٍ حوله هالة من بريق الشهرة .. حين تلتقيه وجهاً لوجه تعرف أنه مجردُ إنسان، يحبّ كما تحب، يكره كما تكره، يضحك كما تضحك، يبكي كما تبكي، لكنه حينها يكون أقربُ لك .. وأقرب إلى نفسِه! *** * مساء الأحد الماضي أقام فريق أبناء وبنات الرياض ورشة عمل في "منتدى أمطار"، وكانت كل ورشة عبارة عن طاولة بستة كراسي، قرر الشبابُ أن يدير كل طاولة عضوٌ من أعضاء الشورى، يقدم كل شابٍ في كل طاولة مشروعا ليتناقش مع الجميع. لم يتردد أعضاء الشورى، بصفتهم الشخصية، بترك ارتباطاتهم والتفرغ للشباب، وهم السادة الدكاترة: إبراهيم آل جوير، طلال بكري، وخالد العودة، وعوض الردّادي، ونوّاف الفغم، وراشد الكثيري، ومازن خياط، وطلال الميمان، والمحامي الدكتور يحيى الصمعان، وشارك الإخوان جمال الزامل ومفيد النويصر في طاولة التخطيط والإعلام. وكان أحد الشباب يقول لي: "أحقـّا جاءوا من أجلنا أم مجاملة؟" قلتُ: "سنرى!" وجاء الجوابُ حاسما بعد أن انتهت مدة الساعة المخصصة للنقاش في الجولة الأولى لتناول الطعام، ولم يوافق مديرو الطاولات وأرادوا بقوة وحماس تمديدا، ولم ننزعهم من كراسيهم إلا بعد لأي .. والتفتُ إلى الشاب الذي سأل، وقال مقاطعا قبل أن أتكلم: "نعم حُسِمَ الأمرُ، جاءوا من أجلنا". وأضفتُ: "وتمتعوا بكل لحظة معكم". *** * في رأيي أن أعضاء الشورى الذين شاركوا الشبابَ ورش العمل وأسهموا في تقييم أعمالهم وتنقيحها، وتحفيز تفكيرهم صنعوا تاريخا، قد يكون صغيرا، وما لكم من بحر التاريخ الواسع إلا قطرات بعد قطرات. كان الشبابُ، حول ما يقال وينشر في المنتديات ومقالات الصحف عن الشورى وأعضائه، تمكـّنتْ بعقولهم صوَرٌ أغلبيتها لم تكن إيجابية، فمن يأخذ المعلومة غير من يلتحم مع واقعها. رأى الشبابُ الرجالَ الكبار بلباسهم العادي، وبشخصياتهم العادية، ومشاركتهم واقعهم، وكانوا يقولون: "رغم ثقتنا بالشباب إلا أنهم عقولٌ فاجأتنا أكثر مما كان تصورنا، وسُعِدنا أكبر مما كان عليه توقعنا". والشباب ألطفُ ما قاله أحدهم من "الخرج"، وبلهجته: "أثرهم وشحليلهم!". *** * قصَدَ الأعضاءُ المشاركون التفاعلَ مع الشباب كمواطنين فقط، ويعرف أهل الصناعة والاقتصاد أن بعض النواتج الفرعية غير المقصودة أثناء الإجراء تكون بأهمية المنتج الرئيس نفسه، فقد تغيرت صورة المجلس بسببهم دراماتيكيا أمام أعين الفتية ـــ وهم يمثلون آلافَ الفتيان والفتيات ـــ وسيسهمون من غير قرش واحد، أو نقطة جهد واحدة من إعلام المجلس، في نفخ الغبار عن جدارٍ صقيلٍ للشورى بنفوذهم الإعلامي البيني الهائل .. أو هذا ما نرجوه. *** * شخصية الأسبوع: هذه السيدة الشاعرة والأديبة لم تضع حرفاً واحدا فيه رائحة كيروسين. لم تصغ يوما جملة من الممكن أن تتطاير كقصف النابالم، ولم تقتنص معركةَ نقاشٍ حامية في الأمّة وتدخل وسط لـُجـّتها. هي عقلٌ من العقول تُسمى عقلياتُ عاملي الإطفاء. عندما تدخل الدكتورة "ثريا بنت إبراهيم العريض" في أمرٍ جدلي فلكي ترشّ عليه فكرا تفاؤليا موشى بعبقرية من خام عطور عَرَيّضية لا تنبت أزهارُها إلا في وادي عبقر، سكنه قبلها المفكرُ البحريني الفخمُ أبوها: الشاعر إبراهيم العريض. لا ترى في مقالات الدكتورة ثريا استجداءً للقراء أو للكتاب بأن يقفوا مع معسكر ما، فهي متحررة أصلا من المعسكرات. إنها بفكر طائرٍ يرى الأمورَ أوضح من فوق، فيصفها، ويرى عن بعدٍ نتائجها فيُحذر منها، وهذا الطير لا يطلق نعيقَ تحذير، ولكن مواصلة التغريد في مقامه الموسيقي ذاته وإن تنوعت الكلمات .. مقدرةٌ مشتقةٌ من لطائفِ الطبيعة وراء فكر ثريا العريض وربما من جُبلـّة طبيعتِها، فهي تمد إليك زهرة عندما تشكرك، وترشقك بزهرةٍ إن عاتبتك. هي مدرَسة لم تُعلن عن نفسِها، لذا يكثر حولها المعجبون، ولا نرى واضحا من تتلمذَ عليها.. ربما لأن الناسَ، بعضهم، أدمن السيرَ على الشوك. *** * كاتبة الأسبوع: وصلتني قصصٌ تماهلتُ، أعترفُ، في قراءتها، ولما قرأت ما كتبته "هيفاء بنت محمد الفريح" محاضرة الأدب في جامعة الإمام في الرياض، أدهشني العصرُ الإيجازي في السرد، والعمق في التصوير المشهدي، وإسقاطه عاطفيا. للتوّ قلت لنفسي: عثرت على من تفوق "فرجينيا وولف" الإنجليز في إسباغها العاطفي المفاجئ. اخترت قصة قصيرة بعنوان "أبحثُ فيكم عن أبي": "انعرج بيَ السائقُ مضطرًا إلى زقاق يتفّرع من الشارع العام لانسداد الطريق بـالحفريات. لفتت انتباهي تلك (الدّكة) المزهوّةَ بأربعةِ شيوخٍ، لهم لحى مسبلات مغسولة بالـُّلجَيـْن .. كان السائقُ يحاول جهدَهُ الخلاصَ من هذا المكان الضيّق، سألته أن يتوقف، وفتحتُ النافذة لأغوص في تجاعيد وجوههم دون حاجز التظليل. ثمّة أشياءٍ جميلةٍ تحوم في (دكتهم) ُتحَسّ، لكن لا ُترى ولا ُيدرك كنهُها. أصبح المرورُ على هذه الحارة عادة ملازمة لمشواري اليومي كلما عدتُ من الجامعة. في المرة السابعة من وقوفي المتكرّر بمحاذاة (الدّكة)؛ نهض شيخٌ نحيلٌ مستندًا إلى عصا صفراء برأس معقوف، وتقدّم بخطواتٍ وئيدةٍ جهة سيارتي، وقف أمام نافذتي المفتوحة وأرسل سؤالاً معجونًا برائحة الأراك المنبعثة من فيه: "تبحثين عن أحد يا بنتي؟". فاجأني سؤالـُه، وغرس في صدري شجيراتِ صبار، لما وخزني شوكها قلتُ له: ــــ يا عم، أفتش فيكم عن وجهِ أبي!" في أمان الله..
إنشرها