Author

حول مفهوم «الأمانة».. والأمانة في العمل

|
"الأمانة"، مفهوم يتضمن الكثير من الواجبات العظام، أعلاها: التمسك بالدين، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ)، ثم، الأمانة في تبليغ الدين، وكان– صلى الله عليه وسلم: "أمين من في السماء" (البخاري)، والعلماء أمناء على استمرار التبليغ، "لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ" (البخاري)، والأمانة، عامة في جميع الأمانات الواجبة، لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، وهي في سائر النِعَم التي أنعم الله بها على عباده، من عافية ورزق وولد.. ولا تنتهي القائمة! والأمانة، ابتلاء، يُجزى عليها الإنسان خيراً أو يُعاقب، ويدل أيضاً على عِظمها قوله- صلى الله عليه وسلم: "فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ" (البخاري)، هذه الأمانة ضُيِّعَتْ على مرِّ العصور، وفي الواقع المُعاش نجد تضييعاً لها أكبر، وندرة في تأديتها! حيث استفحلت الخيانة، التي هي ضد الأمانة، والتي تعتبر من كبائر الذنوب، قال تعالى: (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ)، وقال– صلى الله عليه وسلم: "لا تخن من خانك" (الترمذي)، وقال: "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ" (أحمد)، لا بل، "الأمانة نزلتْ في جَذرِ قلوبِ الرجال" (مسلم) فتميّزت الفطرة الإنسانية بها، لترتقي بالعقل وتصقل الشخصية، تحقيقاً للنظام الكوني كما سَنَه الخالق. وإذا عرجنا على مفهوم: "الأمانة في العمل"، متجاوزين الدخول في الجزئيات المُربِكة، كاستعمال أدوات العمل للمصلحة الخاصة، أو عدم الالتزام بالدوام دون الشعور بأي تأنيب ذاتي، أو معاملة الزملاء بالهوى، أو تعميق الهوة مع الرئيس نكاية ونكداً.. ولنا أن نزيد هنا ما نشاء! إذا تجاوزنا هذه الأمور التي تعتبر خيانة، وسألنا أنفسنا، إن كنَّا أسوياء الفطرة، أسئلة من مثل: هل نحن راضون عن أنفسنا، مطمئنون في مواقع عملنا؟ هل نشعر ببركةٍ تجعل من بيوتنا جِنانا؟ هل نشعر برضا يلفنا في سائر حياتنا المادية والروحية والعقلية؟ أم نعاني الاضطراب، وبيوتنا عورات، وأفلاذ أكبادنا يعانون الضياع، أو الأمراض، أو التأخر في الدراسة؟ هل نعاني شظف العيش مع وفرة المورد، أو نعاني سوء الأخلاق، وقلة الفَهم، وبطء التقدم في العمل؟ ونستطيع أن نزيد هنا ما نشاء ودون تحفظ! لنجد الجواب في "الأمانة"! هل أدَّيناها؟ فلمعرفة حالنا ومآلنا، علينا أن ندقِّق فيما يحصل بدواخلنا تجاه الأمانة التي كُلفنا بها، هل حفظناها فحفظتنا أم ضيعناها فضعنا؟! لماذا صاحب العمل حرٌ في أن يستوفي ولا يُوفي، والمدير حرٌ في العدل أو المحاباة، والموظف حرٌ في تأدية الأمانة أو الخيانة؟! لماذا لا يؤدي كل طرف الأمانة التي اؤتمن عليها، فتتحقق الفطرة السوية، وتعم البركة، وأشدد هنا على "البركة"، فيتحقق النجاح، ويتحقق الرضا لكلا الطرفين؟ حتى لا يكون أحدنا ممن قال عنهم الرسول – صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ منَّا" (مسلم) فلنتصور أن الشيطان دفع "زيد" للانتقام من رئيسه أو زميله، أو غرَّه هوى فأفشى أسرار الشركة التي يعمل فيها، فيكون هنا قد ضيع نفسه بتضييعه للأمانة، فيُرفع "لزيد" يوم القيامة لواء الغدر (ابن حبان)، ثم إن تبعات تضييع الأمانة، خزي في الدنيا وندامة في الآخرة. إنها دعوة إلى الحرص على تأدية الأمانة.. ولنا العبرة في ذاك الرجل من بني إسرائيل، الذي استسلف آخر من قومه ألف دينار، قال: ائتني بالشهداء، فقال: كفى بالله شهيداً، قال: ائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً، قال: صدقت! فدفعها إليه، فخرج الرجل في البحر فقضى تجارته، ثم التمس مركباً ليقدم على من أسلفه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركباً، فأخذ خشبة ونقرها ووضع فيها المال ورسالة منه، ثم زجج موضعها ورماها في البحر، وقال: اللهم إني أستودعكها وانصرف، فخرج الذي كان أسلفه إلى البحر فوجد الخشبة فأخذها ليجد فيها ماله فأخذه، ثم حضر الذي تسلف المال ومعه ألف دينار أخرى، فقال الذي أسلفه: قد أدى الله عنك الذي بعثت في الخشبة! فلنحاول، دائماً، أن نكون من الساعين لترسيخ عبودية الأمانة بدواخلنا وفيمن حولنا، وأن نؤدي "الأَمَانَاتِ إِلَى أَهلِهَا"، فنكن من الطائعين المباركين في الدنيا، والفائزين في الآخرة.
إنشرها