Author

معرض تراث المملكة المخطوط: تاريخنا الوطني في متناول الجميع

|
وضع الأمير سلمان بن عبد العزيز بوعيه بالقيمة العلمية والتاريخية للتراث الوطني، ومنذ وقت مبكر، الأطر العامة لحفظ ذلك التراث ورعايته والعناية به من التلف أو الفقد والإهمال .. عندما بادر ـــ يحفظه الله ـــ بحشد كل الطاقات لتأسيس دارة الملك عبد العزيز، التي يرأس سموه الكريم مجلس إدارتها، إيمانا منه بضرورة "مأسسة" هذا العمل الثقافي الكبير، لصيانة تراث هذه البلاد وتاريخها من الضياع .. وخاصة أنه يتناول تلك المرحلة التاريخية التي كان فيها التدوين يقوم بشكل كبير على المجهود الفردي، ما يجعله عُرضة للغياب بغياب المهتمين به. وأخذت الدارة على عاتقها هذه المسؤولية بدعم الأمير سلمان، عندما باشرت في التوثيق عبر جميع مناطق المملكة لتنجز بتلك الخطوة عملا ثقافيا قلّ نظيره، واضعة نصب عينيها أن حفظ تلك المخطوطات وصيانتها بالطرق العلمية الحديثة حتى وإن بقيت في أيدي أصحابها، إنما هو جزء من رسالة وطنية كبرى يجب أن يضطلع بها الجميع. ونتيجة للجهد المتميز الذي قدمت به الدارة نفسها للثقافة الوطنية عبر أمينها العام وجميع مسؤوليها، وما أنجزته في سياق حفظ تراثنا الوطني منذ الدولة السعودية الأولى، والذي تجسد بجميع أشكاله وصوره من خلال مقتنيات الدارة ومتاحفها وإصداراتها .. التي باتت ملء السمع والبصر، تأسست لدى الكثير من المواطنين القناعة الكافية للتفاعل مع برامج الدارة ونشاطاتها، فبادر عديد منهم لوقف مخطوطاتهم على الدارة، ليدشن الأمير سلمان مطلع هذا الأسبوع معرض تراث المملكة المخطوط، والذي يستمر لمدة شهر ونصف الشهر بدعم من شركة أرامكو السعودية ووزارة التعليم العالي، التي أسهمت بإنشاء مركز متميز للتاريخ الرقمي سيخدم تلك المخطوطات التي ستكون أحد أهم عناصره. وكرّم الأمير سلمان الواقفين وسلمهم إفادات الوقف في احتفالية كبيرة أقامتها الدارة بمناسبة افتتاح المعرض. والأمير سلمان الرجل المعني دائما بالثقافة والتاريخ والذي يقف دائما خلف إنجازات الدارة التي أصبحت معلما ثقافيا وحضاريا مهما من معالمنا الوطنية، يعي تماما أن حفظ التراث المخطوط .. إنما هو جزءٌ لا يتجزأ من ذاكرة الوطن، وضمير الأمة في تاريخها الطويل، ويدرك بوعيه النبيل أن هذا التاريخ بقدر ما يجسد صورة الوطن في نضال رجالاته من أجل الوحدة، فهو يجسد أيضا العمق الثقافي لهذه البلاد حتى في تلك المراحل التي لم تتوافر فيها أدوات التدوين بشكل كاف، ليضع من خلال لملمة شتات تلك المخطوطات المادة الخام لقراءة تاريخ هذا الوطن منذ أن كان مجرد صحار قاحلة يتمرغ في أفيائها السراب والغبار، وإلى أن أصبح إحدى قمم العشرين الاقتصادية على مستوى العالم. لذلك كان من الطبيعي ونتيجة لهذا الاهتمام الفريد من سموه الكريم، أن تتجاوز الدارة عمرها الزمني القصير لتنجز كل هذه الخطوات الرائعة التي حفظت للوطن واحدة من أهم ثرواته الثقافية. ولعل المساهمة الفاعلة والكبيرة التي قدمتها شركة أرامكو للدارة، ترجمة لرؤية جلالة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن ـــ طيب الله ثراه ـــ بأن تضطلع الشركة بدور تنموي وفكري واجتماعي .. وفق ما جاء في كلمة المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية في هذه المناسبة .. تكشف عن وعي القيادات السعودية المبكر بأهمية العناية بالتراث المخطوط، لتجذير الصورة الثقافية لهذا الوطن الكبير منذ بدايات نشأته، ليضع الباحثين أمام ثروة فكرية وثقافية وعلمية تؤصل لتاريخ البلاد خطوة خطوة. وهذا ما سيجعل من هذا المعرض تظاهرة ثقافية متميزة تضاف إلى رصيد المملكة المعرفي، والذي يحفل كل يوم ـــ ولله الحمد ـــ بالمزيد من النقلات النوعية التي يرعاها هؤلاء الرجال الذين نذروا أنفسهم لخدمة الثقافة الوطنية وتأريخها وحفظها من عبث العابثين.
إنشرها