Author

جنوب السودان من الشراكة إلى الانفصال

|
يجرى في جنوب السودان حدث تاريخي بالنسبة للعالم الثالث وهو الاستفتاء على الوحدة أو الانفصال في جنوب السودان. وقد تحدث الرئيس البشير في جوبا عاصمة الجنوب يوم الرابع من كانون الثاني (يناير) قبل الاستفتاء بخمسة أيام مع قيادات الجنوب، مؤكدا أنه مع خيار أهل الجنوب وأن المهم ليس انفصال الجنوب إنما يأمل أن يؤدي الانفصال إلى تعزيز السلام والوئام بين الشمال والجنوب، وأكد أن حكومته ستساند الدولة الوليدة إذا تقرر وجودها. ومن الواضح أن انفصال السودان قد تقرر ليس فقط كمطلب منذ عام 1947 ثم تكرر عام 1955 قبيل الاستقلال، ولكنه مطلب تأكد بقيام الحركة الشعبية لتحرير السودان وبداية الصراع المسلح مع الحكومة عام 1983 وانتهى الأمر باتفاق نيفاشا الذي فسر تفسيرات ثلاثة: التفسير الأول، أن الحكومة قد عجزت عن حسم المعركة وإخضاع الجنوب وأن الشعب السوداني كله قد عانى آثار هذه الحرب وأن هذا الاتفاق هو إقرار بهذا الواقع أو أن الحكومة عهدت إلى السلام الاتفاقي بعد أن عجزت عن فرض السلام من طرفها. التفسير الثاني، هو أن الحكومة قد أدركت أن التمرد وأنصاره أكبر من أن يتم احتواؤهم، وبذلك قررت التحول إلى شراكة الحكم وطمأنة الجنوب بضمانات أهمها التسليم بالحق في تقرير المصير لعل ذلك يقنع الجنوبيين ويرضيهم للبقاء في السودان الواحد. أما التفسير الثالث، فهو أن الحكومة بسبب كل ما حدث اعتقدت أن الفترة الانتقالية وهي ست سنوات ستكون كافية لشعور الجنوبيين بثمار السلام والشراكة في الثروة والسلطة، وأنها تمني النفس بأن ما تراه رأي العين من تجهيز الانفصال ليس سوى كوابيس أحلام اليقظة. وبالفعل فإن موقف الحكومة السودانية يعكس هذه الحالة. ولكن من المحقق أن الجبهة الشعبية قامت على أساس حكم السودان كله كحد أقصى أو حكم الجنوب أو فصله كحد أدنى. صحيح أن انفصال الجنوب حتى لو تم بالرضا مقرر وأنه قرار النخبة السياسية في الجنوب ولا علاقة لهذا القرار بعملية الاستفتاء، ولكن الأخطر من الانفصال هو أنه سينهي شهر العسل بين الشمال والجنوب فيصبح الجنوب بؤرة للتآمر ليس فقط على الشمال وإنما على وحدة الوطن السوداني، وسيكون قاعدة لإسرائيل تهدد منها العالم العربي، كما تهدد الأمن القومي المصري الاستراتيجي والمائي، أي أن السلام مقابل الانفصال الذي يمني الرئيس البشير نفسه به لن يتحقق. ويبقى السؤال: إذا كان السودان وفى ضوء الضغوط الدولية عليه سيعترف بانفصال الجنوب، فما هو الموقف العربي؟ إذا رفض العالم العربي الاعتراف بدولة جنوب السودان ورغم اعتراف الخرطوم بها فإنه سيبدو الموقف حرجا مع الولايات المتحدة التي خططت وسعت لفصل الجنوب. إذا اعترف العالم العربي بالجنوب رغم علمه بأنه إضافة إلى قوة إسرائيل فإنه بذلك يسهل للجنوب ولإسرائيل العمل ضد المصالح العربية. وفى كل الأحوال، على العالم العربي أن يفكر جيدا وأن يستعد لتداعيات هذا الحدث الخطير وأن أولى محطاته أكراد العراق وأن يتساءل لماذا اندفعت واشنطن إلى تمزيق السودان والعراق بدعوى حق تقرير المصير، بينما تساند إسرائيل على إنكار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه؟
إنشرها