Author

هل ينسحب الأمريكيون من العراق هذا العام؟

|
أثناء التنافس للوصول إلى البيت الأبيض، قاد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما حملته الانتخابية على قاعدة معالجة الآثار التي تركتها الممارسات الكارثية لسلفه الرئيس بوش، والتي استهدفت في المقام الأول بلداننا العربية. وكانت قائمة الوعود بتصحيح الأخطاء، قد شملت ضمن ما شملته، الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، وتركه للعراقيين ليقرروا ما يشاؤون تجاه مستقبلهم. في أعقاب استلامه سدة الرئاسة، حدد الرئيس أوباما جدولا زمنيا لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، يكتمل مع نهاية هذا العام. وجاء ذلك متسقا مع محاولة إعادة الاعتبار لسمعة الولايات المتحدة، التي تأثرت كثيرا، بخروقاتها للقانون الدولي وشرعة الأمم، باحتلالها العراق، وخروجها على القواعد المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة فيما يتعلق بالتعامل مع البلدان المحتلة. وأهم هذه القواعد بقاء اللوائح والقوانين والهياكل والمناهج الدراسية، التي سادت قبل الاحتلال دون تغيير. لقد احتل الأمريكيون بغداد، وأطاحوا بنظام الحكم فيها، وجرى تدمير منهجي للدولة الوطنية العراقية، وألغيت القوانين واللوائح المعمول بها من قبل، وتم التعامل مع الأسرى العراقيين، كمجرمي حرب، وفككت جميع هياكل الدولة، وسمح للغوغاء بنهب المتاحف والجامعات والاستيلاء على المؤسسات الحكومية. وتمت صياغة دستور، يؤمّن تفتيت العراق، حتى بعد مغادرة الاحتلال، على أساس القسمة بين الطوائف والإثنيات. والأسوأ بالنسبة لسمعة الأمريكيين، إن احتلال العراق، جاء في مرحلة أضحى فيها الاستعمار التقليدي شيئا من الماضي، وبعد أن غدت مبادئ الاستقلال والسيادة وحق تقرير المصير، من المسلمات البديهية في القانون الدولي وشرعة الأمم. لقد اعتبر الاحتلال، من وجهة نظر معظم دول العالم، خروجا صريحا على المؤسسات والقرارات الدولية، وقطيعة مع منجزات الجنس البشري، التي عبر عنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق عصبة الأمم، وخرقا للقانون الدولي؛ لذلك شكلت مقاومته تعبيرا عن تماه أصيل مع روح العصر، وانسجاما مع حق الشعوب في الكفاح لنيل الحرية، ودفاعا مشروعا عن الاستقلال والسيادة. والأنكى من ذلك كله، أن من خططوا ونفذوا جريمة الاحتلال، لم يتورعوا عن التباهي بما ارتكبوه من جرائم في أرض السواد. وقد جاءت مذكراتهم، لتفصح عن الكثير. وفي مقدمة من أدلوا بدلوهم في هذا السياق، رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير والرئيس الأمريكي، جورج بوش، وقبلهما قائد العمليات العسكرية، تومي فرانكس، والمندوب السامي، وبول بريمر، لتكشف، دون خشية من محاسبة قانونية أو أخلاقية أو سياسية، عما تسببت فيه الحرب من مآس وكوارث بحق العراقيين، وعن النفاق السياسي الدولي، الذي يقول شيئا، ويمارس أشياء أخرى، وبشكل خاص ما يتعلق بالتنسيق المشترك بين الأمريكيين والإيرانيين، في تدمير العراق، وتسليم سلطته لقوى طائفية، مسكونة بكيدية الانتقام والثأر من التاريخ. خلال سنوات الاحتلال عانى العراقيون من عذابات الجوع والخوف والتشريد، والقتل على الهوية، وانتهاك الحقوق والالتزامات القانونية والأخلاقية، وبقيت أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية التي ورثها الاحتلال ماثلة أمامهم حتى يومنا هذا. فالعراق البلد الثري، الذي يعد في مقدمة دول العالم، من حيث امتلاكه أكبر احتياطي نفطي، بعد السعودية، والذي يخترقه من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق، نهران عظيمان هما دجلة والفرات، يعاني من شحة وانحسار بكل ما لديه. وقد وضعته التقارير الدولية في قائمة الدول الأكثر فقرا وتخلفا وفسادا. الآن، وبعد أن اقترب موعد انسحاب القوات العسكرية، وفقا للجدول الزمني الذي أعلنته إدارة باراك أوباما، والذي ينتهي بنهاية هذا العام، وبعد أن استكملت القوات التي شاركت في الاحتلال انسحابها الكامل من أرض العراق، تحول التوجه الأمريكي، إلى إيجاد بدائل عن الوجود العسكري، تضمن استمرار الاحتلال بصيغ مخادعة تبدو أكثر قبولا بالنسبة للمجتمع الدولي. وقد بدأت المؤشرات تفصح عن ذلك، بعد تكليف نائب الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن بالملف العراقي. وجوزيف بايدن هذا هو الشخص الذي قاد حملة في الكونجرس الأمريكي؛ للتصويت على قرار بتقسيم العراق. وقد صدر القرار المذكور، بصيغة غير ملزمة. وهو أيضا الصديق الأكثر إخلاصا للكيان الغاصب، في طاقم الرئيس أوباما. وتكشفت لاحقا أكثر، بعد زيارته للعراق، ولقاءاته بالمسؤولين، وبجملة من التصريحات التي أطلقها حول التزام الإدارة الأمريكية، بمتابعة تحقيق الأمن والاستقرار في العراق، حتى بعد اكتمال انسحابها العسكري منه، وفقا لما هو معلن. في مقاله الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، أدلى بايدن بتفصيلات أكثر عن الخطط الأمريكية الجديدة الخاصة بالتعامل مع الملف العراقي. ورسم الخطوط العامة لاستراتيجية تضمن استمرار الاحتلال بمسميات جديدة، من خلال الدعوة إلى استمرار التزام الولايات المتحدة في العراق. أشار بايدن أيضا، إلى أن العراق لا يزال يواجه تحديات كبيرة على طريق تحقيق الأمن والازدهار. وأن الولايات المتحدة ستستمر في لعب دور رئيس في العراق. إن ما سيتغير، هو طبيعة الدور، حيث ينتقل من الطابع العسكري إلى الطابع المدني". وأشاد في هذا السياق، بالكونجرس الأمريكي، الذي لبى طلبات الإدارة الأمريكية، لتضمين المبالغ المطلوبة لدعم الالتزام في العراق، ضمن الميزانية، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بلاده. وأوضح بايدن، أن الحضور الأمريكي بالعراق، سيتضمن وجودا دبلوماسيا موسعا وخطة لتحديث القوات الأمنية العراقية وتمويل برنامج تدريب للشرطة". وتأتي مقالة بايدن، في وضع تتناقض فيه التصريحات بين المسؤولين العراقيين والأمريكيين، عن كيفية تعاطي الإدارة الأمريكية مع موضوع الانسحاب العسكري الرسمي، وتغيير الطبيعة العسكرية للاحتلال، بين بقاء أعداد معينة واستثمار بقاء قواعد عسكرية ثابتة، وبين التحول إلى النوع الجديد الذي تُفصّل الآن فصوله وصفحاته. وفي كل الأحوال، لا ينتظر العراقيون تغير الكثير من واقعهم اليومي؛ فالاحتلال باق جوهرا، ولن يغير من الوضع تغيير التسميات والمظاهر. والأخطر من ذلك بكثير، أن ذلك يتزامن من المضي قدما في رسم الخرائط الجديدة للمنطقة، ومع تصريحات للسيد مسعود البرزاني، يتحدث فيها عن حق تقرير المصير للأكراد، بما يعني ضمنا انفصال الشمال عن المركز. والنتيجة أن احتلال الأمريكيين للعراق، سيستمر، سواء تم الانسحاب كاملا أو تذرع ببقاء أعداد معينة منه، وسواء تغيرت الأسماء أو بقيت كما هي.
إنشرها