Author

تحديات مستقبل الطاقة

|
لعل أهم ما سوف يُشغل بال المجتمع الدولي ويُهدد انتعاش ونمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2011 وما بعده، هو مستقبل إمدادات الطاقة الرخيصة التي لا تزال تعتمد اعتماداً كلياًّ على المصادر النفطية، وهي الآن تقترب من الوصول إلى ذروة الإنتاج إذا استمر اتجاه الانتعاش الاقتصادي العالمي على مساره الحالي. وقد تكون السنون المقبلة، بداية من عام 2011 كلها أعوام ترقُّب لما سيكون عليه وضع الطاقة خوفاً من حدوث شح مفاجئ لمصادر الطاقة التقليدية قبل أن تتمكن الدول الصناعية الكبرى، على وجه الخصوص، من تأمين ما يُغطيِّ حاجتها من البدائل المتجددة. وقد تنبأت وكالة الطاقة الدولية، وهي الجهة شبه الرسمية المسؤولة عن تقرير حالة إمدادات الطاقة، بأن تكون زيادة الطلب على النفط الخام والمشتقات النفطية خلال عام 2011 في حدود 2.3 مليون برميل في اليوم، وهي نسبة كبيرة إذا قورنت بمعدلات الزيادة خلال السنوات القريبة الماضية، ومعدل مجموع الطلب العالمي سيبلغ 88.5 مليون برميل في اليوم. ومن المتوقع أن يبلغ الطلب في نهاية هذا العام في حدود 87.3 مليون. وعلى الرغم من وجود فائض إنتاج غير مُسْتَغل الآن لدى بعض دول الأوبك، إلا أن هذا الفائض إذا استُخدِم عند ارتفاع الطلب كإضافة للإنتاج المعلن عنه اليوم فلن يدوم طويلاً قبل أن يختفي تأثيره في الأسواق العالمية، ربما خلال مدة لا تتجاوز السنة الواحدة. فلا هناك ما يُغيِّر الحقيقة الماثلة أمامنا، وهي أننا على أبواب بداية نقص لا مفر منه في إمدادات الطاقة على المستوى العالمي. ومما يجعل الأمر أكثر خطورة هو الاعتماد الكلي منذ ما يزيد على القرن على النفط كمصدر للطاقة لتسيير جميع شؤون حياتنا الصناعية والزراعية والمعيشية. وقد استغلت الدول الصناعية المتقدمة تدني أسعار النفط منذ أن ظهر إلى الوجود أسوأ استغلال لمصالحهم الخاصة. وبفضل تقدمهم العلمي وإمكانياتهم الهائلة وهيمنتهم السياسية خلال وقت الاكتشافات الكبيرة لمنابع النفط في الشرق الأوسط، استطاعوا التحكم بالأسعار وإخضاعها تحت سيطرتهم، عندما كانت الشركات الغربية الكبرى تتولى عمليات الإنتاج والتسويق. ولم يكن مُستغرباً لدى الجميع أن يُباع برميل النفط في كثير من الفترات بحفنة من الدولارات. وحتى في يومنا هذا، وبرميل النفط يُباع بما يُقارب 80 دولاراً، وهو ما يُشار إليه بأنه سعر ''عادل''، لا يُمثل القيمة الحقيقية للنفط إذا قورن مع أسعار مواد كثيرة ليس لها الأهمية نفسها. وقد أصبح الانخفاض الفاحش لسعر مصادر الطاقة خلال العقود الماضية السمة المميزة لعصر النفط، حيث إن ذلك قد أسهم إلى حد كبير في تسارع النمو الهائل للاقتصاد العالمي، دون أن يكون هناك أي اهتمام يُذكر من قِبل المستهلكين لإيجاد بديل مناسب يقوم بالتدريج مقام النفط الذي يعلم الجميع أنه لن يدوم وجوده إلى ما لا نهاية. وأشد ما نخشاه، هو أن يُصاب الاقتصاد العالمي بصدمة عنيفة وشلل مزمن عندما يشعر العالم بأن الإنتاج النفطي قد وصل إلى قمة عطائه وهم لا يزالون يطلبون المزيد. فأغلب الدول الصناعية ذات الاستهلاك الكبير للطاقة، وعلى الأخص الدول الغربية، لاهية بشؤون ديونها الضخمة ومشاكلها الاقتصادية الآنية، تاركة الأمور المستقبلية المهمة لوقتها، وهو ما سيُضاعف من أزماتهم المالية التي يُعانونها اليوم. ومما لا شك فيه أن هناك الآن بوادر تحركات دولية وإقليمية ومحلية جادة للبحث عن أنسب البدائل المتوافرة لمصادر جديدة لتوليد الطاقة. وبدأ في الآونة الأخيرة الحديث عن إمكانية قبول عدة مصادر، منها التوسع في بناء مرافق إضافية للطاقة الذرية واستخدام الوقود الحيوي وما تبقى من احتياطي الفحم الحجري والنفط الرملي والطاقة المتولدة من الرياح. ولكن لكل من تلك المصادر محدوديته التي لا تجعل منه مصدراً كافياً يُعتمد عليه كبديل للنفط. ولعل الكل يُدرك اليوم أن مصادر توليد الطاقة الشمسية النظيفة هي الأفضل بين الاختيارات الأخرى، نظراً لتوفرها ودوامها وصدورها من معين لا ينضب وبساطة بناء منشآتها وسهولة تشغيلها. وعلى الرغم من بطء التحرك العالمي نحو استغلال هذه الثروة الهائلة، فإنه من المتوقع أن يشهد العالم خلال وقت قصير ثورة غير مسبوقة تجعل من صناعة الطاقة الشمسية مصدراً مهماً لتسيير عجلة التقدم الاقتصادي، قد لا تقل عن النشاط والتقدم التكنولوجي الذي صاحب نمو الصناعة المعلوماتية خلال العقود القليلة الماضية، كما تنبأ بذلك أحد المتخصصين في بلادنا، ونحن نتفق مع رؤيته. ولكن الذي لا إشكال فيه هو أن البدء في تحول مصادر الطاقة من المشتقات النفطية التي اعتاد العالم عليها وأسس لها البنية التحتية الواسعة التي تُناسب استخدامها، إلى نوع آخر من المصادر التي تختلف طبيعتها عن النفط، كالطاقة الشمسية، سيُسبب إرباكا للحياة بوجه عام ولصناعة وسائل النقل بوجه خاص. أما تأثير تقلص الإمدادات النفطية المتوقع حدوثه في غضون سنوات على معايير النمو الاقتصاد العالمي وعلى دخل الحكومات التي اعتادت تحصيل ضرائب كبيرة على النفط المُستَورد فسوف يكون ضربة قوية لدخلها القومي وهزت عنيفة لاقتصادها.
إنشرها