Author

صناديق التحوط وصعود نخبة جديدة

|
مستشار اقتصادي
يعتبر هذا الكتاب من أفضل ما كتب عن صناديق التحوط، وقام الكاتب ببحث مضن وبعشرات المقابلات المباشرة والمسجلة مع أغلب مديري صناديق التحوط والمؤثرين أمثال جورج سورس وجوليان روبرتسون وآخرين. يتابع الكاتب تاريخ نشأة هذا النوع الغامض والسري في عالم الاستثمار - الغامض والسري بحكم سعة دائرته وتخطيه التقاليد والأعراف الاستثمارية وحقيقة أنه كان ولا يزال بعيداً عن مظلة السلطات الرقابية. صناديق التحوط أحد سبل الاستثمار الكبيرة وغير التقليدية، فهي في الدائرة العليا للنظام الرأسمالي وتجذب شخصيات طموحة وغير قادرة على القبول بالسلم التقليدي في إدارة المصارف وبيوت المال. فهذه الصناديق في الأساس تحاول استغلال الفرص الاستثمارية من خلال المراهنة على الفراغات والفضاءات الناجمة عن عدم كفاءة وفعالية أسواق الأسهم والعملات والسندات والسلع. وبما أن هذه الصناديق تعتمد على الرافعة المالية (القروض الكبيرة) فإنها عالية المخاطر وأحياناً سريعة الحركة. هذه المخاطر وسرعة الحركة دفعت بهذه الصناديق إلى الواجهة الرقابية في الدول المتقدمة أثناء الأزمة الحالية والصاعدة والجدل العاطفي في الدول النامية أثناء أزمة نمور آسيا في نهاية التسعينيات. يسلسل الكاتب تاريخ تطور صناديق التحوط من الطبيعة الموضوعية لنشأتها وأساليب الاستثمار فيها إلى أقطاب هذه النخبة، وأخيراً يحاول أن يقيم أداءها المالي والمؤسساتي في النظام المالي. يسلسل كل مرحلة استثمارية في باب خاص يشرح معالمها وروادها، ويتتبع أداء هذه الصناديق والظروف الاقتصادية والمالية التي تسببت في نجاحها أو إخفاقها. مراجعة الكتاب يذكر الكاتب أن تاريخ هذه الصناديق بدأ تقريباً بمحض الصدفة بواسطة ألفرد جونز، حينما أحدث ثورة في إدارة الأموال في عام 1949 حين أسس أول صندوق تحوط. إلى ذلك الحين كانت إدارة الأموال لا تتعدى الحفاظ عليها. جونز كان رجلا غير تقليدي، فلم يبد رغبة في إدارة الأموال إلا وعمره 49 سنة، وبعد عدة أعمال خارج أمريكا إلى أن انتهى به الأمر كمراسل لمجلة فورشن بعد دراسة علم الاجتماع. في آذار (مارس) 1949 كتب مقاله ناقداً طريقة التنبؤ بحركة الأسهم. وقتها كان التقليد أن المحلل يتابع حركة النقل البحري لمعرفة الحركة التجارية وأسعار السلع وأرقام اقتصادية أخرى لعله يستقرئ المستقبل حول أسعار الأسهم. وصل جونز إلى أن حركة الأسهم تصبح قابلة للتنبؤ بناء على قراءة نفسيات المستثمرين أكثر منها على الأساسيات. بعد أن فشل في تأمين مالي كاف له ولعائلته. وفي نهاية الأربعينيات من عمره قرر أن يبدأ أول صندوق تحوط حين استثمر 40 ألف دولار وجمع 60 ألف دولار من أربعة أصدقاء عام 1949. نجاحه كان مذهلاً حيث كان العائد 5000 في المائة من 1949 إلى 1968. من استثمر معه, عشرة آلاف دولار في 1949 أصبحت 480 ألفا في عام 1968. بعدها بدأت صناديق التحوط بالتكاثر تدريجياً. وله نجاح غير مالي، حيث لا تزال الآلية وصيغة العلاقة بين المؤسسين المديرين والعملاء على النمط نفسه الذي أخذ به. فالمدير يحصل على 2 في المائة رسوم إدارة و20 في المائة من الأرباح. تلت ذلك فترة عنيفة في الاقتصاد الأمريكي على إثر حرب فيتنام والتضخم، ما سبب خسائر بلغت ثلثي رأسمال أكبر 28 صندوق تحوط. ولكن في هذه الظروف الصعبة في عام 1968 يبدأ ستاينهرت مع ثلاثة أصدقاء بإنشاء صندوق جديد من خلال قراءة توجه عام جديد. لم يكن شخصا عاديا فقد قُبل في جامعة بنسلفانيا عندما كان عمره 16 وتخرج وعمره 19 سنة. كما هي العادة في هذه الصناديق استطاع ستاينهرت وشركاؤه قراءة التوجهات الجديدة حيث كانت سوق الأسهم يسيطر عليها الأفراد حتى نهاية الستينيات، ثم بدأت المؤسسات تكون مصدر حركة التداول الأهم، فبدأ الصندوق الجديد بالتوسط لبيع صفقات كبيرة وأخذ هامش ربح وأحيانا أخذ مراكز مالية في هذه الصفقات، خاصة أن القانون والقدرة الرقابية كانت محدودة في المتاجرة بالمعلومات الداخلية في تلك الفترة. تلي ذلك حقبة ما يسمى Rocket Scientist كناية عن التوظيف العميق لعلم الرياضيات خاصة بعد بروز أجهزة الحاسب العملاقة. رافقت تلك الفترة دراسة أكاديمية موثقة تدل على أن الأسواق لا تتحرك بناء على المعطيات والمدخلات الأساسية، وأن الأغلبية من مديري المحافظ لم يستطيعوا إضافة عائد أفضل من المؤشر. لذلك قامت صناديق تحوط بالمراهنة على الهوامش البسيطة آلياً بعد اشتقاق نماذج خاصة للمتاجرة بين الأسواق والأدوات المالية. كان أحد أبطال هذه الحقبة بول ساميلسون الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد ولكن النجاح يذهب إلى جونز آخر (لا علاقة له مع جونز الأول) من خلال شركة كمودتي كوربوريشن Commodity Corp. فقد كان فنياً بحتاً وأمضى ساعات في دراسة توجهات الأسعار ورسومها البيانية. أحد مصادر الإبداع في إدارة صناديق التحوط هي المرونة في تغيير الاستراتيجية، وهذا ما حدث فعلاً مع الشركة لاحقاً، إذ تغيرت بقيادة متاجر آخر هو كوفنرو إلى العملات وما سمي لاحقاًcarry trade ، فكان يراهن كوفنر على أن العملة الأكثر فائدة سوف تجذب المستثمرين، وبالتالي سوف ترتفع مقابل العملة الأقل فائدة، أصبحت هذه الآلية معروفة بعد أن تبعه آخرون، لذلك بدأ توجهاً آخر في صناديق التحوط. وكانت صناديق التحوط على وعد مع عام 1949 حين بدأ في لندن شاب لاجئ هنجاري بدراسة الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد. في ظروف صعبة عمل غسل الصحون في المطاعم وبيع المجوهرات في السوق السوداء وقرأ الكثير من أمهات الكتب. لم ينجح جورج سورس كثيرا في لندن فتوجه إلى نيويورك في عام 1956، وعمل في التحليل المالي إلى أن أسس صندوق تحوط في عام 1969 للمتاجرة في الأسهم وبمبلغ أربعة ملايين دولار. كان سورس ذا نزعة فلسفية وناقداً لعلم الاقتصاد، ما جره إلى ''اكتشاف'' طريقة فريدة للمتاجرة. يمكن اختصار إبداعه حيث يقول إن الربحية تدور ليس حول معرفة الأساسيات ولا حتى نفسية المشاركين في توجه الأسعار بل في هذا التجاذب بينهما حتى تصل الثقة بين المشاركين (البائعين والمستثمرين) إلى مرحلة عدم الثقة، وبالتالي يأتي الوقت المناسب للخروج من المركز المالي. استخدم سورس هذه النظرية حتى في المتاجرات الكبيرة لاحقاً على العملات التي نجح من خلالها في جمع ثروات هائلة ولكنها لم تنجح كل مرة. كان أشهر نجاح حينما استطاع إرغام الحكومة البريطانية على التخلي عن حماية الجنيه الاسترليني وربح فيها نحو مليار دولار، ولكنه تبعها بِرَهَانٍ على الين الياباني وخسر نحو 650 مليون دولار. بقي مؤمناً حتى الآن بنظريته حتى إنه كتب كتاباً يصف العملية ولكنها لم تلاق الكثير من النجاح في الأواسط المالية والاقتصادية المهنية أو الأكاديمية. بعد هذه الخسائر الموجعة وتفرغه للأعمال الخيرية استطاع توظيف دركنملر للقيام بإدارة الصندوق الذي بدوره ترك بعد عدة سنوات ليتفرغ لإدارة صندوق خاص به، إلا أن العمل به أوقف في عام 2010 على إثر تصاعد استحقاقات الأزمة المالية العالمية. ولكن سورس عاد إلى الواجهة مرة أخرى وكأنه لم يعلن التوبة. فبعد انهيار سوق السندات في عام 1993 بدأ دركنملر وسورس مناقشة الحجم المناسب لصندوقهم (Quantum Fund) نظراً لصعوبة إدارة صندوق كبير وتأثير ذلك في المرونة وبالتالي العائد. ولكن دورات الاقتصاد والمال لا تنتهي وبالتالي الفرص. فعلى إثر حلحلة مشكلة المكسيك سأل أحدهم السيد ستانلي فشر الرجل الثاني في صندوق النقد الدولي هل يرى مكسيكاً آخر؟ فأشار إلى عدم التوازن في الاقتصاديات الآسيوية. سريعاً أرسل أحد أعضاء فريق سورس ودرنكنملر إلى تايلند في كانون الثاني (يناير) 1997 لتقصي الحقائق هناك. أثناء حديث هذا الموفد السيد فراق مع أحد كبار موظفي البنك المركزي الذي اعترف بأنه من الصعوبة الحفاظ على تثبيت سعر صرف البات مقابل الدولار. وكأنه أباح بسر غالي الثمن. فبدأ سورس ودرنكملر بشراء البات (اقتراضه) وبيعه مقابل الدولار إلى 3.5 مليار دولار مقابل البات. تدخل البنك المركزي التايلاندي وارتفع البات 10 في المائة. واضطر سورس إلى تقليص رهانه إلى ثلاثة مليارات دولار، ولكن لم يستطع البنك التايلاندي الصمود نظراً لتآكل الرصيد، وسرعان ما استسلم وانخفض البات نحو 32 في المائة مقابل الدولار، وربح سورس ودرنكملر 750 مليون دولار وصندوق آخر يدار من قبل جوليان رووبنستون نحو 300 مليون دولار. حاول مرة أخرى مع الوون الكوري والروبية الإندونيسية والرنقت الماليزية بنجاح أقل. في ركن آخر وبعد أن امتص السوق انهيار سوق السندات بدأ صندوق جديد اسمه Long term Capital Management LTCM في عام 1994 كفكرة مروذر الموظف السابق في .Solomon Bros بدأ فريق من سلمون برثرذ من بينهم روبرت ميرون وما يرون شولز – علماء رياضيات توصلوا إلى إيجاد معادلة تسعير الاختيارات (Option pricing) وفازوا بجائزة نوبل في الاقتصاد لعام 1997. وكان مروذر من الرواد في المراهنة على الهندسة المالية، حيث الحاجة إلى معرفة العلاقات الرياضية بين السندات لتسعيرها ومعرفة درجة الانحراف عن السعر الحقيقي. معرفة درجة الانحراف تمكنه من شراء الأقل وبيع الأعلى في الوقت نفسه مراهناً على العودة عن الانحراف تدريجياً حينما يكتشف السوق الانحراف. السر كان في معرفة نمط العلاقات الرياضية بين هذه السندات. وبدأ هذا التكنيك وكأنه دون مخاطر خاصة في ظل استعداد البنوك للإقراض بأسعار منخفضة وبضمان السندات. في أول سنتين ربحت شركة LTCM نحو 1.6 مليار دولار منها 600 مليون دولار من المراهنة على سوق السندات الإيطالية. ولكن الأرباح بدأت في الانخفاض في النصف الأول من عام 1997. الركيزة المهمة في استراتيجية مروذر أنه لا يأخذ مركزا ماليا بل يراهن على تبادل القيم في الأوراق المالية Arbitrage وهذا ما بدأ يعمله في سوق الأسهم بعد السندات؛ فهو لا يهتم بالتوجه بقدر أنماط العلاقات والقيم بين هذه الأدوات المالية. ولكن عدم حساب المخاطر وأهمية السيولة جعلا الشركة عرضة إلى هزات عنيفة بسبب تغيرات هيكلية في أنماط العلاقة بين هذه الأسواق والأدوات المالية. الهزة الرئيسة أتت من أزمة نمور آسيا، ففي أيار (مايو) 1998 وبعد فشل برامج صندوق النقد الدولي IMF في إندونيسيا وسقوط نظام سوهارتو امتدت الأزمة إلى اليابان حتى وصلت الصدمة في آب (أغسطس) 1998 حينما أعلنت روسيا عن توقفها عن خدمة الدين - بمثابة إعلان إفلاس، وإعلان صندوق تحوط إفلاسه وبدأت الشائعات حول Lehman Bros. وفي الشهر نفسه أعلنت LTCM عن خسارة 550 مليون دولار تعادل 15 في المائة من رأسمالها. وبدأت مراكزها في شك وبدأ المقرضون في طلب ضمانات أكثر. أخذ مروذر بخطوات غير مسبوقة لمحاولة إنقاذ الشركة من الإفلاس ومحاولة بيع جزء منها إلى ''قولدمان ساكس'' أو ''سورس'' ولكن الشروط كانت صعبة والوقت قصير وضغط السيولة كبير. نظراً لتسارع الأمور وخطورة أوضاع الشركة على النظام المالي، اضطر البنك المركزي للتدخل ومحاولة إنقاذ الشركة وتم إرسال Fisher من البنك المركزي في نيويورك. لقيادة إعادة رسملة ونقض مراكزها المالية، حيث قاد البنك المركزي مع عدة مصارف لتمويل هذه العملية التي انتهت بإفلاس المؤسسين / المديرين. هناك أهمية كبيرة لتجربة LTCM حيث إنها كانت جرس الإنذار لما سوف يأتي لاحقاً من أزمة مالية عالمية في عام 2007 / 2008، وكذلك فشل النظام الرقابي في وضع الأنظمة والآلية للتنبؤ وقراءة المخاطر وكفاية رأس المال وتسعير السيولة في حالة أي هزة اقتصادية أو سياسة أو مالية. الحاضر الغائب دائماً في تاريخ هذه الصناديق الحديث كان الن قرينسبان من خلال دوره الرئيس في إدارة البنك المركزي الأمريكي وتحكم البنك المركزي بشكل كبير ومؤثر في الفوائد قصيرة الأجل وكمية النقود في النظام المالي ولو بدور أقل. بما أن هذه الصناديق تستخدم الرافعة المالية (الاقتراض) وخاصة قصير الأجل لتمويل عملياتها لذلك للبنك المركزي وسياسته ومتابعته دورا رئيسا في تحركات وأداء هذه الصناديق. هنا يجب أن نفرق بين رأسمال هذه الصناديق وبين الأموال التي تحت إدارتها. فرأسمالها عادة صغير، ولذلك هي عرضة لهزات عنيفة إذا تغيرت أسعار الفائدة (قراءة التوجه خاطئة) فجأة. إحدى هذه اللحظات كانت في كانون الثاني (يناير) 1994 حينما رفع البنك أسعار الفائدة قصيرة الأجل من 3 في المائة إلى 3.25 في المائة، أدى هذا الارتفاع إلى هزة عنيفة في سوق السندات والعملات (كان سببا في خسارة سورس مركزه المالي في الين حيث خسر 650 مليون دولار). كذلك أخرجت هذه الهزة ستاينهرت من السوق وأجبرته على التقاعد. ما كاد العالم المالي يتنفس الصعداء من أزمة LTCM حتى لاحت في الأفق أزمة أكبر وأوسع انتشاراً، حيث إن LTCM تخص عدة أثرياء متخصصين، وذات تأثير في مؤسسات مالية كبيرة، ولكن الأزمة الجديدة أوسع وأعمق انتشاراً وتأثيراً، فأزمة شركات الإنترنت والتقنية بقدر ما عبرت عنه من نقلة نوعية للاقتصاد عامة والمعلوماتي خاصة، إلا أن تأثيرها المالي والمضاربي كان كبيراً. أحد الصناديق التي راهنت عليها كان Tiger الذي يقوده جوليان روبرتسون. روبرتسون كان من ضباط المارينز وفرض نظاماً صارماً في إدارة الشركة ولكن هذا لم يكف في ظل تعقيدات الأسواق وتداخلها مع السياسات العامة وخاصة الخارجية. فكان له مركز مالي في الين مراهنا على نزول الين، ففي تشرين الأول (أكتوبر) 12، 1998 ارتفع الين 12 في المائة في يوم واحد مما خسر الصندوق نحو ملياري دولار بعد أن كان الصندوق رابحاً 29 في المائة في النصف الأول من عام 1998 ليخسر 10 في المائة في أيلول (سبتمبر) و17 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر). عقد اجتماع لكبار مساعديه ولكن في اليوم نفسه يرتفع الين من 112 إلى 114 ويبخر 500 مليون دولار أخرى. وكما اكتشفت LTCM قبله بدأت السيولة في الجفاف، وبدأ نجم آخر في الأفول بعد ما بدأت أسهم الإنترنت والتقنية في الانكسار الشديد، ما اضطر جوليان للخروج نهائياً. بعد هذه التجارب والأداء المتميز على الرغم من العثرات استطاعت صناديق التحوط الخروج من دائرتها الضيقة إلى عالم المال الأرحب وكسب الاحترام، حين أصبح صندوق جامعة ييل العريقة أول صندوق يستثمر من خلال صناديق التحوط مباشرة، قام مدير أموال ييل (endowment) سونسن بالاستثمار مع صندوق Farallon، حيث كانت الجامعة تستثمر مثل غيرها غالباً في الأسهم والسندات والعقار ولكن العائد كان غير جذاب، وكذلك توصل سونسن إلى حقيقة أنه كلما كبر حجم الصندوق صعبت المرونة وقل دور كل عملية صغيرة على مجمل الأداء، وكذلك أعجبته طبيعة الحوافز لمديري صناديق التحوط، خاصة إذا كان جزء كبير من أموالهم مربوطا في صندوق. أكبر مركز مالي لصندوق Farallon حين استثمر مبلغ 531 مليون دولار في بنك Central Asia في إندونيسيا في آذار (مارس) 2002 الذي أثمر عن عائد 550 في المائة في عام 2006. بعد ذلك بدأ الكثير من صناديق الجامعات والتقاعد والصناديق السيادية في الاستثمار أكثر في صناديق التحوط. في أثناء استثمار ييل كان صندوق آخر (Medallion) يدار من قبل James Simmons، أداء هذا الصندوق من عام 1989 حتى عام 2006 نحو 39 في المائة سنوياً كأفضل أداء لأطول مدة. جيمز سمونز كان عالم برمجيات ورياضيات، وعمل على حل الشفرات في معهد للتحليلات تابع لوزارة الدفاع الأمريكية. جمع فريق من خبراء الشفرات والتحليل الرياضي ليأخذ بصناديق التحوط إلى مرحلة جديدة في الأداء والأسلوب. وكان لافتاً أنه لم يوظف اقتصاديين بل ركز على علماء الرياضيات والفيزياء، حيث كان يرغب في أناس يرون الأسواق كمعادلات رياضية بعيداً عن التأويلات الاجتماعية أو المسببات والإرهاصات التي دائماً ما تكون حاضرة في واقع الاقتصاديات - في عام 2006 فقط وصل دخله إلى 1.5 مليار دولار، ولا تزال الشركة على المنوال نفسه حتى كتابة هذا الكتاب في منتصف 2010. التركيز دائماً كان على الوصول إلى معادلات رياضية معقدة تستطيع أن تصيد الفروق البسيطة في علاقات الأسواق والسلع والعملات والمراهنة على عودة هذه العلاقات إلى وضعها السابق. يقوم الفريق بتكوين نظرية عن الأسواق أو السلع ثم يبدأ باختبارها رياضياً من ناحية تاريخية حتى يصل إلى علاقة يمكن توظيفها مستقبلاً. النجاح الباهر جعل الصندوق يعتمد فقط على أموال المديرين وأقفل في وجه أي عملاء جدد بعد أن وصل إلى ستة مليارات دولار في عام 2000. إلا أنه في عام 2005 بدأ صندوق جديد ووصل حجم الصندوق بعد أن توسع ليشمل المؤسسات إلى 25 مليار دولار في صيف 2007. وبعدها بدأت الأزمة المالية تلوح في الأفق وبذلك بدأت حقبة جديدة. وصلت إدارات صناديق التحوط إلى نهاية مرحلة وبداية أخرى حتى قبل الأزمة المالية العالمية، ولكن بعد الأزمة تسارعت وتيرة التغيير. في عصرها الأول كانت النظرة إلى هذه الصناديق ومديريها على أنهم عباقرة، ولكن مع الوقت أصبحت النظرية معروفة ولكن يبقى التنفيذ. وهذا ما يسميه الإحصائيون في علم إدارة الثروات ألفا (Alpha) ؛ أي العائد المنسوب إلى الإدارة وليس الحركة الطبيعية للسوق. فلم يعد هناك شك في أن الأسواق غير متسقة الحركة وغير عاكسة للوقائع والحقائق الأساسية. ولذلك بدأ جيل جديد ينظر إليها ليس كمنتج مالي بقدر ما هو إبداع مالي. أحد أعمدة هذا الإبداع كان كن قرفذ من خلال صندوق Citadel الذي كان قارئا نهما. وبدأ في عام 2000 من سكن طلاب جامعة هارفارد ولم يصل عمره 31 إلا وهو يدير ملياري دولار ليصل إلى 13 مليار دولار في عام 2007. كان إبداعه أن يقوم الصندوق في الاستثمار من خلال عدة استراتيجيات وليس واحدة فقط. ولكن الأزمة المالية بدأت تطل بقوة، وكان أكبر وأول ضحية صندوق Amaranth الذي بدأ عام 2000 وصل إلى ثمانية مليارات دولار وراهن كثيراً على أسعار الغاز الطبيعي من كندا، حيث يقيم السيد Hunter المتاجر الأساسي في عقود الغاز. وما إن تأثرت أسعار الغاز بإعصار كترينا حتى بدأت مراكز Amaranth بالانهيار ليخسر 14 أيلول (سبتمبر) 2006، 560 مليون دولار في يوم واحد لترتفع الخسائر إلى ستة مليار دولار. بدأ الشك في أوضاع السيولة يطول الجميع، وكان التركيز على Citadel بعد أن اشترت ما تبقى Amaranth. ولكن الأزمة المالية سوف تأخذ العالم وصناديق التحوط إلى مرحلة أخرى ولكن Citadel استطاعت التكيف وتفادي هذه الهزة. الحالة المالية التوسعية والمريحة عالمياً على إثر السيطرة والتضخم ونزول أسعار الفائدة والنمو في الاقتصاديات العالمية عدا اليابان ؛ هذه البيئة ساعدت على نمو القروض وحتى المبالغة فيها وازدياد دور المصارف، فمثلاً كانت حصة القطاع المالي من أرباح الشركات عامة في أمريكا تعادل تقريباً 10 في المائة في السبعينيات والثمانينيات لترتفع إلى 20 في المائة في التسعينيات وتصل 40 في المائة أثناء الأزمة. ازدياد الرافعة المالية يرفع المخاطر دائماً. وكذلك المبالغة وحتى الفساد. فهناك دانيال صادق شاب لبناني ولد 1968 وصل إلى كاليفورنيا وعمره 18 عاماً، بحلول عام 2000 كان يبيع سيارات مرسيدس وبنجاح إلى عملائه موظفي التمويل العقاري. سرعان ما اكتشف أنه يستطيع بيع قروض منزلية دون أي ترخيص. في عام 2005 شركته القرض السريع Quick Loan تصل إلى 700 موظف وتكون من أكبر 50 شركة لبيع القروض العقارية الرديئة Subprime، في أحد إعلاناتها تقول الشركة - لا حاجة إلى تأكيد الدخل والقرار بمنح قرض آني. اشترى صادق قصرا وشقة في لاس فيغاس وأسس شركة سينما، وفي أحد الأفلام دمر سيارات بقيمة مليوني دولار. في 2006 سمع كايل باس أحد مؤسسي صندوق تحوط في دلس - تكساس عن صادق وصناعة أفلامه، بدأ الشك لديه أن سوق التمويل العقاري في حالة طفرة من عام 2000 إلى 2005 حيث تضاعف أربع مرات حجم القروض الرديئة. وكذلك بدأ الشك عند مايكل لت كمدير لأحد الصناديق ونفس الشعور ولذلك حققوا مكاسب مجزية. ولكن المكسب العظيم يذهب إلى رجل آخر - بولسن Paulson (لا علاقة له بوزير الخزانة) الذي تخرج في جامعة هارفارد في عام 1980 وتقلب في عدة وظائف إلى أن أسس صندوق تحوط في عام 1994 بمبلغ مليوني دولار حتى وصل إلى 600 مليون دولار في 2003، أربعة مليارات دولار تحت الإدارة في 2005 - رجل لا يعشق الظهور إعلامياً يمارس نظرية المخالف (contrarian) - إذا اندفع الناس إلى وسط استثماري يذهب إلى العكس، يأخذ مراكز مالية كبيرة ويقبل بمكاسب بسيطة، لكنه كان دقيقاً في قراءة الأسواق والمراكز المالية خاصة في سوق السندات العقارية. في بداية 2005 بدا أن الدورة الاقتصادية جاهزة للانحدار، فالسندات بدأت عالية الأسعار وبدأ بالبحث عن النقطة الأضعف في الأسواق المالية. استقر به التفكير على أن الأسواق الأكثر دورية والمثقلة بالقروض هي الحلقة الأضعف، وهذه كانت سندات وقروض التمويل العقاري، حيث المخاطرة العالية خاصة ذات التقييم المخفض. فبدأ بيع ما لا يملك لإعادة شرائه لما ينزل (short sale) محموم لهذه الأوراق المالية، في ربيع 2005 وصل إلى الهدف المنشود. كما توقع، بدأ السوق في اتجاه مصلحته في شباط (فبراير) 2007 حينما أعلنت New Century Financial Corp ثاني أكبر ممول للقروض الرديئة في أمريكا عن إعلان مروع عن وضعها المالي، وتلا ذلك أخذ HSBC ثالث مقرض عن احتياطيات تصل إلى 10.6 مليار دولار بسبب القروض الرديئة. بدأ رهانه بالكسب، ففي يوم واحد ربحت الصناديق التي تحت إدارته 1.25 مليار دولار، وبنهاية 2007 وصلت أرباح الصناديق إلى 15 مليار دولار وربح بولسن شخصياً 3-4 مليارات دولار. الخلاصة تقوم الفكرة الأساسية على أن الأسواق المالية ليست ذات فاعلية عالية بعكس ما تقوم عليه النظرية المالية التقليدية لإدارة الأموال (إن السعر يعكس كل المعلومات المتوافرة عن الإدارة المالية ولذلك ليس هناك فرص حقيقية). رافق ذلك جدل واسع إلى أن أثبتت الدراسات الأكاديمية أن السوق ليست ذات فاعلية عالية ومع ذلك أغلب مديري المحافظ المالية لا يستطيعون حتى مجاراة المؤشر. وبالتالي فإن هناك فرصة مواتية للمراهنة على التجاذبات بين الفاعلية وعدمها (رصد الاختلافات عن القيم الجوهرية والمراهنة على رجوع الأسعار) وبين الحالة النفسية للأسواق وتذبذباتها الاعتيادية وغير الاعتيادية التي عادة ما يعبر عنها ما يسمى التحليل الفني الذي يحاول رصد تحركات الأموال والعزم والاتجاه. ما كادت هذه الصناديق أن تأخذ مكانها في أمريكا حتى بدأت بالمراهنة على العملات واختلاف الأسعار بين السندات الأجنبية والسلع والعملات. ولعل أهم من أعطى صناديق التحوط سمعة عالمية هو جورج سورس عندما ''أرغم'' الجنيه الاسترليني على الانسحاب من علاقة منظومة العملات الأوروبية وربح منها نحو مليار جنيه التي خسره أغلبها لاحقاً بعد المراهنة على الين إلى مراهنة بولصن منذ عام 2007 إلى 2009 الأخيرة في سوق أوراق العقار المالية التي حقق منها ثروة هائلة. ولكن بعد أن تكاثرت هذه الصناديق وبدأت تأخذ مكانها في الوسط الاستثماري خاصة بعدما بدأ الكثير من الجامعات وصناديق التقاعد وحتى بعض الصناديق السيادية في الاستثمار بدأت بجذب شخصيات إما غير مؤهلة أو غير ملتزمة أخلاقياً مما أثر في الأداء والسمعة؛ كذلك أدى تكاثرها إلى ''استغلال الربح السهل''. فيذكر أن عدد هذه الصناديق وصل إلى 8400 بين 1995 و2005 وأن متوسط الأداء كان 7.7 في المائة بعد الرسوم والتكاليف وهذا 3 - 4 في المائة أعلى من مؤشر الأسهم على سبيل المثال، أي أن هناك نحو 3 - 4 في المائة عائد إضافي بسبب قدرات مديري صناديق التحوط. كذلك لم تحتاج هذه الصناديق إلى دعم حكومي أثناء الأزمة المالية بعكس المصارف والبنوك الاستثمارية.
إنشرها