Author

هل سيتحقق الانتعاش الاقتصادي والمالي للشرق الأوسط في 2011؟

|
مع مواصلة الاقتصاد العالمي مسيرة التعافي، تحسنت احتمالات النمو لدول المنطقة إذ يتوقع لمعظم البلدان العربية أن تحقق نسب نمو أسرع في عام 2011 مقارنة بعام 2010 مدعومة بأسعار نفط مرتفعة وميزانيات حكومية توسعية وأسعار فائدة منخفضة واستقرار في معدلات التضخم. غير أنه لا يزال هناك حتى الآن فجوة غير منطقية بين تحسن الأداء الاقتصادي على المستوى الكلي Macro level من جهة، ضعفه على المستوى الفردي سواء للمستثمر أو المستهلك Micro Level من جهة أخرى. ويتوقع لهذه الفجوة أن تتقلص بحلول النصف الثاني من العام المقبل مع تعافي حركة الائتمان المصرفي وعودة الثقة تدريجيا إلى القطاع الخاص واستعادته روح المبادرة والتوسع. يتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي لدول المنطقة بنحو 4.8 في المائة بالأسعار الثابتة العام المقبل مقارنة بـ 4 في المائة عام 2010 و2.3 في المائة عام 2009. ولقد انخفض الناتج المحلي للدول العربية مجتمعة بالأسعار الجارية بنسبة 13 في المائة عام 2009 ليصل إلى 1648 مليار دولار، مقارنة بأعلى مستوى وصل إليه في عام 2008 حين بلغ 1910 مليارات دولار، وذلك نتيجة للأزمة المالية العالمية، وما كان لها من تأثير سلبي في أسعار النفط والعقارات وأسواق رأس المال والائتمان. غير أن الناتج الإجمالي يتوقع له أن يعاود الارتفاع ليصل إلى 1893 مليار دولار عام 2010 و2081 مليار دولار عام 2011. ومن المتوقع أن تحقق دول المنطقة النفطية ارتفاعا في الناتج المحلي بنسبة 4.5 في المائة بالأسعار الثابتة عام 2011 ليصل الناتج إلى 1100 مليار دولار، مقارنة بنسبة نمو في حدود 3.5 في المائة عام 2010 و1.1 في المائة عام 2009. وستسجل قطر أعلى معدلات للنمو العام المقبل في حدود 20 في المائة مقارنة بـ 16 في المائة عام 2010 و8.6 في المائة عام 2009، في حين أن الناتج المحلي للسعودية يتوقع له أن ينمو بنسبة 4.5 في المائة عام 2011 مقارنة بـ 3.8 في المائة عام 2010 و0.6 في المائة عام 2009. وستشهد الموازين العامة لدول مجلس التعاون فائضا في عامي 2010 و2011 بسبب ارتفاع أسعار النفط من 62 دولارا للبرميل في المعدل عام 2009 إلى 78 دولارا للبرميل في المعدل عام 2010، وإلى 80 دولارا للبرميل وهو المعدل المتوقع لعام 2011. وستنعكس هذه التطورات على الموازين الخارجية لدول المنطقة إذ سيصل الفائض المجمع للموازين الجارية لدول الخليج إلى 120 مليار دولار عام 2010 و150 مليار دولار عام 2011 مقارنة بأقل من 50 مليار دولار عام 2009. وسينعكس تحسن الأوضاع الاقتصادية في منطقة الخليج على الدول العربية الأخرى بسبب ارتفاع التحويلات التي يرسلها العاملون في دول الخليج إلى ذويهم في الدول المصدرة لليد العاملة، إضافة إلى تنامي السياحة الإقليمية، وتحسن التجارة البينية، وزيادة التدفقات الرأسمالية من الدول النفطية إلى بقية دول المنطقة. وسيشهد الأردن نموا في عام 2011 يتوقع أن يصل إلى 4.5 في المائة مقارنة بـ 3.5 في المائة في عام 2010 و2.3 في المائة عام 2009، مدعوما بتحسن وضع الائتمان المحلي وتسارع مؤشرات التجارة والاستثمار بالتزامن مع انتعاش آفاق الاقتصاد العالمي والإقليمي، ويتوقع لمصر أن تحقق معدلات نمو في حدود 5.5 في المائة عام 2011 مقارنة بـ 5.3 في المائة عام 2010 و4.7 في المائة عام 2009 مستفيدة من تراجع أسعار الفائدة على الجنيه المصري وتحسن التجارة الدولية وزيادة الإنفاق في السوق المحلية، غير أن التأثير السلبي لعوامل عدم اليقين السياسية قد تلقي بظلالها على الأداء الاقتصادي العام المقبل. ولقد شهد لبنان نمواً غير مسبوق من خلال ازدهار القطاع السياحي وحوالات المغتربين اللبنانيين التي تدعم الاقتصاد. غير أن معدلات النمو المرتفعة للعامين الماضيين التي وصلت إلى 9 في المائة عام 2009 و8 في المائة عام 2010 يتوقع أن تتراجع إلى 5 في المائة العام القادم بسبب الظروف السياسية غير المستقرة. ما زالت أسواق السندات والصكوك شبه مغلقة أمام شركات القطاع الخاص. صحيح أن النشاط أخد يعود تدريجيا إلى هذه الأسواق، وشهد هذا العام عدداً من الإصدارات الكبيرة بقيمة إجمالية وصلت إلى 30 مليار دولار، غير أن جميع الإصدارات كانت لمؤسسات تابعة للقطاع العام أو تم إصدارها بضمان الحكومات والبعض الآخر كان لمؤسسات مالية وبنوك تجارية. أما شركات القطاع الخاص التي نجحت في إصدار سندات وصكوك هذا العام مثل شركة كيبكو الكويتية وشركة إم بي بتروليوم العمانية وشركة دار الأركان السعودية اضطرت إلى أن ترفع من أسعار الفائدة التي تدفعها على هذه الإصدارات لآجال 5 سنوات لتراوح بين 8 في المائة و10 في المائة. ومع تحسن أداء شركات القطاع الخاص وعودة النشاط إليه نتوقع أن يشهد عام 2011 زخما في إصدارات شركات القطاع الخاص بما فيها تلك المقومة بالعملات المحلية. سوق الإصدارات الأولية ما زال ضعيفا إذ لم يتعد إجمالي قيمة الـ 12 إصدارا التي تمت هذا العام، ومعظمها كانت في السوق السعودية، مبلغ 1.5 مليار دولار مقارنة بـ 11 إصدارا العام الماضي بقيمة 1.4 مليار دولار. ولقد اضطرت شركة أكسيوم تليكوم في الإمارات إلى إلغاء اكتتاب عام على 35 في المائة من أسهمها في اللحظات الأخيرة بعد ما تبين أن الصناديق والمؤسسات المحلية والإقليمية لم تبد الاهتمام المطلوب. وما زالت أسواق أسهم دول المنطقة تعاني ضعفاً مستمراً في حجم التداولات وشح السيولة وعدم توافر التمويل المطلوب للمكتتبين في أسهم الإصدارات الجديدة. ارتفع مؤشر أسهم الدول العربية بنحو 6.5 في المائة خلال الأشهر الـ 11 الأولى من هذا العام، مقارنة بـ14 في المائة لمؤشر أسواق الأسهم الناشئة و11 في المائة لمؤشر سوق الأسهم الأمريكي. وهناك عديد من الشركات العربية المدرجة التي أصبح يتم تداول أسهمها الآن بأسعار أقل من قيمتها الدفترية. غير أن أسواق الأسهم العربية يتوقع لها أداء أفضل عام 2011 لتعكس تحسن الأوضاع الاقتصادية، وبقاء أسعار الفائدة عند معدلاتها المنخفضة، وقيام المحافظ الاستثمارية بالتركيز أكثر على الأسهم منه على السندات والذهب والمعادن الثمينة بسبب التخوف من وجود فقاعة في طور التكوين بعد القفزات الكبيرة التي سجلت خلال العامين الماضيين في أسعار هذه الأصول. أضف إلى ذلك التأثير الإيجابي لتحسن أسواق الأسهم العالمية والتي زاد ارتباط أسواقنا بها. وكلما ارتفع حجم الاستثمار المؤسسي في أسواقنا المالية، زادت نسبة الارتباط هذه، حيث إن هناك أكثر من 50 محفظة استثمارية تم إنشاؤها للاستثمار في الأسواق الرأسمالية لدول المنطقة. تواجه مسيرة التعافي في المنطقة العربية تحديين أساسيين: الأول يكمن في نقل عبء قيادة النمو من القطاع العام إلى القطاع الخاص؛ والثاني هو عودة البنوك إلى التوسع في الإقراض. لقد كان الإنفاق الحكومي التحفيزي هو مصدر النمو حتى الآن، وهي التي قاربت منافعها على الانتهاء، لذا لا بد لاستمرار التعافي من عودة الحيوية والنشاط إلى القطاع الخاص، والاكتفاء بما تم ضخه من أموال خلال العامين الماضيين من قبل القطاع العام لتحريك الأسواق. وقد يكون من الأفضل لحكومات دول المنطقة خاصة غير النفطية منها اتباع سياسات مالية أكثر توازنا للحفاظ على نسب مديونية مقبولة في حدود 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، فهذا يعطي مصداقية للسياسة المالية ويبعث برسالة واضحة إلى الأسواق بأن الحكومة حريصة على تحقيق الاستقرار المالي، وبالتالي سيطمئن المستثمر والمستهلك بأن تكلفة الاقتراض لن ترتفع مستقبلا، ولن تزيد الضرائب وستبقى معدلات غلاء المعيشة عند مستويات مقبولة، والأهم أن الدولة ستكون قادرة على مواجهة المشكلات والأزمات إذا ما حدثت مستقبلا. وقد تسمح الفوائض المالية لدول المنطقة النفطية الكبرى أن تحافظ على السياسات المالية التوسعية، كما أظهرت ميزانية السعودية لعام 2011، دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى تفاقم العجز في موازناتها العامة أو ارتفاع في مديونياتها. فإذا ما حافظت أسعار النفط على معدلات تفوق 60 دولارا للبرميل في عام 2011، وهو المعدل الذي يحقق التوازن في ميزانيات معظم دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2011، فإنه سيكون في مقدور هذه الدول التوسع في مواصلة الإنفاق المخصص في ميزانياتها. لقد أدى عدم التطور الكامل لأسواق رأس المال المحلية من سندات وأسهم وضعف مقدرة الشركات العربية غير المملوكة من الحكومات للوصول إلى أسواق الأسهم والسندات العالمية إلى جعل التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك أهم مصادر التمويل لهذه الشركات. والتحدي يكمن في عودة البنوك إلى التوسع في الإقراض للقطاع الخاص وتوفير التمويل المطلوب للشركات والأفراد في ظل تراجع قيمة الضمانات العقارية وضعف أسواق الأسهم. وقد يتطلب هذا أخد المزيد من المخصصات للقروض المعدومة وإعادة هيكلة ميزانيات بعض البنوك عن طريق زيادة رأسمالها وتقليص مديونيتها، إضافة إلى استعمال أساليب أفضل لإدارة المخاطر. صحيح أن عددا من مؤسسات القطاع الخاص ما زال مثقلا بالديون، وفي حاجة إلى إعادة ترتيب أوضاعه المالية والائتمانية غير أن هذا القطاع هو المؤهل لقيادة عملية النمو، وعليه استعادة الثقة وأخذ المبادرة للتوسع والتركيز على الإبداع. فتنامي النشاط الخاص في قطاعات الاقتصاد المنتجة من صناعة، وزراعة، وسياحة، وخدمات هو الذي سيحقق النمو المستدام Sustainable Growth، والذي لن يتأتى عن طريق المزيد من الإنفاق الحكومي. رئيس مجلس الإدارة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ـــ دوتشه بنك
إنشرها