Author

مدير جامعة الملك سعود .. إلى أين يأخذ ثقافتها؟

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
من منا لا يعرف ثقافة جامعة الملك سعود وطريقة عملها المتأنية جدا حتى لا تكاد تخطو خطوة واحدة إلا بعد دراسات طويلة ولجان ومجالس تكاد تخلع قلوب الذين يقتربون منها, فضلا عن الذين يعملون فيها, فبرنامج للماجستير ناهيك عن الدكتوراه يجب أن يخضع لعمليات مراجعة وفحص تقترب من عشر سنوات قبل أن يُقرَّ ويبدأ العمل به، على أن تغيير محتوى مادة واحدة بعد ذلك قضية تشيب لها الولدان. إنها ثقافة الرجال الحرصاء جدا، ثقافة تشبه الكلاسيكية البريطانية رغم أن جل أساتذة جامعة الملك سعود من خريجي الولايات المتحدة الغنية بالفكر البراجماتي، عندما تتغير المفاهيم كلما تطور الواقع. ولقد تعلمنا لسنوات أن أصعب ما يواجه القادة في المؤسسات هي معضلة الثقافة التنظيمية التي تغلغلت حتى شملت كل موظف وعامل بل مكتب وكرسي وتختبئ في كل مكان داخل المؤسسة لتصبح زعزعتها, فضلا عن نزعها، أمرا في غاية الصعوبة وتستهلك جهد القائد حتى لا يكاد يتفرغ لعمله القيادي وتحرير مؤسسته. كل هذه الخواطر راودتني وأنا أقرأ خبر توقيع جامعة الملك سعود اتفاقية تعاون مشترك مع شركة ديجم الكورية لصناعة السيارات. لست أنتقد ثقافة جامعة الملك سعود فأنا أعترف لها بالولاء العلمي وأساتذتها الكبار هم من علموني ولهم أقر بالفضل، لكن هذه الخطوات السريعة تدهشني في جامعة تعودت منها أن يقرأ الملف الواحد مجالس ولجان عدد أعضائها مجتمعة قد يتجاوز المائة ولكل منهم رأيه الذي يعتز به ويقاتل من أجله. كيف أن برنامجا للدكتوراه يقضي عمرا يتجاوز عشر سنوات بين المجالس واللجان ولما يقر بعد، بينما اليوم تقفز الجامعة لتستثمر المليارات وتوقع الاتفاقيات في أقل من سنتين. فهل تغيرت ثقافة جامعة الملك سعود أم أصبح لها ثقافتان؟ وعندما أقول ثقافتين ذلك أنني أرى ثقافة دينامكية تتجاوز اللجان والمجالس لتوقع وتستثمر في قطاع الأعمال بينما في جانب التعليم نرى الأمور لا تكاد تتغير. وبغض النظر عن التصريح المثير حول استقطاب العلماء وتجنيسهم فإنه لا جديد في واقع الكليات والمكتبة العريقة في جامعة الملك سعود، وكي أكون أكثر إنصافا فإنني لم أقرأ على الساحة الإعلامية تغطية لتطورات أكاديمية توازي تلك التي نسمع عنها في الذراع الاستثمارية للجامعة. وإذا كانت جامعة الملك سعود تريد التحول إلى مؤسسة بحثية ولذلك توجه استثماراتها ونشاطها نحو ذلك فماذا بقي لها من كلمة جامعة؟ مرة أخرى لست أنتقد ولست بذاك الرجل الذي يحق له أن ينتقد هذا العملاق والصرح العلمي الكبير، لكنها تأملات محب مفتون بعراقة هذا الصرح. فما صنعه معالي مدير الجامعة عمل صعب وجسارة في القرار وتحمل لمسؤولية التغيير تستحق التأمل والدراسة، فكما رفع المديرون السابقون لجامعة الملك سعود لواء المنهجية العلمية الصارمة وهي تصنع أجيالا من صناع القرار الذين يقودون القطاع العام في جميع مؤسساتنا الحكومية ها هي اليوم على يد مديرها الحالي معالي الدكتور عبد الله العثمان تلتفت بتلك العين الصارمة, لكن بروح رشيقة نحو قطاع الأعمال. ولا دلالة على هذا أكثر من تعليقه على خلفية توقيع اتفاقية التعاون المشترك مع الشركة الكورية ودعوته للمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص للاستفادة من المبادرة المشتركة بين الجامعة كحاضنة للمبادرة, والشركة الكورية كمستثمر وخبير في هذه الصناعة. فماذا تريد المؤسسات الحكومية ذات الذراع الاستثمارية ومنها الجامعات الجديدة التي تحتاج إلى ذلك، والقطاع الخاص الذي جاءه من يتحمل عنه مسؤولية القرار والنجاح والفشل، فهناك حاضنة من أفضل الأساتذة والمهندسين وشركة استثمارية خبيرة لن تغامر بأموالها لمجرد تشجيع البحث العلمي. وإذا أضفت إلى هذا وذلك وجود سوق مالية متعطشة إلى تمويل هذا المشروع وأمثاله، فماذا بقي من عذر. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد أدهشتني تعليقات مدير الجامعة على خلفية توقيع الاتفاقية وهو يؤكد أن الجامعة تسعى إلى توظيف الشباب السعودي، سواء العائدين من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي أو خريجي المؤسسات التعليمية في المملكة، وتأسيس فرص العمل النوعية ذات المردود المالي العالي، وسأقف عند هذا النص قليلا لتأكيد تغير الثقافة, فمدير الجامعة يدرك مشكلة اقتصادية واجتماعية لم تأت بعد وهي أن خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين الذين تلقوا أحدث وأفضل نوعية تعليمية متاحة في العالم ـــ أو هكذا يجب ـــ قد يواجهون عند عودتهم مشكلتين بدلا من واحدة، الأولى هي مشكلة التوظيف نفسها (نسميها السعودة) التي يواجهها خريجو الجامعات السعودية, والثانية مستوى الراتب فيما لو وجدوا تلك الوظائف. هكذا تغيرت ثقافة جامعة الملك سعود ونظرتها في خدمة المجتمع، فلم تعد تدور في حلقة التعليم والتدريب والاستشارة فقط ـــ كما تعودنا من الجامعات السعودية ـــ بل تنزل للميدان وتقود الإصلاح الاقتصادي بفعل اقتصادي وليس مجرد تنظير له، فالشركة والشراكة تهدف إلى خلق وظائف للسعوديين برواتب عالية. لست أعرف هل تستطيع الجامعة فعل ذلك ولكن تصريح المدير سيكون محك نجاح المشروع وفشله، بل ونقده في المستقبل. بقى القول إن التغيرات الثقافية التي تشهدها جامعة الملك سعود رسالة شديدة اللهجة ـــ وبعين صارمة كعادتها ـــ إلى كل الجامعات الجديدة التي تحاول العودة إلى مربع ثقافة جامعة الملك سعود السابقة، بل تحاول أن تخلق نسخة أخرى منها سواء في أعمال المجالس واللجان والابتعاث وخدمة المجتمع. فها هي جامعة الملك سعود تنتفض على نفسها .. فهل تبقى الجامعات الجديدة تدور في فلك لم يعد فيه نجم؟ أضف إلى ذلك ما خلقته جامعة الملك سعود من فرص للشراكة .. فهل تُترك جامعة الملك سعود تعقد الاتفاقيات في الخارج بينما أيدينا في الداخل ـــ خاصة الجامعة الجديدة ـــ مكتوفة عنها؟
إنشرها