Author

الرهن الذي تمارسه بعض متاجر الذهب .. هل يجوز شرعا؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة قد لا تكون شائعة بشكل واسع، لكن لها وجود لا يمكن أن يغفل عنه, وهي مسألة رهن الذهب والقطع الثمينة مثل المجوهرات من الألماس أو الساعات الثمينة جدا، حيث إن بعض محال الذهب والمجوهرات بدأت تعرض مثل هذا النوع من المعاملات بشكل واسع وفي مختلف المدن، وتتنوع آلية التمويل هنا في ظل غياب التشريعات لمثل هذه المعاملات، حيث يقوم بعض تجار الذهب بإقراض ــ أو بالمفهوم الأوسع تمويل ــ بعض الأشخاص من خلال رهن مجوهرات مملوكة للمقترض أو المتمول. وتختلف الآلية بناء على نوع القطعة المرهونة، ففي حال المجوهرات الثمينة نجد أن بعض هذه المحال ترهنها مقابل قرض دون فوائد، على أساس أن المقترض يرد المبلغ المقترض خلال فترة معينة متفق عليها لا تكون في الغالب طويلة، وفي حال تأخر المقترض فإن التاجر يأخذ ما رهنه المقترض مقابل القرض بمبلغ سبق تحديده بينهما عند الرهن. ومن صوره أيضا أن تاجر المجوهرات يرهن بعض القطع الثمينة لفترة معينة مقابل إقراض شخص ورهن ما لديه من مجوهرات لفترة معينة قد تصل إلى ستة أشهر أو أقل أو أكثر، وتُقيّم حينها المجوهرات ويُتفق على قيمة محددة بينهما على أساس فائدة أو ربح محدد لكل شهر, بحيث إن شكل المعاملة بيع وشراء على أساس أن صاحب محل المجوهرات يتفق مع المقترض على أساس أنه سيحتفظ بالمجوهرات لمدة معينة فإذا أحضر المبلغ مع احتساب الفوائد باع له المجوهرات بتلك القيمة، وإلا تصرف صاحب المحل في هذه المجوهرات. ولتوضيح الصورة بمثال لو أن شخصا يملك عقدا من الألماس، فإنه يعرض على صاحب محل المجوهرات العقد ويتفقان على سعر 50 ألف ريال على سبيل المثال ويعطيها صاحب المحل لمالك العقد في الحال، وبإمكان صاحب العقد الأساسي خلال ستة أشهر استعادته مرة أخرى, لكن بمبلغ 60 ألف ريال، من خلال عقد بيع جديد بعد احتساب نسبة ربح محددة لكل شهر، فإذا مضت المدة فإن صاحب المحل يتصرف في هذا العقد بما يراه، ولا يحق لصاحب العقد الأساسي استعادته بعد ذلك، ويكون ما أخذه من مال وهو الـ 50 ألف ريال يمثل قيمة للعقد بناء على اتفاق البيع الأول. هذه بعض صور هذا النوع من الرهن حسبما أفادني أحد تجار الذهب الذين يمارسون هذه المعاملة, وقد تكون هناك صور أخرى كما أفادني بعض العلماء من خلال معاملات تتم بين تجار الجملة والتجزئة أيضا. الحقيقة أن ظاهر المعاملة يبرز جانبا من عدم الانتظام والتنظيم، حيث إن الإخوة التجار الذين يمارسون هذه المعاملة من الممكن بسهولة أن يقعوا في كثير من التجاوزات نظرا لحساسية المعاملات المرتبطة بشكل مباشر بالذهب، خصوصا أن هذا صلب نشاطهم، والغالب أن المجوهرات التي تصنع من الألماس وكثير من الساعات الثمينة يدخل الذهب في تصنيعها بشكل رئيس. ولذلك كان لا بد من الاحتياط بشكل عام في هذه المعاملات وأن تكون لدى المتاجر في الذهب معرفة شرعية أكثر من غيره من التجار مثله مثل الذي يتعامل في صرف العملات أو البنوك وغيرها, إضافة إلى أنه في ظل غياب التشريعات فإن مثل هذه العقود قابلة للنزاع والخلاف، إذ إن ظاهر المعاملة يختلف تماما عن قصد المتعاملين. هذا الوجه الظاهر لمثل هذه المعاملات، لكن هذه التعاملات تخفي جوانب من مشكلات اقتصادية ووعي استهلاكي في المجتمع، إذ إن أغلبية من يلجأ إلى هذا النوع من التمويل هم من الأفراد الذين ضاقت بهم سبل الحصول على تمويل، حيث إن البنوك التي تمول الأفراد بتكلفة أرخص بكثير من هذه المحال لا تقبل تمويل هؤلاء الأفراد نتيجة لأن هذا الشخص سبق له الاقتراض من أحد البنوك، أو أنه ليس موظفا لجهة تعتمدها البنوك، وحيث إن لديه رغبة في الحصول على تمويل آخر فإنه لا يجد فرصا أخرى ما يلجئه إلى مثل هذه المعاملة المكلفة جدا. ويكشف أيضا عن ضعف الوعي لدى الكثير من أفراد المجتمع، والهوس بالاستهلاك، حيث إن الكثير منهم يفرط في آخر ما يملك من مدخرات زوجته، بعد أن استنفد فرص التمويل الأخرى وما لديه من ممتلكات، الذي من الممكن أن يتسبب في أن تعلن الأسرة في النهاية إفلاسها. وهذه المشكلة تكون صورة من تسلسل الأزمة المالية لبعض الأسر, خصوصا بعد أزمة الأسهم، حيث جاء في دراسة نشرتها صحيفة ''الاقتصادية'' في العدد 6287 ''كشفت دراسة علمية أعدها باحثون من أعضاء المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي أن 85 في المائة من المتعاملين في سوق الأسهم في مدينة الرياض، خسروا في الأسهم و60 في المائة كثرت مشكلاتهم مع زوجاتهم وأسرهم، و40 في المائة حصلوا على قروض ذهبت وبقي الدين، و60 في المائة ذهبت جميع مدخراتهم وتوقفت مشاريعهم''. والخلاصة أن هذه المعاملة بوضعها الحالي تفتقد جوانب مهمة تتعلق بالتنظيم، وبيان ضوابطها وحكمها الشرعي، وقد تكون استمرارا لضعف الوعي والهوس الاستهلاكي لبعض أفراد المجتمع، مما قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية لبعض الأسر. لا أنسى أن أشكر الإخوة الذين ساعدوني في جمع المعلومات، وهم الأستاذ عبد الله الأربش، والطالبان حسن البراهيم وأحمد البقشي.
إنشرها