Author

كل ما أتمناه للعرب وللمسلمين في مطلع العام الجديد ...

|
أستاذ جامعي ـ السويد
"ليس كل ما يتمناه المرء يدركه"، لكن التمني صفة بشرية وجزء من مكوننا الإنساني. والتمني نوع من الأمل "وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل". والتمنيات التي أسطرها أدناه تنبع من صميم القلب، لأنني أحب المسلمين وقرآنهم، وبودي أن أراهم قد غيروا في أنفسهم، وارتقوا سلم الحضارة والمدنية وهم لإسلامهم وقرآنهم حافظون. أول شيء أتمناه هو أن أرى المملكة العربية السعودية قد عززت في هامش الحرية التي منحتها لكتاب من أمثالي، ولأكن صريحا معكم فإنه لم يدر في خلدي وفي خلد الكثيرين من المثقفين في الغرب أن صحيفة سعودية ستنشر مقالات حساسة مثل التي أكتبها. ولم يحدث أن غيرت هيئة التحرير ما أكتبه. مقالاتي تنزل كما هي، والله شاهد على ما أقول، والكثير من الناس لا تصدق ذلك، لكنها الحقيقة. والحقيقة يجب أن تقال، وإنني على يقين أن كثيرا مما كتبته لم يرَ النور في صحافة بلدان عربية أخرى. هذا توجه بنّاء وحكيم وأتمنى أن أراه معززا كي يتحول بمرور الزمن إلى نشوء صحافة حرة مؤسساتية تمتد جذورها إلى سوق عكاظ، والحوارات الفكرية والإيمانية التي يجريها القرآن مع الأفكار والأديان الأخرى. وأمنية أخرى مهمة تتعلق بأمر القراءة، ولا سيما قراءة النصوص المقدسة. النص المقدس لا يتبدل تبديلا، لأنه منزل، وهذا الأمر ركن أساسي من أركان الإسلام، لولاه لهدم البيت، تبقى مسألة كيفية قراءة النص. إذا كان صحابة الرسول، الذين عاشوا وتحدثوا وحاربوا معه، وتلقوا الوحي بعد سماعه بآذانهم من لسانه الكريم، اختلفوا في قراءتهم، فهل يجوز أن تعتقد فئة من المسلمين اليوم أن قراءتها هي بمثابة النص المنزل وغيرها من القراءات باطلة؟ وهذا يقودنا أيضا إلى مسألة القراءة في عصرنا هذا الذي دون شك يختلف اختلافا جذريا وجوهريا عن العصور السابقة. هل نستند إلى قراءة عصر كان الناس فيه يحاربون برباط الخيل، والسيف، والخنجر، والمنجنيق أم إلى قراءة عصر يحارب الناس فيه بالطائرات المسيّرة؟ لدى المسلمين من العلماء والشيوخ المتنورين الذي بإمكانهم "عصرنة" القراءة مع الاحتفاظ بالنص المقدس، كما هو. وإن كانت معجزة الإسلام القرآن ــــ والقرآن لغة (نص وخطاب مكتوب) ــــ أقترح من موقعي المتواضع إدخال الدراسات اللغوية الحديثة التي تحلل النصوص من وجهة نظر اجتماعية ونقدية عند دراستنا للمعجزة القرآنية، معجزة لأن النص القرآني فاق في إعجازه اللغوي كل ما كان لدى العرب ــــ مادة الإسلام الأولى ــــ من شعر وسجع وكتب. دراسات كهذه أرى من المناسب إدخالها في المدارس الإسلامية كي يتخرج العلماء والشيوخ، وهم مسلحون ليس فقط بألفية ابن مالك، بل بالدراسات اللغوية الحديثة التي تنظر إلى اللغة وكأنها المرآة التي تعكس لنا قيمنا الاجتماعية والثقافية والدينية، وتعالج دور السلطة وسيطرتها وهيمنتها على القراءة من أجل أغراضها الخاصة. وتوجه كهذا ربما يحقق أمنية كثير منا في وضع حدّ للمهاترات والصراعات المذهبية بين الفرق الإسلامية المختلفة، الصراع المذهبي الذي نشاهده اليوم أكثر خطورة على الإسلام من الغزو الأجنبي لأمصارهم في فلسطين والعراق وأفغانستان. وأعداؤهم، وهم كثر، لا يغبطهم شيء مثل الصراع المذهبي الدائر الآن بين المسلمين، والصراع المذهبي سببه اختلاف القراءة، وليس اختلاف النص. القرآن واحد ولكن أوجه قراءته أو تفسيره مختلفة. وما أتمناه كثيرا هو أن أشاهد العرب والمسلمين يشمّرون عن سواعدهم لمناصرة المقاومات الإسلامية الشريفة التي تقض مضاجع أعدائهم إن في غزة أو لبنان أو العراق أو أفغانستان. الله يعلم فقط ما كان أعداؤهم قد أعدوا لهم من كوارث ومآس، ولكنهم لم يستطيعوا تنفيذها ــــ والفضل كله يعود للمقاومة الإسلامية الشريفة. وأتمنى أيضا أن يشهد العام الجديد توافقا عربيا ولبنانيا على إسقاط المحكمة الدولية التي يديرها الغرب للتحقيق في مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. لماذا؟ لأن الغرب مصمم على إصدار اتهام لا بد وأن يكون في مصلحة إسرائيل، وإلا ليس هناك اتهام. إن استطاع العرب إخراج لبنان من محكمة لا تريد الحقيقة، بل خدمة إسرائيل أولا وآخرا يكونون بذلك قد أسدوا لأنفسهم وللعالم خدمة فائقة، حيث ستنفضح الألاعيب الغربية من تشكيل محاكمات وإخراج قرارات همها القصاص غير العادل من العرب والمسلمين فقط، ويكونون بذلك أيضا قد فضحوا ما نسميه جزافا اليوم بـ "المجتمع الدولي" الذي لا يمثل إلا الغرب نفسه. وأخيرا، آمل أن أرى شفافية وديمقراطية في الحكم وممارساته المتعلقة بالشرطة والأمن الداخلي، وحرية الرأي نطقا وكتابة، وجمع وصرف المال والإيرادات ولا سيما في الدول العربية. هذه تمنيات فقط، ولكن الرياح قد تجري "بما لا تشتهيه السفن". وأتمنى لكم كل الخير وإلى اللقاء.
إنشرها