Author

الغش التجاري وأسواقنا المفتوحة

|
يجب أن نعترف بداية بأن ضعف أدواتنا الرقابية على الأسواق، وحماية المستهلك من الجشع .. شكل إلى جانب سعة هذه الأسواق وحريتها والقوة الشرائية للمواطن، وحجم السيولة المتداولة بابا مشرعا للإغراء لدى ضعاف النفوس الذين يريدون أن يحققوا الثراء السريع وبأي ثمن. وإذا ما وضعنا هذا المعطى أمام تسلل العمالة الوافدة إلى هذه الأسواق تحت غطاء التستر، وتسويق بعض البضائع لصالحها ـــ بما في ذلك من التجاوزات كقضية تعديل تاريخ الصلاحية، أو تسويق الأوهام، أو تقليد بعض العلامات التجارية الشهيرة بلا مواصفات.. فإننا نكون فعلا أمام قضية خطيرة يجب أن تأخذ من الاهتمام على جميع المستويات ما تستحقه كقضية أمن غذائي ودوائي في الوقت نفسه. وللحق فإن الهيئة العامة للغذاء والدواء قد نشطت في الآونة الأخيرة في الكشف عن كثير من هذه التجاوزات التي تمس حياة المواطن والمقيم مباشرة، وبدأت بالإعلان عن بعض تلك السلع المغشوشة غذائية كانت أو دوائية وبالاسم ، مما جعل المجتمع برمته في مواجهة هذه القضية التي تاهت طويلا ما بين عدد من المرجعيات كإدارات صحة البيئة في وزارة البلديات، ووزارة الصحة، ووزارة التجارة وحماية المستهلك، .. حتى لم تعد هنالك مرجعية واضحة تستطيع أن تتصدى لهذه المخاطر. ولأننا أمام حركة سوق ناشطة على المستوى الأفقي أو العمودي، وقد يكون من الصعب مراقبتها بدقة لا من حيث التطفيف والاستخسار، ولا من حيث الجودة النوعية والالتزام بالمواصفات والمقاييس .. فإن ما هو مطلوب هو أن يتم رفع ثقافة المستهلك والمسوق أو المنتج بهذه المخاطر، ابتداء بالموقف الديني الذي يحدد العلاقة بين البائع والمشتري، ووصولا إلى قطع الطريق أمام أولئك الذين يمتهنون الاسترزاق على حساب صحة المواطن بتفعيل نظام حازم وصارم يتصدى لهذه التجاوزات، مع فتح باب اللجان الطوعية لمراقبة الأسواق لتضييق الخناق على ممتهني الغش التجاري. سماحة المفتي العام، وفي معرض إجابته عن سؤال "الاقتصادية".. بيّن موقف الإسلام من قضية الغش، ووصف الأفراد الذين يبيعون ويسوقون المنتجات المغشوشة بأنهم مقصرون وغاشون، وأنهم يتحملون وزر أعمالهم، تأسيسا على قول الرسول الأعظم ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ (من غشنا فليس منا). وقال إن محاكمة المصانع والمؤسسات والأفراد الذين يمارسون هذا الغش تقع ضمن مسؤوليات الدولة، وإن كل من يبيع هذه المنتجات الضارة من دون دراية بخطورتها وضررها آثم .. لأنه لا يجوز بيع أي سلعة إلا بعد التأكد من صحتها وسلامتها. في حين أكد فضيلة الشيخ عبد الله المطلق عضو هيئة كبار العلماء، أن من يروج هذه السلع الطبية أو الغذائية المغشوشة التي تضر النفوس والأبدان، يعمل محرما شرعا، ومن يفعل ذلك يستحق عقوبة شرعية تعزيرية تحددها السلطة. وأكد على أن ما تقوم به لهيئة العامة للغذاء والدواء يعد من عمل الاحتساب الذي يجب أن تتهيأ طائفة من المسلمين للقيام به. لقد بقيت أسواقنا طويلا مرتعا خصبا لبعض قاصري الذمم، والعمالة المنفلتة التي تروج بضائعها على ظهور الشاحنات الصغيرة دون حسيب ولا رقيب، وفي ظل سيادة قناعة ليست في محلها من أن كل ما تبيعه تلك المتاجر، خاصة تلك التي تديرها العمالة في مواقع طرفية غالبا .. هي بضائع آمنة، رغم كل ما يتم ضبطه من وقوعات وتجاوزات بين الحين والآخر، وهي قطعا غيض من فيض .. لذلك لا بد من أن ننطلق برؤية جديدة لهذه المسألة شديدة الأهمية، تأسيسا على رأي الدين الحنيف الذي تمثل فيما أشار إليه سماحة المفتي وفضيلة الشيخ المطلق في حديثهما لـ "الاقتصادية"، لمواجهة هذه الظاهرة التجارية، واستصدار تشريعات تجرم هذه الأعمال، وتضع أمامها ما تستحقه من العقوبات لتنقية أسواقنا ومتاجرنا من جميع أنواع الغش حماية للمواطن والمقيم من تبعاته وعواقبه. ودعم لهيئة العامة للغذاء والدواء، وتفعيل دور الجهات الرقابية الأخرى، وتأمين رابط مرجعي ينسق أعمالها لتمم بعضها بعضا بما يكفل لها القدرة على أداء دورها مثلما ينبغي.
إنشرها