Author

في الذكرى الثانية للحرب .. خوفا من اندلاع انتفاضة جديدة.. إسرائيل تستعد لاجتياح غزة

|
تعكس الجغرافيا السياسية وما يسمى الجيوبوليتك أثرها الكبير في السلوك السياسي للحكومة والمسؤول الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي، و(إسرائيل) منذ نشأتها تعيش حالة ما يسمى دكتاتورية الجغرافيا, ولهذا السبب انعكس ذلك على عقيدتها العسكرية والأمنية، الأقرب إلى المغامرة، وما سميت حينه الضربة الاستباقية للأعداء، كان ذلك في الحرب وفي السلم أيضا، إضافة إلى إيمانها بأنها تعيش في دكتاتورية المحيط الحضاري, فهي بذلك تعيش مأزقا آخر, وهو التواصل الثقافي والتأصيل التاريخي، فهي لا تستطيع التماهي في البيئة العربية والشرق أوسطية، ولهذه الأسباب صممت إسرائيل على أن التفوق العلمي والعسكري والأمني سيؤدي إلى تقليص الفجوة الجغرافية مع العرب، وأيضا الفجوة الحضارية باتجاه الإنجاز والإنتاج في وقت يغيب العلم والمعرفة لدى الجانب العربي كجزء رئيس من مقومات الصراع، غير أن ذلك انعكس إيجابا على المجتمع الفلسطيني الذي طرد من أرضه وخلق من مهنته ومن علمه وإصراره وتحديه وطنا وجواز سفر. انهماك وحرب داخلية الصراع والعنف والاحتلال يخلق نقيضه دائما، ويعلم الشعوب أيضا دروسا في المقاومة والمطاولة والصراع مع الأعداء، والقوة ليست حالة نهائية لأي طرف، لأن بعض حالات القوة تعتبر ضعفا, حيث لا يمكن استخدامها مهما دعت الحاجة إليها، وأحيانا تصبح القوة (مسخرة) عندما يدرك الطرف الآخر كيف يتعامل معها فقد كانت الانتفاضتان الفلسطينية الأولى والثانية من أقوى العوامل المنهكة للحكومات والدولة الإسرائيلية أكثر من الحروب النظامية لأنها حرب في الداخل وتشمل كل شيء، رغم استخدام إسرائيل كل وسائل الهدم والقتل والمصادرة والطرد والنفي والاعتقال والتجنيد والسلب، ناهيك عن عدم اعتبار إسرائيل أهمية ومكانة ودور القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي طالما أن الفيتو الأمريكي يشكل مظلة حماية لها، عدا الدعم المالي والعسكري الأمريكي. بعد الانتفاضتين الأولى والثانية شعرت إسرائيل بأنها تتآكل من الداخل، وأن عدد السكان من الفلسطينيين يزداد بقوة، ويتراجع عدد نفوس الإسرائيليين، فلجأت إلى استيراد المواطنين اليهود من الخارج من روسيا وأوروبا لتعويض حالة عدم التكافؤ السكاني والتراجع الخطير الذي تعيشه إسرائيل في هذا المجال، فالانتفاضة كانت عنوانا حقيقيا لحرب غير متكافئة لكنها كانت ذات تأثير كبير راوحت فيه الخسائر الإسرائيلية الإجمالية بنحو 30 مليار دولار وهجرة معاكسة لا تصدق، ولهذا سعت إسرائيل ورضخت إسرائيل للواقع الإسرائيلي الفلسطيني وفرضت الانتفاضات معادلة السلام الجديدة وكانت مدخلا للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وكان من نتائجها وجود السلطة الفلسطينية. اليوم تدرك إسرائيل أنها أفرغت السلطة من محتواها السياسي والعملي، من خلال عمليات تضييق الخناق، وإفشال عملية السلام، ومن خلال الاستيطان السرطاني والقضم التدريجي للأراضي الفلسطيني تحت عنوان سيطرة وفرض سياسة الأمر الواقع على السلطة الفلسطينية، وأمام هذه المعادلة هناك مخاوف إسرائيلية من أن إفشال العملية السلمية وإفشال السلطة الفلسطينية حتما سيؤدي إلى تعظيم مكانة المقاومة الفلسطينية وإعادة التفكير في الانتفاضة الفلسطينية، وتتوقع إسرائيل أن الحركات الجهادية العالمية هذه المرة ستكون صاحبة الراية في المعادلة الجديدة وليست حركة حماس، وانطلاقا من هذه المعادلة فإنها تلوح بضرورة اجتياح غزة على قاعدة الضربة الاستباقية، لكن ثمة عوامل أخرى على قدر كبير من الأهمية تفرض عليها اجتياح غزة .. فما تلك العوامل؟ السلام خيارا تكتيكيا كل التقديرات الإعلامية والاستخبارية والتحليلات السياسية تفيد بأن إسرائيل تجاوزت عقدة الإدارة الأمريكية، بعدما أحكم الجمهوريون قبضتهم على معادلة السياسة الخارجية مقابل السياسة الداخلية للديمقراطيين، وأن إسرائيل سبق لها أن حصلت على ضمانات من الكونجرس لتوريط إدارة أوباما إما بهجوم على المنشآت النووية الإيرانية وإما بهجوم على حزب الله, وهذا مثبت بتقارير أمريكية مخابراتية أوضحت للرئيس أوباما أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حصل على ضوء أخضر من الكونجرس، والسبب أن طبيعة الجيوبولتيك الإسرائيلي وطبيعة الدولة والمجتمع مصممة تصميما عسكريا ولهذا اعتبرت إسرائيل أن السلام بالنسبة لها يعني نهايتها, فهي ليس خيارا استراتيجيا, بل خيار تكتيكي وزمني، خاصة أنها دولة تعيش في أزمة حضارية أزمة تواصل مع المحيط المختلف، وعليه فهي لا تستطيع المكوث ثلاثة أعوام دون حرب خارجية. في هذا التوقيت ثمة عوامل عدة تدفع بإسرائيل نحو الحرب، أولها الدعم الأمريكي غير المحدود ماديا وعسكريا وضمانتها للكونجرس الأمريكي (الجمهوريين)، والضعف السياسي العربي، وتراجع مكانة السلطة الفلسطينية وطروحات حول حلها والصراعات بين قياداتها آخرها تجميد عضوية محمد دحلان بسبب تعرضه للرئيس أبومازن، والانقسامات داخلها، وانعدام المصالحة بين الفرقاء فتح وحماس، وصراع الأجنحة والمصالح الفلسطينية - الفلسطينية وانتقال بعضه إلى المخيمات والوجود الفلسطيني في الخارج, خاصة في الأردن ولبنان والمنافسة فيه بين فتح وحماس، والحضور والتأثير الإيراني، والدور التركي الجديد، والاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية، لدرجة تفكير بريطانيا بالاعتراف بدولة رام الله بعد قرارها رفع درجة التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني، وتراجع الدور المصري، والأزمات الاقتصادية التي يعانيها الأردن، ولهذا تجد إسرائيل أن الحرب قد تسهم في نشوء حقائق جغرافية وسياسية جديدة في المنطقة، وخوف إسرائيل الفعلي من أن ارتداد السلطة الفلسطينية وتراجعها سيؤدي إلى تعزيز مكانة الحركات المتطرفة والراديكالية ليست حماس, إنما حركات الجهاد الإسلامي, وهو ما تروج له إسرائيل من أن غزة باتت مكانا ملائما لاستضافة حركات الجهاد العالمية، وأن هذا السبب الذي سيدعوها ربما لاجتياح غزة كاملة، رغم تأثيرات الرأي العام العالمي في السلوك السياسي الإسرائيلي، لكن إسرائيل تبدو مرغمة من ناحية جغرافية ومرغمة من ناحية تجديد قوتها الداخلية لجعل الحرب سببا في تعزيز مكانتها ووجودها، بديلا عن تفككها السياسي، وتآكل سمعتها الدولية. مخطط لاجتياح غزة عليه تأتي الذكرى الثانية للعدوان الإسرائيلي على غزة في ظل أجواء محرضة على العنف والاجتياح كمخرج للأزمة التي تعيشها الحكومة الإسرائيلية، وأيضا في ظل قناعات إسرائيلية استراتيجية وأمنية بأن الولايات المتحدة في السنوات العشر المقبلة لن تبقى المهيمنة على القرار الدولي، في ظل تراجع في النفوذ الإسرائيلي في أمريكا ومحاولة إسرائيل الساعية لاستبداله بأماكن عالمية حيوية وبخاصة في الصين والهند وروسيا فضلا عن اعتبار علاقتها مع أنقرة استراتيجية. الحديث الإسرائيلي تم كالتالي شيطنة لحركة حماس، ووصفها بالخارجة عن القانون، وهي التي أدت إلى إضعاف وجود شريك فلسطيني استراتيجي يمكن التفاهم معه من أجل السلام، وهي من أدخلت إيران إلى خاصرة إسرائيل الجنوبية، ومخاوفها من أن تصبح بين فكي كماشة شمالا وجنوبا، وحديثها عن وجود تطرف تابع لتنظيم القاعدة بدأ يتعزز في غزة وسيناء، وحديثها عن سلسلة التفجيرات التي تعرضت لها طابا وشرم الشيخ وإيلات والعقبة وأن له صلة بهذه القصة، وقصة الأسلحة والمتفجرات والصواريخ التي تنقل من إيران والصومال واليمن والاتصال مع أفغانستان وباكستان شيء يبدو مركبا لسيناريو يبدو قادما, ولهذا نسمع مثلا نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سلفان شالوم يقول لصحيفة ''هآرتس'' الإسرائيلية في حال قصف الأراضي الإسرائيلية من قبل متطرفين إسلاميين حتما لن تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي، وحتما ستتخذ الإجراءات الرادعة وبكل ما أوتينا من قوة لحماية أمن إسرائيل ومواطنيها، وهذه التصريحات بالطبع ليست حقيقية, إنما تأتي في إطار التمهيد لإيجاد إطار شرعي لحرب تبدو قادمة في الأجواء رغم التنازلات التكتيكية التي تبديها حركة حماس, خاصة تصريحاتها المتناقضة أخيرا حول المقاومة وحول التهدئة مع إسرائيل. القناة العاشرة الإسرائيلية لم تتورع عن وصف التدريبات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في صحراء النقب بأنها تأتي في إطار الاستعدادات الإسرائيلية لحرب ثانية على غزة، وكذلك التغييرات في قيادات الجيش الإسرائيلي في الشمال والجنوب، ونشر العديد من المعلومات التي تحمل الصفة الاستخباراتية بأن المخابرات الأمريكية الـ ''سي آي إيه'' أعطت الإدارة الأمريكية معلومات شبه مؤكدة حول استعدادات إسرائيلية لاجتياح غزة، لكنها قالت إن سبب الاجتياح ليس حركة حماس, إنما لتزايد النشاط الإرهابي لحركات الجهاد العالمية التي بدأت نموها السرطاني في قطاع غزة. بحسب مصادر إعلامية إسرائيلية فإن الحرب على غزة بدأت منذ أشهر تقريبا على شكل تقارير ومعلومات أمنية واستخبارية حول الوضع المخيف في غزة، واحتمالية انتقال الجهاد العالمي في معركة مع إسرائيل انطلاقا من غزة، وأن مسؤولين أمريكيين أكدوا للرئيس أوباما صحة التقارير الاستخبارية الإسرائيلية، ولهذا بررت الـ ''سي آي إيه'' الموقف المصري من إنشاء جدار فاصل مع غزة بسبب تسلل المنظمات الإرهابية إلى قطاع غزة المحاصر منذ ثلاثة أعوام، وهذا يؤكد وجود خشية أمنية مصرية من احتمالية تمدد هذا النشاط ليهدد الأمن الوطني المصري. الإعلام الإسرائيلي يوزع الاتهامات ويبدو لنا أن السيناريو الجديد في هذه اللعبة الإسرائيلية يهدف إلى بذر حالة الشرك السياسي والأمني لدول عربية متهمة بصناعة الإرهاب، كما كان الاتهام السابق لها في العراق، وهو جزء من مخطط إعلامي سياسي إسرائيلي يهدف إلى الإساءة لسمعة العديد من الدول العربية في المحافل الدولية, خاصة بعد عجز إسرائيل عن الرد على المبادرة العربية للسلام، حيث تؤكد التقارير الإسرائيلية وجود عناصر جزائرية وسودانية ومغاربية وخليجية ويمنية في قطاع غزة، وتقول المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية إن هدف هذه الجماعات هو التسلل إلى إسرائيل واختطاف جنود ومسؤولين إسرائيليين وقتلهم، وإن هذا سيؤدي إلى هز صورة إسرائيل الأمنية والعسكرية أمام جنودها ومواطنيها, خاصة بعد إخفاقها في إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. مصادر مقربة من حركة حماس تفيد بأن تعطل التفاهمات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس ناجمة عن ضغوط يمارسها محمد دحلان، أدت هذه الضغوط إلى خروج الخلافات بينه وبين الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى السطح، خاصة أن عباس رئيس دبلوماسي وبيروقراطي، ولا يستسيغ التعامل الصفري في علاقاته مع القوى الفلسطينية وإن اختلف معها، وكانت النية تتجه إلى موافقة حماس على زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى غزة، وجاء ذلك عندما أكد عباس شوقه لزيارة غزة، ويبدو أن ضغوط دحلان كانت تنصب في ضرورة تسلمه الملف الأمني الفلسطيني كاملا أو وزارة الداخلية الفلسطينية، وأن تل أبيب وبعض إدارات الخارجية الأمريكية تدعم تولي دحلان مسؤولية الأجهزة الأمنية الفلسطينية كاملة, والهدف كما ترى مصادر حماس تتمثل في التالي: إن تمكين دحلان من إدارة المؤسسات الأمنية الفلسطينية بهدف إدارة العملية الأمنية في الضفة الغربية لمواجهة أي تطورات للوضع هناك، انطلاقا من تقديرات إسرائيلية وفلسطينية مقربة من دحلان توصلت إلى أن الوضع الأمني يمكن أن ينقلب في الضفة، إضافة إلى احتمال انفجار انتفاضة ثالثة، ما يهدد وجود السلطة. ولهذا يسوق دحلان لمقاربة مفادها أن وجوده في الضفة الغربية يشكل كابحا لكل القوى المتشددة المعادية للسلطة، التي تسعى إلى تقويضها كحركتي حماس والجهاد الإسلامي, إضافة إلى حزب التحرير، أو أي تنظيم جهادي عالمي, وأن توليه إدارة المؤسسات الأمنية يمنحه فرصة غير مسبوقة للتعاطي مع حكومة ''حماس'' في غزة بأسلوب المواجهة، باعتبار أنه يمثل الشرعية الفلسطينية التي تحتم عليه واجب القضاء على ''حماس'' التي تسيطر على قطاع غزة، ويلمح دحلان وجود مباركة أمريكية لخطته باتجاه الاستعداد لاجتياح غزة. الليكود الفلسطيني والليكود الإسرائيلي قد لا يكون ذلك دقيقا لكن إسرائيل وبعض أقطاب السلطة الفلسطينية (الليكود الفلسطيني) لديه أحيانا آراء غريبة جدا، فالبعض يعتقد بضرورة أن تتحمل الدول العربية مسؤولياتها التاريخية نحو فلسطين، وإن لم تتحمل هذه المسؤوليات علينا أن ننقل تأثيرات القضية الفلسطينية وتداعياتها إلى العواصم العربية، ورأينا كيف انقسم الشارع العربي والعالم العربي بين مؤيد لحركة حماس، وبين رافض للغزو الإسرائيلي، وبين من استخدم هذه الحالة والظرف واستثمره للنيل من الدول العربية ومكانتها ودورها المحوري في القضية الفلسطينية والسياسة العربية لمصلحة أجندات خارجية، غير أن هذا الشارع وبعد الحرب البشعة أفاق على نفسه وانفعالاته وتأكد له بالوقائع والأرقام أن من يدفع الضريبة هو الشعب الفلسطيني وسيدفعونها أكثر إن تعرض الموقف السياسي العربي أيضا لأي ضغوط خارجية، أما إسرائيل فلها مبرراتها الكثيرة ليس أقلها أزمتها الداخلية ومخاوفها الكبيرة من اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها