Author

لم يحن الوقت لمراجعة علاقة الريال بالدولار

|
مستشار اقتصادي
أحد أعمدة الاستقرار المالي في المملكة هو الطمأنينة حول صرف الريال مقابل الدولار عند 3.75 منذ 1986. من آن لآخر ترتفع أصوات البعض مطالبة بتعديل سعر الصرف، وعادة ما يكون برفعه مقابل الدولار لتعويض انخفاض الدولار، وبالتالي رفع القيمة الشرائية للريال. تمتد هذه الدعوة أحيانا إلى ربطه بسلة عملات ''تعكس'' نمط العلاقات التجارية للمملكة. بينما يركز آخرون على أن السياسة النقدية في المملكة غير ''مستقلة''؛ بحكم الارتباط بسياسة الدولار النقدية. أرى أنه لم يحن الوقت لإعادة النظر في هذه العلاقة؛ لأسباب فنية وعملية وأخرى اقتصادية ومالية، بل إنه يجب أن نكون مفتوحي الذهن لتخفيض وارد وليس محتملا في المستقبل. جوهريا، تسيطر على الاقتصاد السعودي السياسة المالية وليس نشاطات اقتصادية ذات ترابط وتشابك تجعل من السياسة النقدية العامل المحرك للاقتصاد؛ لذلك فإن الاستقرار المالي كشرط أساسي لبناء اقتصادي يبقى مهما جدا. من هذا المنطلق ليس سعر الصرف أكثر من دالة حسابية نستطيع التعايش معها في ظل منظومة السياسات المالية المعتمدة على أسعار النفط. فالدولار يقوم بما يسميه الاقتصاديون Numairare، حيث يقوم بدور المؤشر أكثر منه ذات مدلول اقتصادي. كما أن الدولار ما زال هو العملة الأهم؛ فحتى مع هذا النمو المؤثر للصين ما زال الاقتصاد الأمريكي أكبر من اقتصاد الصين واليابان وألمانيا مجتمعة. الواضح أن الصين ستسجل نموا كبيرا على مدى السنوات الخمس القادمة على الأقل. اللحاق بالدول المتقدمة أسهل وأوضح، لكن بعد ذلك سوف تصطدم بتحديات كبيرة مثل التركيبة السكانية والأوضاع البيئية وصعوبة النمو كلما تصعد السلم. الجميع يتذكر الحديث عن اليابان في نهاية الثمانينيات قبل توقف الماكينة اليابانية، وقتها صُورت اليابان على أنها سوف تسيطر على العالم إلى أن أصبحت ثالث اقتصاد بعد الصين. ما يهم هنا هو مركزية الاقتصاد الأمريكي وأنماط علاقاتنا التجارية. تجاريا، أهم سلعة هي النفط، والذي يُسعّر بالدولار، وكذلك أغلب المنتجات البتروكيماوية، وبالتالي جُل الصادرات تقوم بالدولار بينما نحو 45 في المائة من الواردات مقوَّم بالدولار أو عملات مرتبطة بالدولار (وهذا يشمل الرنمينبي الصيني المستقر نسبيا)؛ ولذلك الصورة التجارية للمملكة يغلب عليها بحسم الارتباط بالدولار. كما أن هناك تكاليف لرفع الريال، منها أنه سيزيد من تدفقات النقد الأجنبي خارج المملكة، والذي هو في حالة غير مقبولة أصلا. كما أنه سيجعل من المملكة مكانا أكثر جاذبية للعمالة الأجنبية، وبالتالي يُصعّب عملية السعودة. لا شك أننا نعيش في عالم متحرك وقد تتغير الأوضاع، كما أن هناك تكلفة تضخمية في حال انخفاض الدولار بحدة، لكن هذا الاحتمال ليس كبيرا بعد أن تجاوز النظام الأمريكي الصعوبات المالية. كما أن ليس هناك بديل في الأفق، خاصة أن إدارة سلة عملات لم تعف الكويت من التضخم، كذلك قد تقل الثقة من جرّاء التذبذب. الواضح عندي أننا نبحث في المكان الخطأ. فتجد مَن يركز على المؤشر ''سعر الصرف'' وكأنه سبب القصور في السياسات الاقتصادية، فالبطالة وضعف الإنتاجية ونقص القيمة المضافة وإدارة الأراضي وهدر الطاقة ليس لها علاقة بسعر الصرف. الباحث عنها مثل مَن يحاول حل المشكلة بالتركيز على 5 في المائة ويترك البقية للوقت. الأهم حاليا هو التركيز على تعميق الاقتصاد، ثم النظر إلى سعر صرف بعد عدة سنوات.
إنشرها