Author

وقفة.. في مواقف السيارات لمدينة الملك فهد الطبية

|
مع الزحف الميكانيكي للنقل وسيطرة السيارة المفردة عليه، بدا واضحا حاجة المباني لمواقف للسيارات لتستوعب العدد الكبير منها حتى لا تضيق المباني ذرعا بتلك السيارات وتتمكن الشوارع المحيطة من فك اختناقاتها التي امتلأت منها، غير أن مباني المواقف وشكلها المزعج يحتم على المعماري المصمم أن يعمل حلولا تخفي هذه المباني بتصاميم إبداعية مع بداية التخطيط للمبنى، وإذا ما لم تعالج هذه المشكلة من بدايتها فإن المبنى سيصبح في نهاية الأمر نشازا عمرانيا لا يمكن قبوله، ولذا شاهدنا في الآونة الأخيرة أن بعض الجهات بدأت في بناء مواقف للسيارات، لكنها وللأسف كمن يضع العربة قبل الحصان أو كمن يضع عمودا في وسط صالون المجلس وبذا يحطم مبنى المواقف جمال الواجهة التي صممت لتوجيه المبنى بهذا الشكل حتى يستقبل زائريه ويرحب بهم ويستقبلهم بأجمل واجهة رئيسية. إن التصميم المعماري للمباني يستهدف جعل الواجهة الرئيسة هي أهم العناصر المعمارية التي يبذل المخططون خصوصا في المشروعات الكبيرة جهودا مضنية لتوجيه المباني لاستخراج أفضل الزوايا ويعمدون إلى أن يجعلوا الأفق الواسع في البداية ينتهي بالواجهة الرئيسية للمبنى الرئيسي ويزيلوا أي عائق ومبنى يحول دونه إذ هي أهم شيء يجب المحافظة عليه والمواقف في كثير من المشروعات إما أن تكون أسفل المبنى أو تكون بجانبه أو تكون خلفه دون أن تكون أمامه بحال. وإذا ما وقفنا في طريق مكة ولمحنا مدينة الملك فهد الطبية كصرح عمراني كبير نجد أن الكتلة التي خرجت في أفق مدينة الملك فهد الطبية كمواقف للسيارات قد تسببت في إخفاء جمال المدخل الرئيس للمبنى وغطت معالم الواجهة للمباني التي كانت ترى من طريق مكة، ولا شك أن حاجة المدينة إلى مواقف بحجم مدينة هي ما دفع إلى بناء ذلك المبنى، لكن أعتقد أن السبب الذي أدى إلى اختفاء الواجهة هو ارتفاع ذلك المبنى عن المستوى الذي صمم له، إذ لا يمكن أبدا للمعماري المخطط أن يضيف كتلة بهذا الحجم في مدخل المستشفى، فربما كان التصميم من دور واحد للمواقف ولكن التنفيذ أصبح متعدد الأدوار فكانت النتيجة أن المبنى تسبب في إخفاء المباني الرئيسية التي خلفه. وفي أغلب المشروعات الحيوية والمباني العالية توضع المواقف خلف المبنى لا أمامه، حيث يسهل على الموظفين والزوار أن يلتفوا بالسيارات للذهاب إلى ذلك المبنى والوقوف فيه، أما إذا ما دعت الحاجة إلى أن يكون المبنى أمام أو بجانب المبنى الرئيس فإن لا مناص من أن تختفي معالم كونه مواقف سيارات ولا بد أن يصبح بقدر الجمال الذي تحويه الواجهة الرئيسة، كما هو الحال في مواقف السيارات لوزارة الداخلية، حيث إن المبنى على طريق الملك فهد تمت معالجة الواجهات لمبنى المواقف بطريقة جميلة وبما يوحي لك أن المبنى هو امتداد للمبنى الرئيس. إن مشكلة المواقف في كثير من المشروعات الحيوية اليوم لها أبعادها الكثيرة، إذ تبدو السيارات حتى الآن هي الوسيلة الوحيدة للنقل في مدن المملكة، حيث لم يبن بعد النقل العام بشكله المريح والصحيح الذي يمكن لكثير من الناس أن يتخلوا عن السيارة كوسيلة نقل، كما أن طبيعة المجتمع الاجتماعية والروابط القوية له تجعل من بعض المباني تعيش مشكلة في حال تدفق أعداد هائلة لذلك المبنى كالمستشفى مثلا، حيث إن زوار المستشفى أضعاف ما هو موجود في الدراسات القياسية لمواقف المستشفيات في العالم وهذا ما يجعل هناك حاجة إلى إيجاد بدائل تخفف من استخدام الناس للسيارات بدل أن تمتلئ مشاريعنا الحيوية بمبان للسيارات، كما تبدو الحاجة أيضا إلى دراسة إعداد المواقف في كثير من المشروعات بغية أن تصل قبل التنفيذ إلى المعدلات الصحيحة التي تخص المملكة، إذ إن عدم وجود النقل العام قد ضاعف أعداد المواقف التي يحتاج إليها في المعدل العام وهو ما يجعل المعدلات القياسية مختلفة نوعا ما لمشروعات مماثلة. والمشكلة كما ذكرت لها أبعاد متعددة، فلو أن عدد السيارات قل إلى النصف من خلال نظم تحد من تملك العمالة للسيارات المتهالكة بعد بناء نقل عام نظيف ومريح لأصبحت حاجة المباني إلى مواقف أقل من النصف ولأصبح بناء مبنى المواقف لمدينة الملك فهد الطبية دورا واحدا بدلا من أربعة أدوار وعندها يمكن أن نرى جمال المبنى الذي اختفى.
إنشرها