Author

إدارة المعرفة وبناء الاقتصاد المعرفي

|
يمكن النظر إلى ''المعرفة'' على أنها القدرة على التصرف، وهي بلا شك ملكة إنسانية تتميز بالحيوية والخصوصية، وتختلف بذلك عن ''البيانات'' التي هي رموز منفصلة وغير منظمة، كما تختلف عن ''المعلومات'' التي هي وسيط للتواصل بوضوح، وهي من الأصول الأكثر أهمية والأقل استغلالاً في كثير من المجتمعات. ويمكن تعريف ''إدارة المعرفة'' في ضوء ذلك، على أنها الممارسات التي تساعد على إنشاء، وتحديث، ونشر، واستخدام المعرفة، وتحفيز الناس على تحسين قدراتهم على التصرف ومشاركة ذلك مع الآخرين. وتتميز إدارة المعرفة عن إدارة المعلومات في أن إدارة المعلومات وتطبيقاتها الشائعة باستخدام تقنيات ونظم المعلومات تهتم بالوثائق وكيفية الوصول إليها، وتقنيات التعامل معها، وأمنها، وتخزينها، وتوفيرها، بينما تهتم إدارة المعرفة بالجانب الإنساني، حيث تركز على إنشاء بيئة وممارسات تساعد على تفعيل دور المعرفة لترويج التعلم، والابتكار، والإبداع بين الأفراد. أصبحت إدارة المعرفة اليوم من الممارسات الشائعة عالمياً، حيث يحرص كثير من الشركات الكبرى والمؤسسات الحكومية على وضع استراتيجيات وتنفيذ مبادرات وبرامج مستمرة لإدارة المعرفة، وعادة ما يكون ذلك ضمن استراتيجية عمل الشركة أو المؤسسة الحكومية، وتتركز أهداف إدارة المعرفة في الغالب على تحسين الأداء، وتحقيق الأفضلية التنافسية، وتشجيع الابتكار، والتطوير المستمر للقدرات. لذلك تعد إدارة المعرفة من المتطلبات المهمة لبناء الاقتصاد المعرفي الذي يعتمد على قدرة الأفراد على إنتاج المعرفة ونشرها واستخدامها بكفاءة وفعالية للابتكار والإبداع وتوليد الأفكار والمنتجات الجديدة لتحقيق التنمية والرفاهية للمجتمع. يقول آيكوجيرو نوناكا Ikujiro Nonaka في مقالته عن الشركات المبتكرة للمعرفة المنشورة عام 1991م في دورية ''هارفارد بزنس ريفيو'' Harvard Business Review أن مصدر نجاح الشركات اليابانية هو قدرتها على ابتكار معرفة جديدة واستخدامها لإنتاج منتجات وتقنيات ناجحة، وهو ما يعرف بالقدرة على الابتكار التي هي إحدى الركائز الرئيسة لبناء الاقتصاد المعرفي. وإلى جانب كونها إحدى متطلبات بناء الاقتصاد المعرفي، فإن هناك فوائد كبرى يمكن تحقيقها من تبني مبادرات إدارة المعرفة في مؤسساتنا الحكومية لعل من أهمها ما يلي: ـــ الاستفادة من المعرفة المتراكمة لدى الموظفين أصحاب الخبرات. ـــ إنشاء رأسمال معرفي وحفظ وتطوير ذاكرة للمؤسسة. ـــ الاستفادة من الدروس والخبرات والمعرفة السابقة في ابتكار ممارسات وإجراءات عمل أكثر فاعلية. ـــ تجنب التكرار وتقليل الأخطاء والتكاليف والتخلص من الإجراءات غير المجدية. ـــ تقليص الوقت اللازم لتدريب وتأهيل الموظفين الجدد. ـــ تطوير قدرة المؤسسة المعرفية وتوظيفها للتأقلم مع التغيرات في بيئة ومتطلبات العمل. لا شك أن هناك قصورا كبيرا في إدارة المعرفة في مؤسساتنا الحكومية، حيث سبق أن أشارت خطة التنمية التاسعة إلى وجود عدد من القضايا والتحديات التي تواجه إدارة المعرفة في الدولة تتطلب المعالجة العاجلة لتجاوزها، ووفق توصيات البنك الدولي، فإن الطريق إلى ذلك يتطلب نشر الوعي عن فكر ومبادئ وأهداف وأدوات وممارسات إدارة المعرفة في المؤسسات الحكومية، وتنفيذ برامج لبناء مهارات وقدرات المؤسسات الحكومية لاستخدام أدوات وتطبيق ممارسات إدارة المعرفة، ومن ثم تمكين المؤسسات الحكومية من تطوير وتنفيذ مبادرات لإدارة المعرفة وفق احتياجاتها المحددة. إدارة المعرفة ليست سلسلة من الإجراءات التي يمكن تطبيقها أو تضمينها بسهولة في نشاطات المؤسسة، بل هي تحول جذري في بيئة العمل، وتتطلب تغييرا عميقا في سلوكيات العمل والثقافة المحلية السائدة في المؤسسات الحكومية، ويجب ألا ينظر إليها بأقل من ذلك.
إنشرها