Author

العمل بين الروتين والحوافز

|
ينطلق من منزله في وقت مبكر ضماناً لوصوله لمقر العمل في الوقت المحدد، يقبل على عمله وهو مبتسم، يتحدث مع زملاء العمل ومع زبائن العمل بروح إنسانية، وبتواضع جم، يسعد أنه يقدم خدمة لهذا كي يبدأ خدمة لزبون آخر، وهكذا هو ديدنه طوال يوم العمل، وعلى مدى الأسبوع، موظف آخر يخرج من منزله متجهاً للعمل في وقت متأخر ليصل بعد بدء العمل وبوقت طويل, يتثاءب طوال يومه, وكأنه قد مرت عليه أيام لم ينم, يتحدث إليه زملاؤه, ويحيونه, ويحييهم بتثاقل، ويتعامل تعاملاً سيئاً معهم، لا يعرف سبيلاً إلى اللطافة، ولا ينجز عمله بالصورة المناسبة، يؤخر المهمات حتى يفقد الزبائن الأمل في إنجاز ما جاءوا من أجله. نموذجان من العاملين في المؤسسات العامة, أو الخاصة يتكرر ملاحظة وجودهما، ويكثر الحديث عنهما في المجالس, والمنتديات, ويتساءل الناس لماذا هذان الشخصان مختلفان رغم انتمائها لبيئة عمل واحدة، وخضوعها لنظام واحد؟ سؤال منطقي يحتاج إلى إجابة عنه. السر في مثل هذه الحالة المتكررة يمكن أن يكون من خلال مفهوم الحوافز سواء كانت مادية, أو معنوية, وسواء كانت ذاتية أي من داخل الفرد نفسه, أو من خارج الفرد, وتصدر من رئيسه, أو من بيئة عمله. حب العمل, والتفاني من أجله، وقضاء وقت طويل في مكان العمل, وبين الزملاء، والإنجاز في الوقت المناسب, وبالصورة المطلوبة مؤشرات على الحوافز الداخلية التي تجعل من الموظف, أو العامل يجد ذاته في عمله يحس بالرضا، والطمأنينة, ينجذب بكل أريحية للقيام بالمهمات الموكلة إليه, ومثله في ذلك مثل الحصان الذي يبحث عن الماء ليروي عطشه دون أن يقوده أحد، والإنجاز بالنسبة له سعادة ونجاح بينما الزميل الآخر لا يجد ذاته في العمل, ولذا فهو حتى وإن قاده النظام نحو مكان العمل إلا أنه لا يعمل, ولا يتفاعل, ولذا ينعدم إنجازه وإن وجد له إنجاز فهو في صورة سيئة, وغير جيدة. الحوافز الداخلية لا شك أنها الأفضل لكن لا يمكن ضمان توافرها عند جميع العاملين, ولذا لا بد من توظيف الحوافز الخارجية التي تأتي من الرئيس، أو من بيئة العمل العامة بما فيها من إمكانيات, أو مغريات تشجع على العمل بروح، والإنجاز حسب ما هو مفترض. الرئيس في المصنع, أو الشركة, أو في الإدارة الحكومية يمكنه أن يغير حالة الركود التي يلاحظها على بعض موظفيه, وذلك بجعل بيئة العمل أكثر جاذبية, وإغراءً من خلال تعامل حسن، وكلمة طيبة، وتدعيم إيجابي يحدث طاقة, وحيوية لدى من يلاحظ عليه الكسل, والخمول، وقلة الإنتاج, والعدل بين الموظفين, وعدم التمييز بينهم لأي سبب آخر عدا الإنجاز, والإخلاص في العمل يمثل حافزاً لكثير من الموظفين والعاملين, وعلى العكس من ذلك إن شعروا بالتحيز, والتمييز فلا شك أن النتيجة ستكون سلبية, وسينعكس ذلك على سلوك الموظف, وعطائه. إشباع حاجات العاملين ركن أساس في توظيف الحوافز لدى الموظفين, والحاجات قد تكون نفسية, أو مادية, أو اجتماعية, وما لم يجد الموظف إشباعا لهذه الحاجات, أو أي واحدة منها فلا شك أن الخلل سيكون هو الظاهر في بيئة العمل. إذا كان تحقيق الذات من خلال بيئة العمل يمثل حاجة أساسية فما من شك أن التطور الوظيفي, ووجود أفق واضح, ومحدد للترقي الوظيفي سيحقق إشباعا لأن الترقي يزيد من المنافع المادية, كما يعطي المترقي دعماً معنوياً هو بأمس الحاجة إليه أمام أسرته, وأبنائه, وزملاء العمل, والأصدقاء. نوع, وطبيعة العمل يمثل حافزاً غير مباشر للإنجاز, والعطاء, والتفاني في بيئة العمل, وذلك لأن التصنيف الاجتماعي للأعمال, والمهن له شأنه في الفرد ذاته, ولذا لا غرابة أن نرى انصراف البعض عن مهن, أو انكبابهم على مهن أخرى, كما أن نوع المهنة يتضح أثره على العامل, أو الموظف إذ لو كانت الوظيفة غير جذابة لظهر أثر ذلك في سلوك الموظف الذي يحس بالنفور, والرفض لهذه المهنة التي يشعر بمشاعر سلبية نحوها تجعله يشعر بالإكراه, وهو يؤدي دوره المفترض منه. إن سمعة, ومكانة مجال العمل الاجتماعية تمثل حافزاً مهماً لدى الكثيرين, ولذا نجد البعض يكثر من ذكر جهة عمله أمام معارفه, وفي مجالسه, ويشعر بالفخر, والاعتزاز بهذا الانتماء, بينما آخرون يحجمون عن ذكر وظائفهم أو أعمالهم. الرئيس أو المدير يمثل مفتاح الحوافز في بيئة العمل فإن أدرك قيمة, وأهمية الحوافز سيسعى جاهداً لتوظيفها بغرض تحفيز العاملين معه, والعمل كفريق واحد يتفانى في خدمة الجهة التي يعمل بها, كما أن استثمار الحوافز يحدث اتجاهات إيجابية يترتب عليها الشعور بالالتزام, والانتماء, ومن ثم الحماس, وهذه كلها تمثل معادلة النجاح في العمل, أما إن فرط الرئيس, أو المدير بالحوافز فإن العمل سيتحول إلى روتين قاتل يتمنى العاملون لحظة الخروج من المكان.
إنشرها