Author

تجارة التجزئة .. الوضع في خطر!

|
■ المشاريع والبرامج التي عملت في السنوات العشر الماضية على إدخال السعوديين إلى قطاع تجارة التجزئة عبر ما يُعرف بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة أغلبها (فشل) بشكل تام، أو هو متعثر وفي طريقه إلى الفشل، وأغلب الأموال التي صُرفت إذا لم نستفد منها لتوليد جيل جديد من التجار العصاميين، نرجو أن نعتبرها ثمنا لدرس يُفترض أن نتعلم منه: لماذا السعوديون الآن يفشلون في تجارة التجزئة؟ في السابق كانت المحال الصغيرة منطلق الكثير من البيوت التجارية العريقة المعروفة، ولكن الآن لن نجد سعوديا عصاميا يخرج من بقالة، أو ورشة، أو من أي شكل لتجارة التجزئة الصغيرة، فقد ضاعت من السعوديين، وشكرا للسياسات الحكومية التي فشلت في معرفة هذا القطاع، ومدى الفرص الكبيرة التي يوفرها للسعوديين، فهذا القطاع يتيح ما هو أهم من الوظيفة، إنه يتيح إيجاد التجار، ويعظم تدوير الثروة الوطنية، ومعظم تحويلات العاملين في السعودية التي تتجاوز (120) مائة وعشرين مليار ريال سنويا مصدرها القطاع المهمل. لقد فشلت الأجهزة الحكومية المعنية بالشأن التجاري والاقتصادي في دراسة هذا القطاع، ومن يبحث عن الأرقام والدراسات الواسعة والمعمقة عن تجارة التجزئة لن يجد ما يفيد، حتى الجامعات - مع الأسف - لم تلتفت لهذا القطاع، وأيضا المجلس الاقتصادي الأعلى يبدو أنه حتى الآن غير مدرك أهمية القطاع، فلم نلمس منه ما يشير إلى أية خطوة أو مبادرة. ثمة قناعة تتبلور الآن لدى المهتمين بقضايا اقتصاديات العمل بأن موجة البطالة القادمة في مجتمعنا لن تتمكن الحكومة من مواجهتها، والحد من أخطارها إلا عبر إعادة ترتيب أوضاع تجارة التجزئة، أي أن تبدأ بخطوات حاسمة وجريئة ومؤلمة لإدخال السعوديين في هذا القطاع، وإنهاء سيطرة العمالة الوافدة التي تديره عبر التستر التجاري. علينا أن نعترف بكل صدق مع النفس بأن سياسات السعودة في السنوات الماضية فشلت، ولم تعد آلياتها كافية (إذا افترضنا وجود آليات) بحيث تلبي الطفرة في نمو الموارد البشرية الوطنية، فالشركات الكبرى والمتوسطة أدمنت على العمالة الرخيصة، وثبتت جدوى مشاريعها وخطط تشغيلها على هذا الجانب، ولن تتراجع بسهولة، وستجد الطرق النظامية وغير النظامية للالتفاف على برنامج السعودة. الذي يفيدنا الآن ومستقبلا هو التركيز على إعادة ترتيب تجارة التجزئة، فوضعها السلبي يتفاقم الآن مع التوسع في منح التراخيص للمشروعات الصغيرة تحت (مظلة الاستثمار الأجنبي)، فهذا الجانب إذا لم نتداركه سوف يصعِّب مهمة الحكومة في الإصلاح، لأنه سيطرح البعد الدولي ويدخلنا في أزمات مع الدول التي ستتدخل عبر المواجهة أو المساومة أو الابتزاز لدعم ملاك المشروعات من مواطنيها. أيضا هناك فوائد عديدة لترتيب تجارة التجزئة، فالمحال الصغيرة رفعت التكلفة على صيانة المدن وتشغيلها، ورفعت حجم استهلاك منتجات الطاقة، وهي مصدر لتوزيع المنتجات المغشوشة والمقلدة والفاسدة، ومصدر مهم لغسل الأموال لعدم وجود الضوابط المالية والمحاسبية على التدفقات النقدية. طبعا هذه بعض المآسي والسلبيات، والمطلعون على أوضاع هذه التجارة يعرفون الكثير، والآن بدأنا نلمس أن تجارة التجزئة أصبحت مصدر قلق وطني، ولكن هذا القلق يتم تداوله في الجلسات الخاصة والمغلقة.. وما نرجوه هو أن يصل هذا القلق إلى مراكز صناعة القرار الوطني، فنحن مجتمع ودولة في خطر من تدهور هذا القطاع!
إنشرها