Author

الكرة والسياسة

|
لماذا وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرار فوز قطر بتنظيم كأس العالم لعام 2022 بأنه سيئ؟! هل اختلطت السياسة بكرة القدم وصار مقبولا أن تتدحرج السياسة كما تشاء فيما ينبغي للكرة التي من طبيعتها التدحرج أن تقف على زاوية حادة على أرض العم سام فحسب؟ لكن، بفتح النظر على ما قاله سيد البيت الأبيض، وليس غضه.. ما الذي دار في خلد الرئيس أوباما ودفعه ليقول ما قاله؟ أتراها زلة لسان كما قال رئيس وزراء قطر في معرض تعليقه الدبلوماسي على رأي أوباما؟ ليس من المعقول ولا من المنطق أن يكون أوباما في موضع زلة لسان في حدث كهذا، تابعه وفكر فيه وفي العبارات التي ينبغي له أن يقولها، خصوصا وقد اشتهر عنه بأنه خطيب مفوه، ما يعني أن هناك مزاجا رئاسيا أنطق السيد الرئيس لكي يشتري به عواطف جمهور الشعب الأمريكي الذي لا شك أنه كان يتطلع بثقة لأن تكون دولته العظمى هي المضيفة وليست الدولة الصغرى. المزاج الرئاسي هو محامي الدفاع عن مكون الكثافة الحضارية العلمية التقنية الفائقة إلى جانب القوة الاقتصادية والعسكرية الهائلة والدور السياسي الكوني معها. فالرجل يحس بزهو قوة عظمى كان يقال إنها فريدة، لكنه يحس في الوقت نفسه بحرج تضعضع هذه القوة أمام نهوض الصين وعودة روسيا وتنامي الهند ودول آسيوية أخرى. فما الحال بأن يكون العرب؟! أوباما في موقف الارتباك إزاء سمعة دولة دوي حضورها ووهج وجودها سيطر على سدة المجد لأكثر من قرن ونصف بجانب سمعة لاحقة تهاوى فيها معمار اقتصادها الهائل وغرقت مؤسساتها المالية ومصارفها وبنوكها وكبرى شركاتها في طوفان أزمة من صنع أياديها.. فقد الألوف وظائفهم وارتفع رقم البطالة إلى حد كبير ومعها نسبة الفقراء وخسر الكثيرون بيوتهم ونام عديد منهم في العراء وزاد الطين بلة فوز الجمهوريين الغالب في المجلسين النواب والشيوخ، وبات وعده بتخفيض الضرائب، وبرنامجه للضمان الصحي في مهب الريح. هذا في الداخل، أما في الخارج، فالجيش الأمريكي بالكاد يلعق جراحه في العراق وأفغانستان وباكستان، وأزمة طاحنة في البحر الكوري وأزمة مقلقة مع إيران ونفاد حيلة واستخذاء أمام تعنت حكومة نتن ياهو العنصرية في إسرائيل جعلت من المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وبين إسرائيل فشلا في فشل. وتم لحس كل الحديث عن السلام والكلمات المعسولة للسيد الرئيس في خطابه في القاهرة!! لا شك أن حجم وكم تعقيدات الإرث الإمبراطوري الأمريكي حصاده مر وطعمه حصرم ولا يبدو في الأفق ما يخفف من ضغط هذا الحجم والكم من الإرث الثقيل، ولا يبدو أن رياح مصيره السياسي إلا وأنها تهب عكس ما تشتهيه سفنه؛ ولذا.. فهو لا يقوى على التفريط في بارقة أمل إنقاذ سمعته من خلال إنقاذ سمعة أمريكا؛ لذلك تدثر بالعلم الأمريكي، جعل من لحظة رسوب أمريكا في امتحان تنظيم دورة كأس العالم سنة 2022 مرافعة عن علم الفيدرالية الأمريكية بنجومه الخمسين، وبدلا من أن يشيد بعظمة بلاده مباشرة اختار الذم بما يشبه المدح أو بالتورية، أساء للآخر ليحفظ لنفسه المكانة من خلال الإيحاء الفاقع اللون بأن الولايات المتحدة هي الأحق ليبدو في عيون شعبه مملوءا بالحمية والغيرة عليها.. وليكون أشبه ببطل تراجيدي في مرافعة أسطورية لواحدة من مسرحيات سوفو كليز أو يوربديز على مسرح أثينا القديمة.
إنشرها