Author

حالة تطرف في التدويل الاقتصادي.. قطر وأبو ظبي

|
مستشار اقتصادي
في حالة نجاح فريدة وبناء على حاجة موضوعية استطاعت دبي أن تكون مركزا خدميا للمنطقة، مراهنة على محدودية النماذج الاقتصادية المأخوذ بها في الدول الرئيسة في المنطقة، مثل: إيران والعراق والمملكة وحتى باكستان والهند في مرحلة معينة. نموذج دبي الناجح أدخل الكثير في حالة من الحرج. السياسة أو الاختلاف الموضوعي للدول الكبرى أبعدها عن المقارنة بدبي، ولكن الأقرب جغرافيا كانت أبو ظبي وقطر. فأصبحت دبي هاجسا بعد أن رفعت السقف في المنطقة وأصبحت مثالا على إمكانية الاختراق التنموي في المنطقة. جمعت الجغرافيا والتركيبة السكانية المشابهة وتوافر المال ورغبة النخبة الحاكمة، وليس بالضرورة الشعبية، في الطموح بالتنافس مع دبي. فأخذت قطر وأبو ظبي قراراً حاسماً باستغلال الميزات النسبية لديهما للحاق بدبي؛ هذه الميزات النسبية هي توافر المال الذي يعمل على استبعاد وتعليق المنطق الاقتصادي، وقلة السكان التي تمكّن النخبة من تفادي أي أولويات مع السكان. فبينما في دبي هناك قلة موارد مالية لقلة النفط والمبادرة منذ عقود على التمركز خدمياً تجد نموذج قطر وأبو ظبي يبدأ من رغبة في تنمية مادية مبنية على توافر المال ورغبة النخبة فقط. فالخيار في قطر وأبو ظبي كان بين الاستغلال التدريجي لهذه الثروات، وبالتالي قصر المصلحة الريعية على السكان المحليين لمدة طويلة من ناحية، وبين الزج بالبلاد في بناء مادي محموم والاعتماد شبه الكلي على الأيدي العاملة الأجنبية والمخاطرة حتى بالهوية.. فأكثر من 95 في المائة من الأيدي العاملة في القطاع الخاص، وجزء مؤثر في القطاع العام من غير المواطنين، خاصة أن هذه الدول تأخذ بسياسة السوق في إدارة اقتصادياتها، وبالتالي هناك تناقض صارخ بين تنميه المواطن وضآلة دوره في المدى المتوسط وحتى البعيد. المنطق الاقتصادي لإدارة اقتصاد ريعي صغير هو التوازن في استغلال الثروة لتطوير الطاقات البشرية تدريجياً ـــ بمعنى الحفاظ على دولة الرفاه لأطول مدة ممكنة وتفادي حالة الذوبان السكاني والمخاطر المترتبة عليه مستقبلاً، ولكن رغبة النخبة طغت على أي منطق اقتصادي وتصور اجتماعي. الخيار الأفضل هو قبول حقيقة واقع الحظ في استغلال منظم وتدريجي لهذه الأموال والاعتماد على تنسيق استراتيجي مع المملكة لتأمين منظومة استراتيجية متكاملة أمنياً واقتصادياً. هذا من الناحية المثالية، ولكن رغبات النخبة تغلب دائماً في المجتمعات العربية ذات المحتوى العاطفي الكبير. يتضح ذلك في عدم الرغبة في مناقشة البُعد السكاني أو التساؤل حول الخيار التنموي، هذا عن البُعد الاستراتيجي، أما على واقع البُعد الإداري، فعلى سبيل المثال اختارت شركة صناعات قطر الاعتماد على الشركات الأجنبية في التسويق، بعكس "سابك" التي طوّرت قنوات وخبرة في البيع، وكان الأجدر التنسيق مع شركة سابك كأقوى شركة في المنطقة، وكذلك اختارت شركة كيماويات في أبو ظبي تحدي اقتصاديات الصناعة، دون غاز يكفي كلقيم، بالتوسع بدعم حكومي غير اقتصادي مكلف لتوظيف عدة مئات من الأجانب، ثم القول إن لدى أبو ظبي أكبر مجمع بتروكيماويات في العالم. وكلاهما يريد أن يصبح مركزا ثقافيا وترفيهيا وأكاديميا. هناك بون شاسع بين اعتناق العولمة وتعظيم الاستفادة منها وبين تدويل اقتصاديات هذه التجمعات السكانية الصغيرة. كان الأحرى أن نجعل من دبي مركزا خدميا للمنطقة، ومن المملكة مركز ثقل اقتصاديا لخير المنطقة أيضا.
إنشرها