Author

اليوم العالمي للمعاقين ـــ حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.. الآمال والأعمال

|
بصفة عامة - يعرف الأشخاص ذوو الإعاقة (المعاقين) بأنهم ''أولئك الأشخاص الذين لديهم اعتلالات طويلة المدى- جسدية، عقلية، ذهنية أو حواسية تمنعهم من المشاركة الكاملة في المجتمع''. وانطلاقاً من هذا التعريف استرعى الاحتفاء باليوم العالمي للمعاقين منذ عام 1981 انتباه العالم إلى الجوانب السلبية التي تؤثر في هؤلاء الأشخاص في عام 1981. وعلى مر السنوات صُححت المفاهيم والنظرة الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة، وترسخت مفاهيم الإعاقة على أسس سليمة تتيح لهؤلاء الأشخاص مجالات الرعاية والتأهيل والعمل، ومن ثم المشاركة في الحياة المعيشية كأقرانهم من أفراد المجتمع، ما أمكن ذلك. ومرات ومرات.. يأتي الاحتفاء باليوم العالمي للمعاقين، ليؤكد المساواة في الحقوق والواجبات بين هؤلاء الأشخاص وأقرانهم، ويُلقي الضوء على الحاجة إلى تحقيق المستوى المطلوب من الرعاية والتأهيل والعمل، ودعم الانتقال من الاستبعاد إلى الاحتواء والمساواة والإحاطة بالعوائق التي تقف بين الأشخاص ذوي الإعاقة، ودمجهم في المجتمع، وتمكينهم من المشاركة في التنمية والتطوير. ومع تطور المجتمعات المدنية، يتزايد الاهتمام بالمعوقين ورعايتهم، وتحديد مسببات العوامل ذات العلاقة بالإعاقة، ومن ثم رسم خطط الوقاية والعناية والرعاية وتنمية القدرات- سواء كان ذلك على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو العالمي – يوم بعد يوم مع إدراك حجم مشكلة الإعاقة في مختلف أنحاء العالم. ويعتبر مستوى الرعاية وتأهيل المعوقين أحد مقاييس التقدم في المجالات الإنسانية والرقي الحضاري للشعوب، والتطلع إلى مستقبل واعد لأبنائها بمختلف فئاتهم وقدراتهم الجسمية والعقلية. وبعد 25 عاماً من البدء بالاحتفال باليوم العالمي للمعاقين تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في كانون الأول (ديسمبر) 2006، وفي آذار (مارس) من عام 2007 فتح المجال للدول الأعضاء لتوقيع الاتفاقية والبرتوكول الاختياري، والتي استغرق إعدادها ثلاث سنوات من المفاوضات بين المجتمعات المدنية، الحكومات، ومؤسسات وجمعيات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية والتأكيد على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، وحقهم في الحصول على العدالة والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، والتعليم، والتوظيف، والحماية من التعذيب والعنف وحرية الحركة، ولتجسد حقوقهم– في مختلف الجوانب المعيشية على قدم المساواة بأقرانهم الآخرين في المجتمع، وتظهر الحقوق الخاصة بالمرأة والطفل والجوانب التي على الدولة العناية بها كجمع المعلومات والتوعية والتعاون الدولي. وقد صادقت المملكة العربية السعودية على الاتفاقية وبرتوكولها الاختياري بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 149 وتاريخ 21/5/1429هـ. وللقطاع الخاص مساهمات مشكورة في دفع عجلة تعليم وتأهيل المعوقين في بلادنا، فتجسدت هذه التوجهات الإنسانية النبيلة في إنشاء الجمعية السعودية الخيرية لرعاية وتأهيل الأطفال المعوقين (جمعية الأطفال المعوقين حالياً)، والتي أقامت بدورها مراكز لرعاية وتأهيل الأطفال المعوقين في بعض مناطق المملكة، وتعني هذه المركز بالأطفال المعوقين جسدياً الذين لديهم إعاقة عقلية بسيطة لا تحول دون استفادتهم من الخدمات التأهيلية والتعليمية التي تقدمها تلك المراكز، التي يتم التوسع في إنشائها في مختلف مناطق المملكة باطراد. كما أنشئت الجمعية الخيرية لرعاية وتأهيل المعوقين في المنطقة الشرقية بدعم من القطاع الخاص، فضلاً عن إنشاء جمعيات ومراكز ودور رعاية وتأهيل من قبل القطاع الخاص في مناطق عدة في المملكة، حيث كان إنشاء أول مركز تابع للجهات الأهلية عام 1397هـ، ثم ازدهرت هذه المراكز وازداد عددها حتى وصل في عام 1420هـ إلى 19 مركزاً أهلياً للرعاية والتأهيل تقدم خدماتها للمعوقين بمختلف مدن ومراكز وقرى المملكة، ولا تزال جهود الوقاية والرعاية تنمو باطراد– كماً ونوعاًـــ، ولا يكاد يمر يوم إلا ويتم الإعلان عن مبادرة أو نشاط أو برنامج أو جمعية أو فروع لجمعية، تضاف إلى حلقات الرعاية والتأهيل، وخدمات الأشخاص ذوي الإعاقة الوقائية والمجتمعية، فهذه خدمات وزارة الشؤون الاجتماعية المتنوعة لخدمة جميع الفئات وجمعيات أهلية وخيرية منها جمعية الأطفال المعوقين بفروعها العشرة في مختلف مناطق المملكة أنموذجا لجهود المجتمع المدني، إلى جانب جمعيات ومؤسسات خيرية عديدة تدعمها الحكومة والمجتمع.. لا تزال تترى وتتلاحق للمشاركة في خدمات الوقاية والرعاية والتأهيل والتوظيف المتعددة والمتباينة، التي تتناغم مع احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة في المملكة.. ويأتي مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة ليثري المعرفة، ويستجلي أوجه الأسباب والمسببات للإعاقة، ووسائل مكافحتها والحد من آثارها، من خلال البحث العلمي في مختلف مجالات الإعاقة وإرساء قواعد الخدمات على أسس علمية موثقة تثري المعرفة، وتدعم جهود الوقاية والرعاية والتأهيل، وتبنى المركز مشاريع بحثية وطنية وأساسية تُعنى بمعرفة حجم المشكلة، وأنماطها، وتوزيعها بمختلف مناطق المملكة، والمسح الصحي للمواليد والمكونات الوراثية والبيئية للإعاقة، وتسهيل سبل الحياة المعيشية للأشخاص ذوي الإعاقة، وكذلك معرفة الخدمات المقدمة والمحتاجة من قبل الأطفال المعوقين، وصولاً إلى إظهار تقديم الرعاية المثلى لهذه الفئة من المواطنين، وتتكامل جهود المركز مع كراسي البحث ودور البحث العلمي في الجامعات والمستشفيات والمؤسسات ذات الصلة، وفي المجال الخدمي، ظهرت معاهد التربية الخاصة في المملكة مع بداية الستينيات الميلادية عندما أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، حينما كان وزيراً للمعارف قراراه التاريخي رقم 294 وتاريخ 1/2/1380هـ بضم معهد النور الليلي إلى وزارة المعارف، واعتباره معهداً نهارياً يسير فوق منهج المرحلة الابتدائية، وقد حمل اسم (معهد النور للمكفوفين في الرياض)، فكان نواة لمعاهد التربية الخاصة للمكفوفين، والصم، والمتخلفين عقلياً، والتي أخذت في الظهور والانتشار في مختلف أنحاء المملكة، وبذلك أخذت وزارة المعارف على عاتقها تربية وتعليم هذه الفئات من البنين والبنات حتى عام 1413هـ، حيث صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (131) في 13/10/1413هـ القاضي بإسناد مسؤولية التعليم الخاص للبنات إلى الرئاسة العامة لتعليم البنات، وأخيراً أصبحت وزارة التربية والتعليم ـــ المعارف سابقاً ـــ الجهة المعنية بتربية وتعليم المعاقين بعد ضم الرئاسة العامة إليها في عام 1423هـ. وفي الجانب التأهيلي، قامت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بأول خطوة في هذا المجال عام 1390، حينما أنشأت الوزارة وحدة للتأهيل المهني للمعوقين في مركز الخدمة الاجتماعية في الرياض، وفي عام 1394هـ، تم افتتاح أول مركز للتأهيل المهني للمعوقين في الرياض، ثم صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 715 وتاريخ 13/5/1394هـ الذي وضع أساسات خدمات المعوقين في المملكة، ثم لائحة لبرامج تأهيل المعوقين بالقرار رقم 1355 وتاريخ 17/9/1394هـ ثم صدرت اللائحة الأساسية الثانية التي عدلت بعض بنود اللائحة الأولى، وذلك بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم 34 الذي اشتمل على اللائحة الأساسية لبرامج التأهيل المعمول بها حالياً تبعها قرارات إلحاقية عدلت بعض بنودها، وأخيراً صدر نظام رعاية المعوقين بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م/37)، وتاريخ 23/9/1421هـ ليرسي قواعد الرعاية والتأهيل والعمل والمشاركة المجتمعية للأشخاص ذوي الإعاقة في السعودية. وفي مجال الرعاية الصحية تقوم وزارة الصحة ممثلة في المستشفيات التأهيلية والمراكز المتوافرة في معظم مناطق المملكة بدور فعال في تقديم خدمات التأهيل الصحي للمعوقين، ورسم منهاج العناية بهم، ورعايتهم، وتنمية قدراتهم، سواء كان ذلك على الصعيد الحركي أو الحسي، وكانت المملكة سباقة في هذا المجال لما توليه من رعاية متميزة لهذه الفئة التي تحتاج إلى رعاية صحية وتأهيلية من خلال المستشفيات والمراكز التي أقامتها وزارة الصحة لتقديم العلاج الطبي والنفسي والاجتماعي والعلاج الفيزيائي، وعلاج اعتلالات السمع والنطق، كما أنها تقوم بتوفير الأجهزة التعويضية والأطراف الصناعية، والأجهزة السمعية، والكراسي المتحركة للمعوقين في مختلف المستشفيات، ومراكز التأهيل التابعة لها في مختلف مناطق المملكة لكي يعتمد المعوق على نفسه اعتماداً ذاتياً وينخرط في المجتمع بقدر الاستطاعة، ليصبح عضواً فعالاً كأقرانه من الأصحاء. كما تقوم وزارة الصحة، من خلال المستشفيات ومراكز التأهيل التابعة لها في مختلف مناطق المملكة، بإصدار بطاقات التسهيلات المرورية، وبطاقات تخفيض الإركاب للمعوق، ومرافقه بواقع 50 في المائة، حسب الأمر السامي الكريم رقم 187 وتاريخ 19/9/1401هـ. وفي السياق ذاته، قامت وزارة الشؤون الاجتماعية بتعزيز بند الإعانات المخصصة للأشخاص المعوقين، كما تم احتساب تشغيل معوق بأربعة لدى القطاع الخاص من قبل وزارة العمل. وبفضل الله، ثم بفضل الرعاية والعناية والاهتمام من قبل حكومتنا الرشيدة أصبحت المملكة تتبوأ مكانة مرموقة بين دول العالم في مجال رعاية الفئات الخاصة. ويبقى المجال مفتوحاً أمام المزيد من الجهد والدعم والمساندة وتطوير صور التلاحم والتنسيق والتعاضد بين أفراد المجتمع ومؤسساته لتحقيق المزيد من الأهداف الخدمية للأشخاص ذوي الإعاقة، وتكثيف الجهود– كماً ونوعاًـــ للوصول إلى المستوى المأمول تحقيقه في المجتمع السعودي الكريم والصورة المشرقة التي نتطلع إليها جميعاً، بتوفيق الله. عضو مجلس الشورى عضو مجلس إدارة جمعية الأطفال المعوقين ومركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة ـــ عضو جمعية حقوق الإنسان

اخر مقالات الكاتب

إنشرها