Author

شركة الحج .. شركة مساهمة سعودية

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
هذه دعوة لإنشاء شركة الحج: شركة مساهمة سعودية، على غرار ''سابك'' و''الكهرباء''، تكون الدولة مساهمة فيها بنسبة كبيرة، إضافة إلى طرح نسبة معينة للجمهور. شركة تهدف إلى تطوير استثمارات الحج وتشغيلها التشغيل الأمثل والعمل على صيانتها؛ لتعمل للأجيال القادمة بكفاءة عملها لهذا الجيل. فلقد تحقق في هذا العهد الزاهر الكثير من الإنجازات وأنفقت الدولة المليارات، لا تهدف بذلك إلا خدمة الحجيج وخدمة البيت الحرام. مليارات أنفقت على مشاريع ساعاتها التشغيلية لا تتجاوز ثلاثة أيام، وبعضها لا يتجاوز اليوم الواحد. اقتصاديا، لا جدوى من هذه المشاريع؛ ذلك أن العوائد - إن كانت هناك - لم تصل إلى حدود الفائدة السائدة فضلا عن تجاوزها. ولقد دار مثل هذا النقاش قديما، وهل من المجدي إنفاق المليارات على جسر الجمرات وقطار المشاعر مثلا للوفاء باحتياج خمسة أيام فقط، ثم تغلق على مدار 355 يوما، بينما يمكن حل المشكلات المصاحبة لازدحام وكثرة الحجيج بحلول مؤقتة مثل زيادة عدد رجال الأمن، زيادة عدد سيارات النقل، تنظيم أكثر فعالية وحلول إبداعية جديدة بدلا من استثمارات طويلة الأجل بمليارات الريالات. لكن المسألة في نظر حكومة خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - كانت أعظم من نظرية اقتصادية، بل خدمة البيت ورب البيت وتعظيم المكان والإنسان الذي جاء من فج عميق. خدمة قد لا تقدر منافعها على البشرية بثمن، خدمة يسدد فواتيرها الحاج بدعاء مقبول - بإذن الله - أن يحفظ الله هذه البلاد وحكومتها ولمن قام بكل هذه الإنجازات الكبيرة ولم يراعِ فيها أحدا إلا الله. ومع كل الاحترام لهذا كله، لكن، ألم يقل رب العزة والجلال، الذي أمر بالحج وأمر إبراهيم عليه السلام بالنداء به، حيث قال جل جلاله (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)؟.. لاحظ قوله تعالى (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)'' التي ذكرت في الآية الكريمة قبل الذِكْر والدعاء. فلا مانع شرعيا من الاستفادة من كل هذه المشاريع الضخمة بما يعود بالمنافع على هذا البلد وأبناء هذا البلد وأجياله القادمة، إنها مشاريع ضخمة والحج لم يزل يشهد تزايد الحجيج من عام إلى عام، حتى أن الزيادة هذه السنة بلغت أكثر من 20 في المائة، وما أظنها إلا انعكاسا للتسهيلات والمشاريع العملاقة التي زادت من الطاقة الاستيعابية للمشاعر المقدسة. فلماذا لا نطور من أساليب العمل ونحقق عوائد استثمارية من هذه المنشآت بما يتناسب مع شرائع الإسلام، وبما يحقق منافع اقتصادية، منها تشغيل الفائض من العمالة بشكل منظم وتحت مظلة شركة واحدة فقط هي شركة الحج؟.. شركة تؤول إليها جميع أملاك الدولة وتقَيّم كأسهم لها، بينما يساهم الجمهور في باقي رأس المال لزيادة الاستثمارات في المباني والخطوط والمنشآت والمطاعم والنقل بأنواعه واستثمارات الخيام والتأجير، وتقوم كذلك بخدمات الحج جميعا، حتى الأمنية منها. هذه الخطوة المهمة ستحقق عديدا من الفوائد، منها، رفع تكاليف الاستثمارات والتشغيل في الحج عن كاهل ميزانية الدولة، وبذلك تحقق ميزانية الدولة وفرا كبيرا يمكن استثماره في احتياجات أخرى. ستكون الشركة هادفة للربح؛ لذا ستدار بعقلية وطريقة رجال الأعمال الاستثمارية، وهذا يقتضي تفعيل شرط الفاعلية والكفاية لكل أعمال الحج. وعلى الرغم من أن الحج ومواسم العمرة ليست سياحة، بل عبادة، إلا أنه يمكن التعامل معها وفقا لاقتصاديات سياحة العبادة، وهي سياحة نشطة على مستوى العالم وتحقق عوائد ضخمة، فإنشاء شركة الحج سيعزز من العوائد الناتجة عن تلك السياحة - إن جاز التعبير - وذلك من خلال توجيه الاستثمارات للأجدى اقتصاديا الذي يحقق غرضي خدمة الحجيج وتحقيق العوائد في الوقت نفسه. ونظرا لأنها شركة مساهمة فإنها ستُطرَح للاكتتاب العام وستُدرَج ضمن سوق المال السعودية ويسري عليها شروط الإدراج؛ مما يعزز من مفاهيم الشفافية والمساءلة والإفصاح. كما أن ذلك سيعزز من مشاركة المجتمع في هذا الأمر فيرفع الوعي والرقابة الذاتية لدى الجمهور. وجميع هذه الأدوار المهمة يمكن تحقيقها بمجرد إنشاء الشركة، لكن منافع هذا المشروع ستنتقل إلى الأجيال القادمة أيضا. فمن المعلوم أن لأي مشروع تكاليف إنشاء وتكاليف صيانة، وتكاليف الصيانة لا تقل شأنا ولا أهمية ولا قيمة عن تكاليف الإنشاء؛ ولذلك فهي في حاجة إلى موارد متجددة لتغطيتها. مشكلة العمل الحكومي هو الاهتمام الكامل وتوفير الموارد والأموال عند مرحلة الإنشاء، بينما يتضاءل كل ذلك حتى يختفي عند الصيانة، وهي مشكلة أصيلة في المحاسبة الحكومية التي تعتمد على نظرية الأموال المخصصة، فلا أهمية هناك لموضوعات مثل مخصصات الإهلاك والتقادم والنفاد كما هي الحال في الشركات الخاصة التي تطورت فيها هذه المفاهيم بشكل جوهري. فإهمال هذه الموضوعات يؤثر على أداء المشاريع مع تقادم الزمن وعندما تحل مواعيد الصيانة الضرورية أو الإحلال قد تكون الأوضاع الاقتصادية للدولة غير مواتية مما يقلل من فرص الصيانة الجيدة، وبذلك يضعف الأداء من سنة إلى أخرى حتى قد ينتهي العمر الافتراضي للمشروع ولا أمل في صيانته أو تغييره وتضيع منافعه هباء. فإنشاء شركة الحج سيخرج مشاريع الحج العملاقة، التي تخدم الأجيال من هذا الفخ، وبذلك يمكن صيانتها دوريا وفي المواعيد المقررة لها، وبذلك يتم المحافظة على قيمتها الاقتصادية لتبقى للأجيال المقبلة كما هي الآن، إن لم يكن أفضل حالا. كما أن إنشاء الشركة سيطور من التدريب والتعليم والبحث، وبذلك سيظهر جيل متمكن يتعامل مع الحج وفقا لقوله تعالى (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ). وهذا يحتاج إلى مقال آخر.
إنشرها