Author

ليشهدوا منافع لهم ..

|
ليس من أدنى شك أن الشريعة الإسلامية هي نظام متكامل وكامل للحياة دون تقصير في أي من جوانبها سواء المعنوية أو الحسية. ولذا فالجوانب الاقتصادية في الإسلام تبرز كمحور مهم في كل الشؤون المتعلقة بها، حيث أعطيت قدرها من الاهتمام حتى في العبادات. ولكوننا نعيش أيام الحج المبارك ـــ الذي أسال الله لجميع ضيوفه أن يتقبل منهم حجهم وأن يعيد مثل هذه المناسبة العظيمة على الأمة الإسلامية وهي في حال عز وخير ومنعة ـــ إن شاء الله ـــ فمن الطبيعي أن نعرّض إلى بعض الجوانب الاقتصادية في شواهد واقعية لذلك الاهتمام وكيف أن الشريعة الإسلامية تتفق دوما مع واقعية الحياة فالحج كواحد من الأركان الخمسة مثلا لا يطالب به المسلم ما لم يكن مستطيعا ماديا علاوة على ضرورة أن يخلي نفسه من كل التزام مادي مثل أن يكون مديونا. وفي ذلك تفصيل متروك لأهل العلم من فقهاء الشريعة ولكني أسوق ذلك فقط كمثال وليس فتوى. وكمثال آخر وفي ركن الحج ورد في الآية الكريمة قوله تعالى (ليشهدوا منافع لهم)، التي من بينها منافع اقتصادية. إن هذا الركن العظيم وهذه العبادة الجليلة لم تخلُ من وجود اقتصاديات ضمنية فيها فالحج يخلق فرصة توفير سوق لتبادلات تجارية متعددة وهذه النظرية أي توفير السوق ووجوده يسهل تلك التعاملات ويهيئ لها المناخ الملائم للقيام بها. ولذا فمن أهم أهداف خلق السوق اقتصاديا هو ليكون الآلية التي تسهل من خلاله عمليات التبادل التجاري. وخلق السوق عادة ما يكون مربوطا بالزمان والمكان فالزمان هو توقيت بداية الافتتاح والإغلاق والمكان هو إما مكان حسي أو معنوي. ولكون التبادلات التجارية ومناخها وآلياتها قد تطورت بشكل مذهل فقد نشأت أسواق أقرب ما تكون إلى المعنوية منها إلى الحسية وذلك استجابة لطبيعة هذه التبادلات التجارية المتطورة ومثال ذلك أسواق التعاملات بالأدوات المالية كالأسهم وغيرها. إن السوق في الحج هو سوق حسي مرتبط بزمان هو فترة أيام الحج فلك أن تتخيل الملايين من البشر ينتفع أحدهم من الآخر سواء كان ذلك في شراء حاجياتهم أو في شراء خدمات معينة كالإيواء أو التنقل وخلافه. وعلى كل حال فالتبادلات التجارية الحالية في جملتها هي تبادلات لسلع وخدمات استهلاكية ربما في أغلبيتها غير أن الأمر لم يكن كذلك قبل التطور في الاقتصادات والأسواق بالذات إذ كان الحج مناسبة كبيرة لتوفير سوق رائجة يتبادل المسلمون فيها ما يجلبونه معهم من بلدانهم من سلع مختلفة. إن الملاحظ في مثل هذه الأمثلة هو الربط الواقعي والمنطقي لحياة الإنسان بين العبادات والحياة الاقتصادية وما مثال الحج إلا فقط واحد منها وإلا فأوجه تنظيم الحياة الاقتصادية في الإسلام كثيرة جدا غير أن القصور يأتي من قبلنا نحن معشر المسلمين في الأخذ بمفاهيمها والتعامل مع مستجدات ومتغيرات الحياة وأنماطها مع ما تقتضيه الشريعة.هذا وللجميع تبريكاتي بعيد الأضحى المبارك وكل عام وأنتم بخير.
إنشرها