Author

هل تُرى دفنوا البحرا؟!

|
* أهلاً بكم في «مقتطفات الجمعة» رقم 373. *** * حافزُ الجمعة: العاملون في الأعمال التطوعية رقيقو العاطفة، وربما هذا الذي يجعلهم ينذروآ أنفسَهم لعموم الناس إلى من لا يعرفون ولا يرون، ولكن في داخل هذه الرقة نفوسٌ بإرادةٍ من فولاذ. وبالذات النساء رغم الرقة الفائقة إلا أن عزومِهنّ على المضي في مشاريعهن التطوعية هي عزومٌ من فولاذٍ لا يلين. *** * لما خُصص لي وقتٌ لا يزيد عن نصف ساعة في زيارة عابرة لفريق الفتيات ضمن احتشام صارم، بمركز الأمير محمد بن فهد للشباب في الجبيل، لم نخرج إلا بعد ساعتين، لأن كل فتاة مصرة أن تستعرض مشروعَها التطوعي حتى النهاية ثم لا تتنازل التي من بعدها، ولم أستطع أنا ولا مرافقي من الهيئة الملكية، الذي جاء لضبط الوقت بجزء الدقيقة، أن ننبسَ ببنتِ شِفة.. الحقيقة: لم نجرؤ! *** * من سيسمي فتياتِ العمل التطوعي «فتيات خيوط العنكبوت» لن يكون مخطئا. يبدو خيط العنكبوت واهيا رقيقا بالنسبة لقوِّتنا بالتناسب مع حجم العنكبوت وخيوطه.. فإن خيط فتلة نسيج العنكبوت بالنسبة لحجمهِ أقوى من أي نسيج ليفي على الأرض. إنه قابل للتمدد بثلث حجمه من دون أن ينقطع، ويملك قابلية للشدّ أعظم من قابلية الشدِّ في الفولاذ! *** * دُعيتُ من قبل الهيئة الملكية في الجبيل الصناعية لإلقاء كلمة في افتتاح نشاطهم الثقافي الكبير، وسرّني أن تلتفت الهيئة المتخصصة في التنظيم التجهيزي لأكبر مدينة صناعية في مكانٍ واحدٍ على الأرض بالنواحي الفكرية والأدبية والعلمية.. وشيءٌ آخر في الجبيل الصناعية أنها أيضا تجربة أنثروبولوجية فريدة فقد تكون المجتمع الوحيد في العالم ليس فقط الخالي من الأمية بل إن كل العاملين والقاطنين فيها من السعوديين بالذات هم من أصحاب المؤهلات الفنية العالية أو الدقيقة التخصص.. لذا عندما قابلت رئيسَها التنفيذي الدكتور مصلح بن حماد العتيبي، والأشخاص الرائعين، سواء من الهيئة أو من سابك تجد هذا الثقل الذهني الواقعي، بل إن الدكتور العتيبي أفاض معي في نظرته للخدمة الاجتماعية كفقرةٍ ضمن فقرات العمود الفقري للهيكل الإداري للهيئة، أن أخوف ما نخافه- أو كنت أخافه - أن تجفَّ النظرة الإنسانية في إدارة المدن المتخصصة في الصناعات العملاقة.. لو صار هذا سنندم في يوم من الأيام أننا وضعنا أول طوبةٍ صناعية.. نحمد الله أن هذا لا يحدث. *** * شخصية الأسبوع: ليس من عادتي أن أقف لالتقاط النفس قبل أن أكتب عن شخصيتي المختارة، وليس من عادتي أن ترتجف الأفكارُ قبل أن تصب حروفا.. إلا عند الحديث عن هذا الرجل، ليس لشخصه، بل لما يصيبنا من عمى لتقدير جهود الأفراد الكبار لأعمال كبرى للبلد باتساعه الكبير.. الكل يتكلم عن «بيل جيت» وعصبته من الرجال العالميين المحسنين، وننسى أنه قبل أن يُعرف «بيل جيت» كما هو الآن، كان رجلٌ سعودي، مهندس، وأكاديمي سابق، هو من أول طراز المحسنين الخارقين Super Philanthropists، أي أولئك الذين تبرعاتهم بمئات الملايين.. المهندس «ناصر الرشيد» له الفضل بعد الله في إقامة صرح عظيم وهو مستشفى الملك فهد للأورام وسرطان الأطفال، تبرعه لهذا المشروع تعدى النصف مليار ريال، غير تبرعاتٍ كثيرة سابقة وجارية تجاوزت بكثير.. يجب أن تعلم أن الرجلَ ليس رجل أعمال بمعنى نشيطي السوق التجاري، فهو صاحب مكتبٍ هندسي وثق به الملكان الراحلان خالد وفهد ـ يرحمهما الله ـ وسانداه عندما وقفا على كفاءته.. ولم يتوسع كما نعرف عنه في أعماله، بل قرّر الاكتفاء، وربما الانزواء ليعكف على حياته الخاصة وعائلته.. ولم يقف نهرُهُ الجاري. إن عشرات الآلاف من القلوب تدعو له ليل نهار، حيث تم علاج ما يقارب عشرة آلاف طفل منذ إنشاء المركز. يبقى أن له قصة خاصة لا أحب أن أرويها بلا إذنه.. ولكن مستشفى «سان جود» في أمريكا تبرع لهم بمبلغ أقل لا يقارن بما تبرع به بوطنه، من أجل البحوث لتصب خيرا على الجميع، وكرّمه المستشفى أن أقام نصباً شامخاً أقيم له باسمه.. ولن تجد طوبة في المستشفى الحالي بالرياض يحملُ حرفا من اسمه ولا شخبطة في جدار.. أحياناً يكون هذا قدر الكبار، لأنهم يعرفون أن الإنصافَ الحقيقي عند خالق الكبار.. والصغار! *** * لما كتبتُ في صفحة الفيسبوك: « أجريتُ لأمي عملية في عينيها، وإني لا أرى إلا بعيني أمي» انسكبت مئاتُ الردود، الكل يدعو لها.. لقد رأوا فيها أمّهم جميعا. نعم إن أمّ أي واحدٍ فينا عندما تستشهد بها ابنة أو ابن فإن ذهنك يستدعي أمـّك في الحال.. كلماتٌ صغيرة لا يشك أحدٌ في صدقها تكون أكبر حملة في استثارة البرِّ بالوالدين، والتذكير بحجم أهميتهم في حياتنا.. أهمية تملأ حياتنا.. بل عنها تفيض. *** * والمُهـِم: كتب الشاعرُ الساطعُ الجمال الدكتور «سعد عطية الغامدي» قصيدة عن لقائي بغرفة الأحساء التجارية تعرّض بها لمُعَلـِّمي الأحسائي المتواري، يرحمه الله، منها: لقاؤكَ في الأحساءِ ألهَمني شِعـرا فحلقتُ حتى لم أدع من مفاتنِهِ سطرا وكان معي فوق السحابِ مسافرا وكنتُ على أكوابـِهِ أحتسي الفِكـــــرا وأعجبني أستاذُك الشهمَ باذلاً من العمر عشرا، لم تكن وحدها العشـــــرا أأربعة، أو خمسة كي يشيعوا من العلمِ بحرا؟ هل ترى دفنوا البحـــــــرا؟ في أمان الله..
إنشرها