Author

ممنوع اصطحاب الصغار .. والكبار!

|
* أهلا بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 372. *** * حافز الجمعة: تحتاج الأفكارُ لأجنحةٍ لتقلع بها، ولكنها أيضا تحتاج لعُدَّةِ مناسبة للهبوط! *** * ليس هناك أقوى من الفكرة. لو جُنِّدَتْ جيوش العالم بكل ترساناتها وأسلحتها الفتاكة لما أمكن القضاء على فكرةٍ واحدة، لا سلطة على الأرض ولا قوة تدحرُ مجرّد فكرة .. لا تجندلُ الفكرةَ وتهزها إلا قوةٌ واحدة: فكرةٌ أخرى! *** * لم تكن الأمسية التي دعيت لها في غرفة الأحساء من الأمسيات العادية، لم تكن محاضرة، فقد خلت من سَمْتِ المحاضرات، ولم تكن خطابا فقد خلت من جدية الخطابات، إنما كانت جلسة مفتوحة، خرجنا فيها عن التقييد الرسمي في المناسبات، وعن اقتضاءات البروتوكول، وطبيعة المناسبات الشبيهة، فكان النقاشُ المتيسر، والروح البسيطة، والمماحكات بين أحبابٍ وزملاء هي السائدة .. لذا طرحت عدة أسئلة وقضايا تهمنا في مجتمعنا وصرنا معا نبحث عن أجوبة .. وجدت أن هذا النوعَ من التحاور بدلا من الآلية الإلقائية أجدى لأنها "تطيِّر" الأفكارَ ثم تبحث عن مدرجات هبوطٍ لها. *** * لم يخلُ لقائي في الأحساء من لحظات إنسانية .. أخبرت الحضورَ كيف جئت الأحساء وفي عيني دمعة على أستاذ أحسائي شاهق المعرفة علمني لعقد من الزمن دون أن أعرفه، دون أن يسمح لي أن أقترب لحدوده الشخصية، محاضرات وسجالات أثـّرَت فيّ وجداناً وكسبا معرفيا وعقليا، ورأيته مرة لمّا سمح لي، فإذا هو في مكان بسيط يمارس عملا بسيطا، وهو الذي يحمل عقولَ العقاد وبيرون وجوته والمنفلوطي معا .. ولما مات لم يشيّعه إلا أربعة أشخاص، وأنا. وشيءٌ آخر، نثر التفاؤلَ المفعم بقوة الحضور للمقدرة الربانية، وأنا قادم للأحساء هاتفتني سيدة تعمل في المجال الصحي، وكانت هاتفتني قبل شهر لتخبرني عن ابنها المراهق الذي وقع له حادث سيارة، ونقل للمستشفى بلا شعور، وصنف الأطباء أنه في إغماءة "كوما" من الدرجة السادسة، أي أنه قد يكون ميتا دماغيا .. والشاب كما قالت الأم كان في طريقه لاجتماع يحضره مع شباب مدينته وقدّر اللهُ له ما قدّر .. وعشتُ أسبوعا مليئا بالحزن والشعور الشديد بالذنب. وأنا على مشارف الهفوف هاتفتني لتبلغني أن ابنها صحا من غيبوبته بمعجزة .. توقفتُ على الطريق وبكيتُ فرحا كما لم أبكِ في حياتي .. وسمعت في قاعة تجارة الأحساء كيف تعالت أصواتُ الشكر لله. *** * لو سألتني عن طبيعة الأحسائيين لقلت لك: متفوقون علميا، وإداريا، وفي الأعمال التجارية، وفي الأدب والفكر، وأهل ذوق وكرم .. ولكنهم لأمرٍ ما يغرقون في التواري، تماما كمعلمي العظيم والفريد. ولقد أذهلني ذكاءُ الإسقاط وسرعة البديهة اللاقطة عند أحد المداخلين حين قال: "إننا أهل الأحساء كما وصفتنا، نتوارى وندفع سلبا ثمن ذلك التواري، حتى أن شخصا كان يسألني إن كانت الأحساءُ هي البحرين!" .. ثم أعقب بجملته المذهلة: "وهذا هو السبب الذي جعل الفكرَ الأحسائي يُشيَّعُ بأربعة أشخاص فقط" مسقطا المشهدَ الأحسائي على مشهد تشييع معلـّمي .. لم أتمالك نفسي وصفقتُ معجبا. *** * ووصلتني قصتان هما عبرة لمن يعتبر .. هما دليل لأمور فوق واقعنا تتحكم في واقعنا: - الأولى، من قائد عبد الله من اليمن: رجل تقاعد، وتفرغ لأعمال الخير في بلدتنا، فهو يبني مع من يبني منزلا، ويساعد في حفلات الزواج، وأول من يكون في المآتم، ويغسل الموتى، ويساعد الفقراء، ويصل المحتاجين، ويجمع الأولاد يحكي عليهم القصص التربوية، ويعلمهم مسائل الدين واللغة، ويكنس المسجد الكبير في القرية، ثم إنه يرتاح في مبنى مدرسة كل مساء، لأن المدرسة احتضنته طالبا بها قبل أربعين عاما .. في يوم وهو يرتاح، ناداه شخص ليساعده في عمل، وخرج له، وبحث عنه ولم يجده، ودار حول البناء ولم يجد أثرا لإنسان، ولما عاد ليكمل راحته اليومية وجد أن جزءا ثقيلا من السقف قد وقع .. وقع فوق المكان الذي كان قبل دقائق يتمدد فيه! * الثانية: من سارة شاهين: وصلني أن رجلا يملك سيارة شفروليه موديل 1966م، وتعطلت في قرية نائية جنوبي العراق لعطل حاقن الوقود، واتصل بوكالة السيارة في العاصمة بغداد وفي البصرة وحتى في الكويت وقيل له من المستحيل أن تجد هذه القطعة. ثم مر عليه رجل، وسأله، وأخبره أن حاقن الوقود تعطل، فطلب منه الرجل أن ينتظره، وذهب لمرآب يبعد عشرات الأمتار، وعاد ومعه القطعة ليخبره أنها القطعة الوحيدة في سيارة أبيه المرمية من سنوات في المرآب، وأصلحت السيارة". والعبرة مدى بعد حصول أن تتعطل سيارة في قرية من عشرات القرى، ويمرّ رجلٌ بذاته من ملايين الرجال، ليكون هذا الرجل بالذات يملك قطعة تحتاجها في وقت مروره وهي غير موجودة في كل البلاد .. ثم تكون هي القطعة المناسبة لنوع وموديل السيارة .. ألا تستخفّ هنا بجملة: حدث بالصدفة! *** * وألطف دعوة برسالة هاتفية هي التي وصلتني من "الواد الأنيق" أحد قراء هذه الزاوية يدعونا لعشاء: "يتشرف الواد الأنيق بدعوتكم لحضور حفل "تأبين" بطتنا، شهيدة مأدبة العشاء اللذيذ في تمام الساعة الثامنة مساء. ملاحظة: ممنوع اصطحاب الصغار .. والكبار!. وأرجو "تأكيل" الموعد!! في أمان الله
إنشرها