Author

تحديد أوقات الدوام للأعمال والمتاجر .. أين وصلنا؟

|
مرت علينا فترة دار خلالها نقاش وجدل كبيران حول تحديد وتوحيد أوقات الدوام للعمل, وكلٌّ أفتى بما يراه. وأثيرت تساؤلات عدة مثل أن يكون دوامين صباحا ومساء أم دواما واحدا, وهل دوام واحد مناسب للسعوديين؟ وأخيرا، تمخض الجدل عن انفراد البنوك وبعض الشركات بتحديد أوقات العمل لفترة واحدة. وهي عادة التاسعة والنصف صباحا إلى الرابعة عصرا. وهي تجربة جميلة، وأعتقد أنه الآن وبعد ممارستنا التجربة يكون قد آن الأوان لمراجعة وإعادة تقييم الموضوع ودراسته من جوانبه المتعددة، ومحاولة الاستفادة من تجربة البنوك وما إذا كانت جيدة ليحذو البقية حذوها. وأن يتم ذلك عن طريق أخذ آراء شريحة من السكان بطريقة استبانات وفق أسلوب إحصائي جيد, لمعرفة ما يجمعون عليه, فإذا ثبت أن الأغلبية تحبذ دواما واحدا فيتم توحيده، أما إذا ثبت أنها كانت تجربة غير جيدة فنرجع إلى النظام السابق, لكن الأفضل أن يكون لدينا نظام محدد وموحد للجميع. ولا أدري لماذا لا نحذو حذو العالم في موضوع توحيد الدوام وجعله فترة واحدة؟ فهي دول لم تخترعه اعتباطا بل بعد سنوات من التجارب والخبرات. وهو نظام استمروا عليه منذ سنوات, ما يثبت أنه نظام ناجح وعملي، وإلا لسمعنا أنه غُيِّر أو عُدِّل. هل نخشى أن يقال إننا مقلدون؟ لقد قلدناهم في أمور أسوأ من ذلك، فمن الأفضل أن نقلد في شيء (يسوى) ويفيد, فنظامنا الحالي للعمل من السابعة صباحا حتى منتصف الليل لم أجده مجديا. بل يضيع وقت الموظف والمراجعين أو العملاء. رحلتان ذهابا للعمل ورحلتان للعودة. تضيع وقتا أطول وحرق واستنزاف وقود أكثر، ما يساعد على زيادة الازدحامات في الطرق، وما تؤدي إليه من الحوادث والتلوث والاختناقات وتلف الطرق والسيارات. ناهيك عن الوقت الذي يضيعه الموظف قبل بدء العمل في كل مرة وكذلك للاستعداد للخروج. فمعظم موظفينا يستغرق نصف ساعة إلى ساعة حتى يبدأ في فتح عينيه أو ينهي قهوته أو إفطاره في المكتب. توحيد الدوام قد يكون له أثره في تشجيع السعودة, فالكثير من الموظفين السعوديين يرون أنه مزعج لهم.. كما أن توحيد الدوام يساعد على تخفيف الازدحامات أو على الأقل التقليل من أوقات الازدحامات. هل هناك حكمة من عدم تغيير الدوام؟ فالملاحظ أن معظم دول العالم التي لديها دوام موحد من التاسعة صباحا للخامسة مساء دول أكثر إنتاجية لدرجة أننا نعيش أو نعتمد عليهم في جميع وارداتنا منهم, فهم يصنعون لنا كل شيء. بينما نحن الذين لم نعرف بعد أيهما أفضل توحيد الدوام أو تحديده، لم نصل إلى جزء بسيط من إنتاجيتها. بل هم يجدون الوقت الوافر بعد العمل لتخصيصه ولتمضيته مع عائلاتهم وأبنائهم. ويتفرغون لتربيتهم وللتلاحم الاجتماعي. وهذا له أثره الكبير في المجتمع, ناهيك عن تخفيف الازدحامات مساء، والتلوث والضوضاء وإفساح المجال للبلديات لتنظيف الطرق والأمن يأخذ مجراه. بالطبع، هناك بعض الخدمات التي عادة لا يشملها تحديد الدوام، مثل المطاعم والمستشفيات والصيدليات والبقالات ومحطات الوقود, وهي أيضا لا بد لها من تنظيم، وبحيث لا تعمل جميعها في الوقت نفسه بل يكون هناك تنظيم وحسب الحاجة إليها لكل حي. معظم الآباء والأمهات ترهقهم طريقة الدوام الحالي, وقد استثني المدرسون. بل إن طول أوقات الدوام للموظفين, خاصة في القطاع الخاص والمتاجر قد يصل إلى ساعات متأخرة من الليل. ليس فقط يرهقهم، بل إنه لا يعطيهم الوقت الكافي لرؤية أبنائهم وإعطائهم حقهم من الرعاية والاهتمام والتربية والربط الاجتماعي. وبذلك نفقد الكثير من النقص في تربية الأطفال والمراهقين, وهؤلاء هم عماد الوطن ومستقبله. الوالد أو الوالدة دائما لديهما الفرصة للخروج للتبضع والعمل ما دامت الأسواق مفتوحة, لكن لو كانت مغلقة مساء فإنه يجد العذر لعدم الخروج. وبذلك (يتفضى) لتربية أولاده وتأدية واجباته الاجتماعية والزوجية. وهذا في حد ذاته يساعد على إعطاء وقت جيد لحل المشكلات العائلية وترابط الأسرة. وليعرف الوالدان أو يطمئنا على سلوكيات أبنائهما. الطريقة الحالية للدوام على الرغم من مساوئها الكثيرة اقتصاديا الواضحة، إلا أن لها مشكلات اجتماعية وسلبيات على المجتمع والوطن كبيرة، وتسبب أضرارا قد لا نراها الآن لكنها على المدى الطويل تؤدي إلى تدهور كبير. تحديد وتوحيد ساعات العمل له إيجابياته الكثيرة, فهو يقلل من الرحلات المرورية فيخفف الازدحامات المرورية والتلوث والحوادث وصيانة الطرق وغيرها. ويعطي المواطن حقه من الراحة ليرجع للعمل في اليوم الثاني وهو مرتاح البال ومبتسم, وهذا له دوره في زيادة الإنتاجية للوطن. ويساعد أيضا على حصوله على الوقت الكافي لتربية أبنائه وترتيب علاقاته الاجتماعية والزوجية ليضمن حياة سعيدة. وله إيجابياته للوطن, فعلى الرغم من الإيجابيات السابقة، مثل تخفيف التلوث والحوادث وكثرة الإنتاجية فهو له فوائده أيضا للدولة, فهو يخفف من وجود الناس في الطرق، ما يساعد على القيام بأعمال الصيانة والحفريات الصغيرة. ويساعد الأمن على تقصي الرحلات أو الحركات المشبوهة. كما أن له دوره في التوفير من استهلاك الطاقة في المباني التي تترك إنارتها ومكيفاتها فترات أطول دون وجود أحد فيها. يبدو أن الإيجابيات أكثر مما نتوقعه, وأن الأمر واضح وليس هناك ما يدعو إلى التأخير في اتخاذ القرار. فلماذا نقف حائرين حتى اليوم عن تحديد موقفنا من اتباع نظام توحيد الدوام وتحديده؟ وكم نحتاج من الوقت لنتفهم الأمور ونوفر على الوطن والمواطن؟
إنشرها