Author

تجمعات العمالة الوافدة .. قنابل موقوتة

|
انتشرت في مدن كثيرة من المملكة ظاهرة قديمة/ جديدة تتفاقم مع مرور الزمن ـــ أغفلها الإعلام بشكل كبير ـــ ما عدا التطرق إليها عند حدوث مشكلات جوهرية فيها، وهي ظاهرة تجمع جنسيات معينة أو أكثر من جنسية غير سعودية في أحياء معينة. وفي اعتقادي أن هذه الظواهر لها من السلبيات الخطيرة والمتعددة، بحيث يصعب أن تجد لها مظهرا إيجابيا واحدا يفيد المجتمع، فمن سلبياتها ازدحام الأحياء السكنية، الضغط على خدمات البنية التحتية، انتشار الجريمة مثل السرقات وترويج المخدرات مع زيادة المشكلات الاجتماعية، وانتشار الأمراض وزيادة تلوث البيئة. ويؤدي الازدحام إلى مخاطر السيطرة على المنطقة في حال اندلاع حريق، أو ملاحقة مجرمين، بحيث تصبح ملاذا آمنا للجريمة والإرهاب على حد سواء. ومن نتيجة ذلك اضطرار العائلات إلى النزوح من تلك الأحياء إلى أحياء أخرى؛ ما يسهم في مزيد من الضغط على مشاريع البنية التحتية، ومزيد من متطلبات البنية التحتية والاحتياجات الضرورية الأخرى لتلك لأحياء، ويشكل عبئا إضافيا على الاقتصاد المحلي، بما فيها ارتفاع أسعار الإيجارات وأسعار العقارات. لذلك أصبح من الضروري أن يكون هناك تدخل لتعديل هذه الظاهرة، وذلك ببناء مساكن عمالية في أطراف المدن. ويتم نقلهم بحافلات مخصصة وتابعة للشركات العاملين فيها. وهذه المساكن يجب أن تكون مهيأة لسكن العمالة بحيث تتوافر فيها الاحتياجات الضرورية مثل الأسواق، المطاعم، ملاعب رياضية، حدائق، والمراكز الصحية. ولدى القطاع الخاص الرغبة الأكيدة في بناء مساكن عمال في أطراف المدن تحتوي على كل الخدمات الأساسية والترفيهية. إلا أن ذلك يحتاج إلى نظام من المشرع لتشجيع هذا النوع من الاستثمار. وهذا المقترح مناسب جدا للشركات الكبيرة والصغيرة التي لديها عمالة بين 50 عاملا وأكثر. وأستطيع القول إن ذلك سيكون أيضا مناسبا للعمالة الفردية ـــ القادمة على كفالة أشخاص ـــ بإلزامهم للاستئجار في تلك المباني السكنية، بشرط تأمين النقل العام والخاص. وسيفيد ذلك كثيرا في تخفيف الزحام المروري داخل المدينة، ويقضي على استخدام السيارات القديمة الملوثة للبيئة التي تستخدمها العمالة الفردية داخل المدن بشكل مكثف. وفي الوقت نفسه، ستكون تلك الأحياء والمساكن مخططة بشكل مدروس، يراعى فيه نظافة البيئة وملاءمة العيش، ويسهم في تسهيل مهام الدفاع المدني والجهات الأمنية الأخرى. إن ما يشاهد الآن من تجمع جاليات بعينها في أحياء معينة في الرياض وجدة وكذلك المدن الصغيرة، بحيث أصبح لكل جالية تقريبا حي تابع لها لا يمكن قبوله. فنحن نعيش مساوئ هذه التجمعات، التي تنطوي على اختفاء العمالة غير النظامية في تلك الأحياء مع ما يتزامن مع ذلك من التزام أبناء جلدتهم بتوظيفهم وإقراضهم المال مع حمايتهم في البقاء بعيدا عن عيون السلطات النظامية لأطول فترة ممكنة حتى يستوطنوا، ويبدأوا ـــ أحيانا ـــ في تكوين عائلات دون سجلات رسمية. وهناك ظواهر أخرى تتمثل في انتشار الجريمة والمخدرات والدعارة. ومع استمرار الظاهرة، فمن المتوقع أن تتفاقم المشكلات حتى يصعب السيطرة عليها، حيث أفرز التعداد السكان الأخير ارتفاعا كبيرا في العمالة الوافدة تجاوز 38 في المائة بين الأعوام 2004 و2009، وهذه الأرقام تشمل العمالة المقيمة نظاميا، أما غير النظامية ومن دون إقامة فإنه لم يتم إحصاؤهم بالتأكيد لتواريهم عن الأنظار؛ لذا فإن أعداد الأجانب في المملكة يفوق بكثير ما جاء في إحصائيات التعداد السكاني الأخير، ما يشير إلى وجود قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت. ولا شك أن هناك قصورا تشريعيا قاد إلى ظهور هذه الأحياء والتجمعات بدءا من نظام الكفيل الذي يتيح لبعض الكفلاء إحضار عمالة وافدة دون ضوابط معيشية وحقوقية كافية ومن ثم تسريحهم في الشوارع مقابل (أتاوة) شهرية. كما أن عدم إلزام الشركات بتوفير مساكن مخصصة للعمالة الوافدة وكذلك وسائل نقل ملائمة يعتبر خللا تنظيميا فادحا. كما أن تأجير الوحدات السكنية والغرف يتم بصورة عشوائية غير منضبطة. فيجب أن يكون هناك تراخيص لمساكن خاصة بالعمالة، وتراخيص خاصة بالعائلات، وأخرى للعزاب باشتراطات بناء واضحة تراعي اختلاف الاستخدامات لكل فئة من تلك الفئات، والمواقع المخصصة لكل فئة عن الأخرى. كما أن عقود الإيجارات يجب أن تسجل لدى الشرطة المحلية أو الفرعية مع احتفاظ بسجل لكل عقد، وبيانات متكاملة عن المستأجرين والمؤجرين يسهل الرجوع إليها عند الحاجة.
إنشرها