Author

كي يكون لإعلامنا دور رقابي «مهني» للأداء العام والخاص

|
بصراحة تامة، هذا المقال يمثل دعوة لكل مهتم بالشأن الإعلامي وكل مسؤول عن الإعلام في المملكة إلى التحرك الجاد في سبيل رفع المستوى المهني للإعلام بشكل عام والاقتصادي بشكل خاص من حيث الكيف وليس الكم من المستوى ''المتدني'' الذي وصل إليه، أو على الأقل الحد من مستوى الانحدار الذي يعيشه اليوم، والفساد الذي بدأ ينخر فيه، والمحسوبيات التي تسيطر عليه وتداخل المصالح وتضاربها. الإعلام صناعة، والصناعة لها عناصر ومكونات وحوكمة، وهناك أخلاقيات المهنة فوق كل ذلك في هذه الصناعة تحديدا، ففي العرف الصحافي الأمريكي ـــ على سبيل المثال ـــ لا يمكن لصحافي يحترم مهنته ويريد المحافظة على مستقبله أن ينشر خبرا مهما كان قبل أن يتوافر لديه على الأقل مصدران مستقلان! إلا إذا كان لديه مستندات أو وثائق. لقد أضحت التغطية الإعلامية الاقتصادية مجال تسابق جميع القنوات الإعلامية بجميع أنواعها وأطيافها كما، سواء المشاهد منه والمقروء، أو المسموع وكذلك ''الإعلام الإلكتروني الجديد''. مع تزايد موجة الكتاب الشعبيين الذين أصبحوا يفهمون ويفتون في الشأن الاقتصادي! لا أحد يقول لا أعرف، لا أفهم، أو ليس تخصصي اليوم! فالكل عارف! بطبيعة الحال، التيار الإعلامي والانفتاح غير المسبوق الذي يزيد مثل متوالية رياضية يوما بعد آخر، لا يمكن الوقوف في وجهه ويصعب الحد منه. وهو ما لا يطلبه عاقل. لكن فيما يخص الشأن الاقتصادي عموما والمالي خصوصا، نجد أن هناك حقائق لا يمكن لعاقل أن يتجاهلها. ومع ذلك يصر الإعلام على أن يناقشها بشكل سطحي أو من زاوية شعبية بحتة، بحيث تفقد أي مجال للحوار والنقاش فيها بشكل مهني، إلا من رحم ربي. ولدينا تجارب حقيقية موجودة على أرض الواقع في هذا السياق، حتى أنها أدت إلى خسائر بالمليارات وليس الملايين. أوضحها ما حدث في سوق الأسهم والدور الذي لعبه الإعلام (الدور السلبي سواء كان يعلم أو لا) طبعا، إضافة إلى الأدوار الأخرى التي لعبها آخرون! فقد خسر المستثمرون أكثر من 1.8 تريليون خلال تلك الفترة وبنسبة 60 في المائة! السؤال الأول إذاً: هل يدرك الإعلام الدور السلبي الذي يلعبه فيما حدث ويحدث في اقتصادنا اليوم؟ وإن وجد ما هو على وجه التحديد؟ وهل نستطيع معرفة حجم الخسائر التي تكبدها الوطن والمواطن من الدور الإعلامي بكل أنواعه بما في ذلك المنتديات ولا يزال بسبب غياب الطرح المهني؟ هل يستطيع مواطن أو شركة أو أي جهة رسمية مقاضاة قناة إعلامية أو صحيفة أو منتدى بعينه بهذا الخصوص متضررة تستطيع تحديد حجم الضرر المادي المترتب على مقالة أو تقرير لم يراعِ الدقة والمهنية فيما كتب؟ ولدينا حالات ـــ بكل أسف ـــ تثبت ذلك! بعيدا عن كل ذلك ومن خلال مراقبة قريبة خلال فترة توقف عن الكتابة ''اختياريا'' لتقييم خمسة أعوام من الكتابة المستمرة والتداخل في ومع الشأن الإعلامي الاقتصادي، وجدت حالات كثيرة سواء لكتاب أو محررين نشروا أو كتبوا بشكل أعتقد أنه يمكن مقاضاتهم على ذلك! والسبب أنهم تحدثوا واتهموا وتجنوا دون أن يكون لديهم الحد الأدنى من المعلومات عن حقيقة الموضوع، فضلا عن وجود قصور أو مخالفة أو تداخل مصالح وعدم حيادية! يعني عندما يتحدث كاتب يفترض أنه ''كبير'' و''شعبي'' عن موضوع وهو لا يعرف ولم يكلف نفسه أن يعرف أن هناك مثلا نظاما كاملا نُشر ومطبقا، ورغم ذلك يسأل: لماذا لا يوجد نظام يحكم هذا النشاط أو تلك المسألة، فماذا نتوقع من الملاحظات التي ستذكر بعد ذلك؟ ويمكن قياس ذلك على حالات كثيرة تتكرر بشكل يومي! أو وجود تعارض مصالح أو تداخل مصالح، ومن يكشف الغطاء فسيجدها منتشرة! ورغم أن الشأن الاقتصادي لم يعد شأنا نخبويا خلال السنوات القليلة الماضية من ناحية الاهتمام، وبالذات بعد دخول جميع المواطنين في سوق الأسهم والمساهمات والقروض، هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها. والدليل الحيز الكبير الذي تفرده المؤسسات الإعلامية للشأن الاقتصادي اليوم. المشكلة في طريقة ومستوى الطرح الإعلامي! وعلى الدرجة التي وصلت إليها الأمور. إن أي قرار أو توجه إصلاحي حقيقي لم يعد يؤخذ اليوم على محمل الجد من قبل المواطن. بل هناك تذمر من كل الخطوات الإصلاحية من قبل العامة؛ لأن القيادة الإعلامية سطحية في الشأن الاقتصادي تحديدا مع وجود الاستثناء بطبيعة الحال! علينا ألا ننسى كمثال حديث ومستمر، طريقة تعامل الإعلام المحلي والمحسوب علينا مع الأزمة المالية العالمية وموقع المملكة من تلك الأزمة تأثرا وتأثيرا! لقد صرح وزير الإعلام نفسه، في كلمته التي تصدرت التقرير السنوي للوزارة لعام 1430هـ/ 1431هـ، بأن المملكة أطلقت يد الحرية '' المسؤولة'' للإعلاميين والكتاب''، ولنضع خطوطا تحت كلمة المسؤولة. ولا يعنيني ماذا كان يقصد بالمسؤولة كوزير إعلام يمثل الجانب الرسمي. لكن المهم أنها تعني أن تكون الكتابات والتقارير الاقتصادية تحديدا، في مستوى التحديات التي تواجهها المملكة في هذا الشأن، خصوصا أن المملكة تتصرف اليوم ليس فقط بما تقتضيه المصلحة المحلية فقط، لكن أيضا بما تتطلبه المصلحة العامة للاقتصاد الدولي بحكم عضويتها في مجموعة العشرين، وأيضا تأثيرها في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتأثرها. يجب ألا يفهم كلامي هذا أني أطالب بعدم النقد وتكميم الأفواه، أريد نقدا مهنيا حتى إن كان قاسيا وحادا وليس كلام مجالس! فهو ما يصلح الاعوجاج، ويجعل المسؤول تحت الضغط؛ كي لا يتجاهل النقد. وقد أعجبني أستاذنا العزيز يوسف الكويليت في كلمة جريدة ''الرياض'' عندما كتب تحت عنوان ''ما جدوى أن تكتب عن قضايانا المحلية؟''، حيث تساءل في بداية المقال: ''هل أصبح الرأي في نقد شركة أو مؤسسة أو إدارة حكومية مجرد صوت أجوف لا يحرك ساكنا أو يعطيه الاهتمام في قبل الجهات، رغم تماسها مع مصالح المواطن، وكأنها تملك الحصانة عن المساءلة أو العقوبات؛ لأنها باسم قانون غير مكتوب، لكن متعارفا عليه، أن تلك الأصوات والكتابات ليست إلا حالات تفريغ لبعض الغضب، لكنها لا تؤثر في مسار من تعنيهم وسائل الإعلام بالنقد أو حتى الالتفات برد مقنع''. أتفق تماما أن لدينا شقوقا كبيرة في كل جزئية من جزئيات العمل العام والخاص. لكن أيضا لدينا هوة كبيرة بين ما يجري على أرض الواقع وما يكتب في الإعلام. فكم ضحكنا كثيرا على حالات واضحة لبعض الكتابات والتقارير الصادرة عبر بعض الوسائل الإعلامية عن موضوع معين، حيث الحقائق تؤكد أن مَن كتب ذلك لا يعرف ألف باء الموضوع ولا حقائقه، فما بالك بأن يكون ناقدا له وكاشفا لعيوبه! وهذه أحد أهم الأسباب التي تجعل دور الإعلام (وبالذات المكتوب منه) في الشأن الاقتصادي سلبيا لا إيجابيا. والله من وراء القصد.
إنشرها